ي عجلة من أمري وظّبت حقيبتي وانطلقت لألحق بالقطار. جرى كل شي بسرعة
هو لم يصل إلى الستين من عمره، بينما أنا تجاوزت السابعة والعشرين.
ترى من يقرر مصائرنا، رغباتنا أم القدر؟
في عجلة من أمري وظّبت حقيبتي وانطلقت لألحق بالقطار. جرى كل شي بسرعة. اتصال مفاجئ، حجزت على أول رحلة وانطلقت إلى فيينا المدينة التي لم أزرها يوماً رغم وجود بعض الأقارب هناك.
في الطريق اتصلت به وأخبرته بموعد وصولي، رد بشكل مقتضب: سأنتظرك في المحطة.
وسبب هذه الرحلة المستعجلة أني تلقيت اتصالاً من عمو نادر الصديق القديم لأبي يعلمني أن أحد أخوالي - الذي لم ألتقِه يوماً ليس بسبب سفره الدائم بل بسبب العلاقة السيئة جداً مع والدي - سيكون في فيينا لبضعة أيام لزيارة أحد أولاده، وهناك فرصة مناسبة للقائه والحصول منه على توقيع لحصر إرث والدتي.
عمو نادر أوكلته أمي قبل وفاتها بكل القضايا لأنه الشخص الوحيد الذي تثق به، وهو محام عارف بكل هذه المشاكل العائلية.
ولعل سر حماسي للسفر دون تفكير هو رؤية عمو نادر. فقد كان مجرد طيف جميل في ذهني حين يأتي للزيارة ويلتف الجميع حوله ليحدثهم عن مغامراته ويضج الحاضرون بالضحك. كان حضوره طاغياً مليئاً بالحيوية.
لم يختفِ بعد موت أبي، كان محوراً لأحاديث الجيران والاستشهاد بأفعاله وأقواله. وكنت دائماً أتساءل لماذا هو ليس أبي.
لم ألتقِ بعمو نادر منذ عشرين سنة تقريباً بعد أن توفي والدي، وهو انتقل للعمل في مدينة بعيدة ثم جاءت الحرب التي شردتنا وحولت الجميع إلى لاجئين في دول متفرقة وتقطعت الأخبار، ولكنه كان دائم الاتصال بوالدتي والاطمئنان علينا.
خرج القطار هارباً من برلين، من نافذتي مرت أمامي عشرات البيوت المتناثرة في السهول والقطار يلهث ليصل في الوقت المحدد، كان في سباق مع ذاته في الحقيقة أنا من كنت أسابق ذاتي.
أغلقت النافذة وقررت الاستسلام للنوم، فقد أتى اليوم الذي ألتقيه وسأجعله يسرد لي تلك القصص التي كان الجميع يتهامس حولها وينفجرون ضاحكين.
ترى هل ما زال وسيما كما أذكره! هل سيٌدلعني بـ"لولو الصبي" ويضحك ويقول لأبي هي رجل البيت لا حاجة لك إلى صبي آخر.
كنت في السابعة حين مات أبي. بكى الجميع ما عداي. لم أنسَ أبداً أنه أجلسني على ركبتيه قبلني على رأسي وبكى بدموع تساقطت على وجهي، لم أفهم يومها السبب. وحتى هذا اليوم حين تتساقط قطرات المطر على وجهي أتذكره وأرغب في رؤيته، ربما لأبكي في حضن الأب الذي تمنيته وخسرت الأبوين بموت أبي.
لم أدرك كيف غفوت ولكن حين استيقظت عرفت أننا نقترب من فيينا.
ابتسمت بخبث، أخيراً سألقاه. في الحقيقة كان عندي يقين تام بأني ذات يوم سألتقيه وأعبر له عن إعجابي الشديد به بل وأكثر من ذلك.
وصلت قبله. اتصلت به فقال: ثلاث دقائق وسأكون عندك.
حين رأيته من بعيد ضحكت من أعماقي وسرت رعشة اجتاحت كياني، اقترب مني وابتسم بوقار ومد يده مصافحاً واقتربت لأقبله كشخص عزيز، وفي هذه اللحظة أصابني الإحباط، فلم يكن راغباً في ذلك.
قلت إن أحلامي مخالفة للواقع أو لعله الآن متدين أو...
أخذ مني حقيبة السفر، وبوجهه البشوش أشار لننطلق،
كان يسأل بتعاطف وحميمية عن كل أموري.
قبل أن نصل إلى الفندق قال تعالي لنشرب القهوة. وهنا حدث ما لم أكن أتوقع. لف ذراعه حول ذراعي وقادني باتجاه المقهى. لم تعد قدماي تحملني، فاتكأت برأسي على كتفه فشد ذراعي باتجاههه أكثر وألصقها بجسده.
حين جلسنا تكلم بطريقة المغازل ممازحاً مادحاً جمالي وقوامي. وأُقر بأنه ما كان ليتصور أن "لولو صبي" ستصبح أنثى بهذا القوام الجميل.
حين كان يحادث النادل تأملته. كان يبدو أجمل من الصور وأكثر رجولة وجاذبية رغم انتشار الشيب. كان يبدو أصغر بكثير من عمره.
الآن أدرك لماذا كان الجميع يحبون الاستماع إليه، فها هو يتحدث بمرح كطفل ولا يتحرج في استخدام كلمات نابية رغم ثقافته، لا يخفي اندهاشاته ويعبر عن نفسه بطريقة بسيطه ومرحة.
لم أكن أريد أن ينتهي اللقاء، بعد أن سألني عن أدق التفاصيل كما لوكنت في تحقيق وكنت أريد أن يسأل أكثر.
ضحك من كل قلبه على مقالبي، أمسك بكفي بيديه الدافئتين حين تحدثت عن موت أمي، تأسف وشتم ونثر الأمل حين حدثته عن فشل تجربتي في الزواج المبكر.
سألته: كيف عرفني؟ قال: من ضحكتك فأهل فيينا لا يضحكون بهذه الروعة. يا للسانه العذب.
أوصلني إلى الفندق، وتمنى لي ليلة سعيدة وأوصاني أن أتصل به إذا احتجت إلى أي شيء، واتفقنا على موعد اللقاء في اليوم التالي.
ترى من يقرر مصائرنا، رغباتنا أم القدر؟
في عجلة من أمري وظّبت حقيبتي وانطلقت لألحق بالقطار. جرى كل شي بسرعة. اتصال مفاجئ، حجزت على أول رحلة وانطلقت إلى فيينا المدينة التي لم أزرها يوماً رغم وجود بعض الأقارب هناك.
في الطريق اتصلت به وأخبرته بموعد وصولي، رد بشكل مقتضب: سأنتظرك في المحطة.
وسبب هذه الرحلة المستعجلة أني تلقيت اتصالاً من عمو نادر الصديق القديم لأبي يعلمني أن أحد أخوالي - الذي لم ألتقِه يوماً ليس بسبب سفره الدائم بل بسبب العلاقة السيئة جداً مع والدي - سيكون في فيينا لبضعة أيام لزيارة أحد أولاده، وهناك فرصة مناسبة للقائه والحصول منه على توقيع لحصر إرث والدتي.
عمو نادر أوكلته أمي قبل وفاتها بكل القضايا لأنه الشخص الوحيد الذي تثق به، وهو محام عارف بكل هذه المشاكل العائلية.
ولعل سر حماسي للسفر دون تفكير هو رؤية عمو نادر. فقد كان مجرد طيف جميل في ذهني حين يأتي للزيارة ويلتف الجميع حوله ليحدثهم عن مغامراته ويضج الحاضرون بالضحك. كان حضوره طاغياً مليئاً بالحيوية.
لم يختفِ بعد موت أبي، كان محوراً لأحاديث الجيران والاستشهاد بأفعاله وأقواله. وكنت دائماً أتساءل لماذا هو ليس أبي.
لم ألتقِ بعمو نادر منذ عشرين سنة تقريباً بعد أن توفي والدي، وهو انتقل للعمل في مدينة بعيدة ثم جاءت الحرب التي شردتنا وحولت الجميع إلى لاجئين في دول متفرقة وتقطعت الأخبار، ولكنه كان دائم الاتصال بوالدتي والاطمئنان علينا.
خرج القطار هارباً من برلين، من نافذتي مرت أمامي عشرات البيوت المتناثرة في السهول والقطار يلهث ليصل في الوقت المحدد، كان في سباق مع ذاته في الحقيقة أنا من كنت أسابق ذاتي.
أغلقت النافذة وقررت الاستسلام للنوم، فقد أتى اليوم الذي ألتقيه وسأجعله يسرد لي تلك القصص التي كان الجميع يتهامس حولها وينفجرون ضاحكين.
ترى هل ما زال وسيما كما أذكره! هل سيٌدلعني بـ"لولو الصبي" ويضحك ويقول لأبي هي رجل البيت لا حاجة لك إلى صبي آخر.
كنت في السابعة حين مات أبي. بكى الجميع ما عداي. لم أنسَ أبداً أنه أجلسني على ركبتيه قبلني على رأسي وبكى بدموع تساقطت على وجهي، لم أفهم يومها السبب. وحتى هذا اليوم حين تتساقط قطرات المطر على وجهي أتذكره وأرغب في رؤيته، ربما لأبكي في حضن الأب الذي تمنيته وخسرت الأبوين بموت أبي.
لم أدرك كيف غفوت ولكن حين استيقظت عرفت أننا نقترب من فيينا.
ابتسمت بخبث، أخيراً سألقاه. في الحقيقة كان عندي يقين تام بأني ذات يوم سألتقيه وأعبر له عن إعجابي الشديد به بل وأكثر من ذلك.
وصلت قبله. اتصلت به فقال: ثلاث دقائق وسأكون عندك.
حين رأيته من بعيد ضحكت من أعماقي وسرت رعشة اجتاحت كياني، اقترب مني وابتسم بوقار ومد يده مصافحاً واقتربت لأقبله كشخص عزيز، وفي هذه اللحظة أصابني الإحباط، فلم يكن راغباً في ذلك.
قلت إن أحلامي مخالفة للواقع أو لعله الآن متدين أو...
أخذ مني حقيبة السفر، وبوجهه البشوش أشار لننطلق،
كان يسأل بتعاطف وحميمية عن كل أموري.
قبل أن نصل إلى الفندق قال تعالي لنشرب القهوة. وهنا حدث ما لم أكن أتوقع. لف ذراعه حول ذراعي وقادني باتجاه المقهى. لم تعد قدماي تحملني، فاتكأت برأسي على كتفه فشد ذراعي باتجاههه أكثر وألصقها بجسده.
حين جلسنا تكلم بطريقة المغازل ممازحاً مادحاً جمالي وقوامي. وأُقر بأنه ما كان ليتصور أن "لولو صبي" ستصبح أنثى بهذا القوام الجميل.
حين كان يحادث النادل تأملته. كان يبدو أجمل من الصور وأكثر رجولة وجاذبية رغم انتشار الشيب. كان يبدو أصغر بكثير من عمره.
الآن أدرك لماذا كان الجميع يحبون الاستماع إليه، فها هو يتحدث بمرح كطفل ولا يتحرج في استخدام كلمات نابية رغم ثقافته، لا يخفي اندهاشاته ويعبر عن نفسه بطريقة بسيطه ومرحة.
لم أكن أريد أن ينتهي اللقاء، بعد أن سألني عن أدق التفاصيل كما لوكنت في تحقيق وكنت أريد أن يسأل أكثر.
ضحك من كل قلبه على مقالبي، أمسك بكفي بيديه الدافئتين حين تحدثت عن موت أمي، تأسف وشتم ونثر الأمل حين حدثته عن فشل تجربتي في الزواج المبكر.
سألته: كيف عرفني؟ قال: من ضحكتك فأهل فيينا لا يضحكون بهذه الروعة. يا للسانه العذب.
أوصلني إلى الفندق، وتمنى لي ليلة سعيدة وأوصاني أن أتصل به إذا احتجت إلى أي شيء، واتفقنا على موعد اللقاء في اليوم التالي.
الأكثر قراءة
العالم
11/10/2025 5:30:00 AM
من هي هذه "التيكتوكر"؟
سياسة
11/10/2025 5:33:00 AM
قائد الجيش قدّم تقريراً مفصلاً عن سير العمل في خطة حصر السلاح، موضحاً أن المرحلة الأولى التي تشمل الجنوب تسير وفق ما هو مخطط لها
سياسة
11/9/2025 4:03:00 PM
مورغان أورتاغوس تحتفل بعيد ميلاد ابنتها "أدينا آن"
سياسة
11/10/2025 1:06:00 PM
"رويترز" نقلاً عن مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين: خطة الجيش لا تشمل تفتيش الممتلكات الخاصة وإسرائيل طالبت بتنفيذ مداهمات للمنازل خلال اجتماعات آلية "الميكانيزم" في أكتوبر الماضي
نبض