الصندوق السيادي: لتعزيز اللامساواة في المجتمع اللبناني

منبر 07-10-2022 | 09:24

الصندوق السيادي: لتعزيز اللامساواة في المجتمع اللبناني

الصندوق السيادي: لتعزيز اللامساواة في المجتمع اللبناني
مع تطور تجليات الأزمة المالية الاقتصادية في لبنان، تطفو إلى السطح العديد من المواضيع الشائكة حول البرامج والمشاريع لتوفير الخروج الآمن من الأزمة
Smaller Bigger
مع تطور تجليات الأزمة المالية الاقتصادية في لبنان، تطفو إلى السطح العديد من المواضيع الشائكة حول البرامج والمشاريع لتوفير الخروج الآمن من الأزمة. والنقاش حول هذه المواضيع، على أهميته وشدة تأثيره على مستقبل البلاد، يشوبه الكثير من الغموض والتحوير المقصود لضمان مصالح "النخبة" كما يسميها البنك الدولي في تقريره الأخير عن لبنان على حساب المصلحة العامة. من هذه المشاريع يكاد يكون مشروع إنشاء "الصندوق السيادي" لإدارة أصول الدولة الأكثر رواجاً في أوساط المؤثرين على القرار، وهو يقوم على وضع أصول الدولة في صندوق خاصّ ليتم تخصيص عائدات استثمارها لسداد خسائر القطاع المصرفي التي قدرها صندوق النقد بنحو 68 مليار دولار. أو بمعنى آخر تحميل مجمل الخسائر المالية إلى الدولة اللبنانية (أو المواطن اللبناني) وتحييد رساميل أصحاب المصارف، وهذا يفسر حماسة جمعية المصارف للمشروع. ويبرر المؤيدون لهذا الطرح، الذي يلقي بعبء الخسائر على المواطنين، موقفهم بالقول إن القاطنين في لبنان جميعاً استفادوا من تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار لأنه أدى إلى المبالغة في تقييم العملة الوطنية، وبالتالي ارتفاع مستوى معيشة الناس وقدرتهم الشرائية. ولكن تغيب عن ذهن هؤلاء بعض النقاط المهمة.
فأولاً: لم يكن اللبنانيون على دراية بما يخطط لمستقبل بلدهم، بل كانوا منخدعين بالوهم الذي خلقته التركيبة السياسية والمالية الحاكمة بأن القطاع المصرفي هو العمود الفقري الذي ينبغي أن يقوم عليه الاقتصاد وأن العملة مستقرة والوضع مستدام. من ناحية أخرى، أثبت الانهيار والأحداث التي سبقته وتلته بما لا يدع مجالاً للشك أن المجموعة التي تولت هندسة الاقتصاد اللبناني على مدى سنوات، والتي تتألف من سياسيين ومصرفيين ومحتكرين ورجال مال وأعمال، (هذه المجموعة) كانت تعلم بما هو قادم على لبنان من جراء ما اقترفته أيديها، ومع ذلك أصرت على اتخاذ الإجراءات الملائمة كلما اقترب الانفجار الكبير لتأجيله، مع علمها بأن الدفع إلى الأمام وشراء الوقت يعظم من وطأة الانهيار المحتم على كاهل اللبنانيين.
ثانياً: إن المصائب التي حلّت على المواطنين خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي تشمل الهجرة، الانهيار المبالغ فيه لسعر صرف الليرة، الغلاء الفاحش للأسعار، إضافة إلى توقف الدولة شبه الكامل عن تأمين الخدمات الأساسية للناس، كلّها أشكال خسائر ناتجة من فشل النظام المالي الاقتصادي، تحمّلها اللبنانيون وكان وقعها على الطبقات الفقيرة منهم بطبيعة الحال أقسى من وقعها على النخبة؛ مع الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من أصحاب الودائع الصغيرة قد سحبت ودائعها خلال هذه الفترة من المصارف على أسعار الصرف المختلفة (غير القانونية والتي لا أساس معروف لها) وتحملت "الهيركات" بحقّها، مما يطرح تساؤلات حول هوية المستهدفين من شعار "قدسية (ما تبقى من) الودائع". وبهذا، نسبة كبيرة من اللبنانيين شاركت بالفعل في تحمل الخسائر من مدخّراتها.
ثالثاً: وبالرغم من أن تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار جلب بعض الإفادة في مجال الاستهلاك للّبنانيين في فترة ما قبل الأزمة فإنه في الوقت عينه حمّل الاقتصاد أثماناً دُفعت من جيوب المواطنين أنفسهم. فالنظام المالي الاقتصادي اللبناني الذي يمثل تثبيت سعر صرف العملة أحد أهم مرتكزاته سلب من اللبنانيين حقوقاً أساسية أخرى، فأدى إلى تغييب دور الدولة خدمةً للمصالح الخاصة والطائفية، وشجّع بشراهة على الاستيراد، وأضعف التصدير، فقضى على القطاعات الإنتاجية، وأعطى امتيازات لا تعدّ للمستثمرين وأصحاب المال مفضّلاً مصلحة هؤلاء على مصلحة المواطن، ودعم القطاع المصرفي وسمح له بتحقيق أرباح طائلة، كما وجّه الاستثمار نحو الخدمات حيث الرّبح المضمون والسريع ممعناً في ضرب إنتاجية الاقتصاد؛ فاتّسم الاقتصاد اللبناني بعدم المساواة الفاقعة حيث كان يرزح نحو 37 % من الشعب اللبناني تحت خطّ الفقر في العام 2019 (تقرير البنك الدولي، تموز 2022)، وصنّف لبنان في العام 2018 من بين البلدان ذات أعلى مستويات عدم المساواة في الدخل في العالم، حسب دراسة أعدّتها د. ليديا أسود في ديسمبر 2021.
من هذا المنطلق، لا يمكن القول إن اللبنانيين استفادوا من النظام المالي بشكل متساوٍ، فالأرباح التي جنتها النخبة تفوق بأضعاف مضاعفة تلك التي جنتها عامة الشعب، التي خسرت في المقابل، وفي الوقت نفسه، الكثيرَ من الحقوق. وتالياً، تحميل خسائر هذا النظام للبنانيين جميعاً بالتساوي عبر مشروع الصندوق السياديّ ما هو إلا محاولة جديدة لتعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية في لبنان. وإذا كانت العائدات من الأصول المَنْويّ استثمارها كافية لتغطية الخسائر التي تكبدتها البنوك والمصرف المركزي - علماً أن معظم هذه الأصول تدرّ أرباحًا بالليرة اللبنانية في حين أن الخسائر المذكورة هي بالدولار - فهل يشكّل هذا الصندوق المخرج المثالي من الأزمة المستعصية، خصوصاً أنه سيقلّص لا محالة من حجم الدولة ودورها من خلال تحويل مواردها الأساسية لتغطية الخسائر، في وقت يبدو فيه المجتمع اللبناني بأمس الحاجة إلى الخدمات العامة التي تقدّمها مؤسسات الدولة مثل التعليم والطبابة والنقل لمواجهة الأزمة التي تهدّد وجوده؟
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

تركيا 11/16/2025 6:11:00 AM
كان أفراد العائلة أصيبوا بتوعّك الأربعاء بعد تناولهم أطعمة من باعة متجوّلين
سياسة 11/16/2025 9:53:00 AM
قماطي: "الولايات المتحدة تُعزّز هذه المستودعات وتضغط بكل ما تستطيع لنزع سلاح المقاومة"
سياسة 11/16/2025 2:18:00 PM
حنكش: لضبط كل السلاح خارج الشرعية وخصوصاً مع رواسب الميليشيات المسلحة في المتن وكل لبنان
سياسة 11/16/2025 5:01:00 PM
تجاوز عدد المقترعين عند الإقفال 4700 ناخب