الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ملاحظات موجزة حول "قرار" مجلس النواب المتخذ في 27/11/2020

المصدر: "النهار"
مجلس النواب في جلسته الأخيرة (حسام شبارو).
مجلس النواب في جلسته الأخيرة (حسام شبارو).
A+ A-
زياد بارود
 
الإطار: في جلسته المنعقدة في 27/11/2020، وتبعا لمناقشته الرسالة التي وجّهها إليه رئيس الجمهورية في موضوع التدقيق الجنائي، اتخذ مجلس النواب "القرار" التالي:
"تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي، للتدقيق الجنائي دون أي عائق او تذرع بسرية مصرفية او خلافها".

مقدمة: الإيجابية في "القرار" تكمن في أنه يكرّس مبدأ التدقيق الجنائي الشامل، وهو يضع حد مبدئي للجدل الدائر حول الموضوع، بعد أخذ وردّ سياسي وقانوني وإعلامي. وإذا كان رئيس الجمهورية قد مارس حقا دستوريا في مخاطبة المجلس النيابي (م 53/دستور)، فإن الكتل النيابية باتت ملزمة أخلاقيا وتجاه الرأي العام بما ارتضته في القرار، حيث سيصعب عليها أن تصوّت على القوانين المرتقبة ذات الصلة بغير ما توافقت عليه في هذا القرار.
إلاّ أن هذه الإيجابية غير كافية لحسم ما يعترض التدقيق من معوقات، للأسباب الآتية:

 
1- لجهة الطبيعة القانونية للقرار: يثير "القرار" مسألة التوصيف القانوني: فلا هو قانون (تشريع) ولا هو جزء من القرارات التي يعود للمجلس النيابي أن يتخذها بالاستناد إلى الدستور أو النظام الداخلي للمجلس (على سبيل المثال: تشكيل لجنة تحقيق نيابية، رفع الحصانة عن أحد النواب...). وعلى أهمية إقرار "القرار" للمبدأ، إلاّ ان الشيطان يكمن في التفاصيل، وسيواجه المعنيون بتطبيقه مسائل التنازع المحتمل بين ما نصّ عليه في سطريه وبين تفاصيل دقيقة نصّت عليها قوانين نافذة ذات صلة (النقد والتسليف، السرية المصرفية...).

2- لجهة موقع القرار في تراتبية النصوص: إن الطابع "الهجين" للقرار يطرح حكما إشكالية موقعه في سلّم النصوص القانونية. فما دام القرار ليس تشريعا (خصوصا أن للتشريع آليات دستورية واضحة غير متوافرة إزاء القرار)، فهو غير قابل للطعن أمام المجلس الدستوري، وبذلك يصبح القرار بمنأى عن أي طعن أو مراجعة، ما يجعله أسمى من القوانين (!)، بما فيها القوانين الدستورية! وهذا غير معقول وغير مألوف في العلم الدستوري. 

3- لجهة ضرورة استتباع القرار بقانون يستكمله: ربما كان من الأجدى لو اتخذ "القرار"، ولو بنصّه العام، صيغة القانون الذي كان من الممكن إقراره معجّلا مكرّرا بمادة وحيدة، طالما انعقدت جلسة تشريعية أقرّ فيها قانون آخر. ومع ذلك، لكانت الحاجة لا تزال قائمة لاستصدار قانون أكثر تفصيلا، لسببين على الأقل:
 

السبب الأول: أن "القرار"، بحسب ما نصّ عليه، يقتصر على حسابات مصرف لبنان والوزارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق (مع الإشارة إلى أن ثمة رأي يقول أصلا بعدم ضرورة إقرار قانون لرفع السرية عن حسابات الدولة)، ولا يشمل بالتالي القطاع الخاص، حيث الإشكالية ستبقى قائمة على الرغم من صدور "القرار"، ما يستوجب قانونا في المجلس النيابي.
 
السبب الثاني: أن من شأن القانون الواضح الأحكام أن يحسم أي التباس على المستوى التطبيقي والإجرائي، في ظل اقتصار القرار على المبدأ فقط، وبالتالي الحؤول دون اصطدام إجراءات التدقيق الجنائي بمعوقات التفسير المتناقض أو عدم كفاية النص.

في المحصّلة:
• ستكون العبرة في الأيام القادمة لمدى الجدية والسرعة في إقرار القوانين اللازمة.
• يقتضي التذكير بأن رفع السرية المصرفية عن حسابات الدولة لا يحتاج إلى قانون، حيث يُكتفى بأن يطلب مجلس الوزراء (كونه السلطة الإجرائية العليا) رفع تلك السرية (أو يكلّف وزير المالية بذلك) وقد جاء "قرار" المجلس النيابي ليؤكّد المؤكّد لهذه الجهة، بصريح العبارة.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم