بين ذوق مصبح وبيني…
18-09-2023 | 12:39
المصدر: النهار - ليليان خوري
يوماً ما، سأُحرَمُ النَظَرَ الى دير سيدة اللويزة المواجه لردهتي.
يوماً ما، سأُحرَمُ النظرَ الى طرقاتِ حيّنا الضيقة، وأنا أرتشف فنجان قهوتي باكراً.
يوماً ما، سأرحَلُ دونَ أن أرتوي من النظرِ الى البحرِ المقابل لشرفتي الزجاجيةِ الكبيرة.
يوماً ما، سأرحلُ وأُحرَمُ من سماعِ صوتِ الطيورِ، تلقي عليّ تحيةَ الصباحِ، وانا اأمدّدُ نظري في كلِّ زاويةٍ من منطقتي في ذوق مصبح.
يومَ جِئتُها منذُ عشرينَ عاماً، ظَننتُ اأنّني لنْ امكثَ فيها طويلاً ، خصوصاً أنّني غادرتُ بلدتي الأم "الجديدة في المتن"، التي ولدت فيها، وترعرتُ، وكبرتُ، وتعلمتُ ومن ثم تزوّجت.
عشرونَ عاماً عمرٌ غيرُ قليلٍ، جعلني أتعلّقُ بها، كما يتعلّقُ السمكُ في الماءِ ويحيا فيه.
سطّرتُ شوارِعِها، من كل حدبٍ وصوبٍ سيراً على الأقدامِ صباح كل يوم. وكأني بِها ومِنها أحتَفِظُ لذاتي بمخزونٍ من الحبِ والجمالِ، أغرِفُ منهما كلَّ ما اشتهَتْ نفسي الحياة، وَرَغِبَت في البقاءِ والاستمرارِ بطمأنينة.
عشرونَ سنَة، وأنا أجولُ في كلِّ أزِقتِها، وفي كلِّ مرةٍ كنتُ أكتشِفُ فيها زاروباً جديداً، أو بيتاً قديماً، زادَهُ الزمانُ، فوقَ الزمانِ جمالاً وروعةً وتألقاً.
حينَ كنتُ أتعَبُ من تَكيّيلِ الطرقاتِ، ذهاباً وإياباً. كنتُ ألتجئُ إلى ساحةِ كنيسةِ الوردية، التي حَضَنَتْ ذوق مصبح منذ مئاتِ السنين.
كنتُ أدورُ الردهةَ الخارجيةَ للكنيسة، التي تسعُ الناسَ، المُحّبَةَ لهوايةَ المشي. كمَا، تَتّسِعُ للعَدَدِ الوافِرِ للمؤمنينَ الذينَ، يُقبّلونَ جُدرانَ كنيسةِ السيدة من الخارج، حينَ كانَتْ تُقفَلُ أبوابَها في ساعاتٍ معينّة. في أجملِ مَشهَدٍ، ممكنْ أن تراهُ العينْ. بصورةٍ وجدانيةٍ رائعةٍ، تَنّمُ، عن إيمانٍ تلقائي وانسيابي، يُحَرّرُ المؤمنُ، من شكلياتٍ مصطنعةٍ، فَيَترُكُ نفسَهُ، على سَجِيَتِهِ، في علاقةِ ودٍّ، ودعاءاتٍ سِرِيّة بينهُ وبينَ الخالِقْ، الذي يرى ويراقبُ ويُبارِك منَ السماء.
لن أدخُلَ، في تفنيدِ وتمحيصِ اسم ذوق مصبح وأصله. كما فَعَلَ، في كتابه" في سبيل ذوق مصبح" الإعلامي والأستاذ الجامعي جورج مغامس الذي شَرَحَ في كتابِهِ، بطريقة علميةٍ، تاريخ البلدة وجذورَها وجغرافيتَها، وعاداتها، وتعدادَ سكانِّها ونَسَبَ عائلاتهِا. ومن ثَمَّ مَدارِسَها، وجامعاتها. وأهمّها "سيدة اللويزة"، التي يتَسابَقُ الاأهالي لِتَسجيلِ أولادِهِم فيها، نظراً لمكانتِها التربويةِ المُتَقّدِمة، ومواكبتها التطوّر في كل زمانٍ ومكان.
شروحاتٌ مُفَصّلة، يُورِدُها "مغامس" في كتابه. بِقَلَمِهِ المميّز، "المغمّس" بالثقافةِ والعلمِ والحقيقة. وبِقلَمِ كُثُرٍ، آثروا أن يرووا علاقَتِهِم، بهذه الضيعةِ النموذجية، التي تحتضِنُكَ بقلبٍ كبير ومَحَبّة، قلَّ نَظيرُها، مِن أبناءِ رعيةٍ، همُّها توطيدُ أواصِرِ التآخي والتواصل، مَع كلِّ زائرٍ جديد رَغِبَ السَكَنَ فيها.
ذوق مصبح، ضيعة مقدّسَة ومبارَكة. خصوصاً، وانّها مُزَنّرَة بِسلسلة مِنَ الكنائسِ القديمة، كَمِثْلِ "كنيسة سيدة الوردية" و"كنيسة مار الياس"، اللّتينِ تَدخُلهما للصلاةِ خاشعاً، وتَخْرُجُ مِنهما معبأً بالإيمانِ والتقوى والفضيلة، بمعيةِ رُهبانٍ نذروا أنفُسَهم للرّبِ ومخلوقاتِه.
لم تعد ذوق مصبح، بالنسبةِ لي مكاناً مُسَجّلاً في الدوائرِ العقارية. إِنّما، بحرٌ من فرحٍ لَن يَنضَب أبداً.
ذاتَ يومٍ، حينَ تغفو عيناي عن رؤيَتِها.
"احرقوا جزءاً ولو قليلاً من جسدي، وانثروا معه كل روحي كي يبقى لي مكانٌ فيها.
يوماً ما، سأُحرَمُ النظرَ الى طرقاتِ حيّنا الضيقة، وأنا أرتشف فنجان قهوتي باكراً.
يوماً ما، سأرحَلُ دونَ أن أرتوي من النظرِ الى البحرِ المقابل لشرفتي الزجاجيةِ الكبيرة.
يوماً ما، سأرحلُ وأُحرَمُ من سماعِ صوتِ الطيورِ، تلقي عليّ تحيةَ الصباحِ، وانا اأمدّدُ نظري في كلِّ زاويةٍ من منطقتي في ذوق مصبح.
يومَ جِئتُها منذُ عشرينَ عاماً، ظَننتُ اأنّني لنْ امكثَ فيها طويلاً ، خصوصاً أنّني غادرتُ بلدتي الأم "الجديدة في المتن"، التي ولدت فيها، وترعرتُ، وكبرتُ، وتعلمتُ ومن ثم تزوّجت.
عشرونَ عاماً عمرٌ غيرُ قليلٍ، جعلني أتعلّقُ بها، كما يتعلّقُ السمكُ في الماءِ ويحيا فيه.
سطّرتُ شوارِعِها، من كل حدبٍ وصوبٍ سيراً على الأقدامِ صباح كل يوم. وكأني بِها ومِنها أحتَفِظُ لذاتي بمخزونٍ من الحبِ والجمالِ، أغرِفُ منهما كلَّ ما اشتهَتْ نفسي الحياة، وَرَغِبَت في البقاءِ والاستمرارِ بطمأنينة.
عشرونَ سنَة، وأنا أجولُ في كلِّ أزِقتِها، وفي كلِّ مرةٍ كنتُ أكتشِفُ فيها زاروباً جديداً، أو بيتاً قديماً، زادَهُ الزمانُ، فوقَ الزمانِ جمالاً وروعةً وتألقاً.
حينَ كنتُ أتعَبُ من تَكيّيلِ الطرقاتِ، ذهاباً وإياباً. كنتُ ألتجئُ إلى ساحةِ كنيسةِ الوردية، التي حَضَنَتْ ذوق مصبح منذ مئاتِ السنين.
كنتُ أدورُ الردهةَ الخارجيةَ للكنيسة، التي تسعُ الناسَ، المُحّبَةَ لهوايةَ المشي. كمَا، تَتّسِعُ للعَدَدِ الوافِرِ للمؤمنينَ الذينَ، يُقبّلونَ جُدرانَ كنيسةِ السيدة من الخارج، حينَ كانَتْ تُقفَلُ أبوابَها في ساعاتٍ معينّة. في أجملِ مَشهَدٍ، ممكنْ أن تراهُ العينْ. بصورةٍ وجدانيةٍ رائعةٍ، تَنّمُ، عن إيمانٍ تلقائي وانسيابي، يُحَرّرُ المؤمنُ، من شكلياتٍ مصطنعةٍ، فَيَترُكُ نفسَهُ، على سَجِيَتِهِ، في علاقةِ ودٍّ، ودعاءاتٍ سِرِيّة بينهُ وبينَ الخالِقْ، الذي يرى ويراقبُ ويُبارِك منَ السماء.
لن أدخُلَ، في تفنيدِ وتمحيصِ اسم ذوق مصبح وأصله. كما فَعَلَ، في كتابه" في سبيل ذوق مصبح" الإعلامي والأستاذ الجامعي جورج مغامس الذي شَرَحَ في كتابِهِ، بطريقة علميةٍ، تاريخ البلدة وجذورَها وجغرافيتَها، وعاداتها، وتعدادَ سكانِّها ونَسَبَ عائلاتهِا. ومن ثَمَّ مَدارِسَها، وجامعاتها. وأهمّها "سيدة اللويزة"، التي يتَسابَقُ الاأهالي لِتَسجيلِ أولادِهِم فيها، نظراً لمكانتِها التربويةِ المُتَقّدِمة، ومواكبتها التطوّر في كل زمانٍ ومكان.
شروحاتٌ مُفَصّلة، يُورِدُها "مغامس" في كتابه. بِقَلَمِهِ المميّز، "المغمّس" بالثقافةِ والعلمِ والحقيقة. وبِقلَمِ كُثُرٍ، آثروا أن يرووا علاقَتِهِم، بهذه الضيعةِ النموذجية، التي تحتضِنُكَ بقلبٍ كبير ومَحَبّة، قلَّ نَظيرُها، مِن أبناءِ رعيةٍ، همُّها توطيدُ أواصِرِ التآخي والتواصل، مَع كلِّ زائرٍ جديد رَغِبَ السَكَنَ فيها.
ذوق مصبح، ضيعة مقدّسَة ومبارَكة. خصوصاً، وانّها مُزَنّرَة بِسلسلة مِنَ الكنائسِ القديمة، كَمِثْلِ "كنيسة سيدة الوردية" و"كنيسة مار الياس"، اللّتينِ تَدخُلهما للصلاةِ خاشعاً، وتَخْرُجُ مِنهما معبأً بالإيمانِ والتقوى والفضيلة، بمعيةِ رُهبانٍ نذروا أنفُسَهم للرّبِ ومخلوقاتِه.
لم تعد ذوق مصبح، بالنسبةِ لي مكاناً مُسَجّلاً في الدوائرِ العقارية. إِنّما، بحرٌ من فرحٍ لَن يَنضَب أبداً.
ذاتَ يومٍ، حينَ تغفو عيناي عن رؤيَتِها.
"احرقوا جزءاً ولو قليلاً من جسدي، وانثروا معه كل روحي كي يبقى لي مكانٌ فيها.