الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"حالة طوارئ" غير طارئة: مخالفات بالجملة

المصدر: "النهار"
وجوه الأمل والحلم (تعبيرية- نبيل إسماعيل).
وجوه الأمل والحلم (تعبيرية- نبيل إسماعيل).
A+ A-
   
سابين الحايك
 
تتراكم المخالفات القانونية في رصيد الحكومة اللبنانية، وآخرها تمديد حالة الطوارئ في لبنان حتى نهاية العام 2020 بشكلٍ مخالفٍ للقانون، فما هي هذه المخالفات وما البديل؟
 
لا تزال آثار انفجار بيروت جاثمة على صدور اللبنانيين واللبنانيات منذ الرابع من آب 2020، وخصوصاً بعد إعلان مجلس الوزراء حالة طوارئ جزئية في عاصمة لبنان، وإعلان بيروت مدينةً منكوبة في 5 آب. مخالفات عدّة رافقت إعلان حالة الطوارئ، بدءاً من المرسوم الذي صدر في 7 آب، وانعقاد المجلس النيابي في 13 آب للنظر في الإعلان نفسه والموافقة عليه.
 
رئيس المجلس النيابي نبيه بري أشار إلى أن حالة الطوارئ تبدأ في 5 آب وتستمر حتى 18 منه، خلال الجلسة التي انعقدت آنذاك في 13 آب، بينما عاد وصرّح لوسائل الإعلام قائلاً إن مدة الطوارئ تبدأ من تاريخ تصديق المجلس النيابي على المرسوم أي بدءاً من 13 آب حتى 27 منه. هذا اللغط الحاصل قلّل من أهمية الإعلان وساهم بالتعسف في استعمال الحق.
 
عملياً، القانون واضح في مسألة إعلان حالة الطوارئ، فالمرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر في 5 آب 1967 يوضّح أنه يجوز إعلان حالة الطوارئ "عند تعرض البلاد لخطر داهم ناتج عن حربٍ خارجية أو ثورة مُسلّحة أو أعمال أو اضطرابات تهدّد النظام العامّ والأمن أو عند وقوع أحداث تأخذ طابع الكارثة". جرّاء هذه الظروف الاستثنائية، تُتخذ تدابير لا يمكن تطبيقها عادةً ضمن الإطار القانوني العادي. وفي هذا السياق، تبقى رقابة مجلس شورى الدولة ضرورية للنظر في المخالفات والانتهاكات الحاصلة.
 
ما هي المخالفات التي رافقت إعلان حالة الطوارئ؟
نصّت المادة 65 من الدستور على أن المواضيع الأساسية تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة، كما وأن حالة الطوارئ تدخل ضمن هذه المواضيع. وجاء المرسوم الاشتراعي رقم 52 مشدّداً على هذا الأمر، مضيفاً أنه على مجلس النواب الاجتماع للنظر في هذا التدبير خلال مهلة لا تتعدى ثمانية أيام وإن لم يكن في دور الانعقاد.
 
عملياً، شابَ إعلان حالة الطوارئ مخالفات عدّة. إذ لا يمكن للبلاد دخول حالة الطوارئ إلا مع موافقة المجلس النيابي على مرسوم إعلان الحالة نفسها، بحيث ينعقد مجلس النواب يوم صدور المرسوم بأكثرية ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، وهذا الاجتماع الفوري المُبرّر بالحالة الطارئة يهدف إلى تجنّب أي تفاوت بين إعلان حالة الطوارئ وصدور المرسوم وموافقة مجلس النواب من حيث بدء سريان المهل. إلا أن الخطأ الذي حصل تجلى في صدور المرسوم بتاريخ 7 آب، علماً أن مجلس الوزراء أعلن الطوارئ في 5 آب، لذا يمكن التأكيد أن جميع الإجراءات التي اتُخذت بين 5 و7 آب غير قانونية.
 
إضافةً إلى ذلك، في 17 آب، تمّ تمديد حالة الطوارئ للمرة الأولى لغاية 18 أيلول، بمرسوم من دون اجتماع مجلس الوزراء، وأعلن عن هذا المرسوم أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكية، عبر إصدار مذكرة إدارية مع توقيع استثنائي من رئيسي الجمهورية والحكومة. هذا الإعلان يخالف بشكلٍ فاضح المرسوم الاشتراعي رقم 52 ويضرب بالدستور عرض الحائط.، والتذرع بحُجّة أن الحكومة مستقيلة وتتولّى فقط تصريف الأعمال غير مجدية، إذ يجوز للحكومة المستقيلة أن تجتمع لظروف استثنائية لاتخاذ إجراءات ضرورية كحالة الطوارئ.
 
لم تقتصر المخالفات على التمديد الأول، لا بل شملت أيضاً التمديد الثاني الذي أُعلن عنه لغاية 31 كانون الأول 2020. هذا التمديد الذي كلّف الجيش بصلاحيات إضافية، لم يتم بموجب مرسوم إنما بمذكرة إدارية صادرة أيضاً عن أمين عامّ مجلس الوزراء وبناءً على الموافقة الاستثنائية لرئيسي الجمهورية والحكومة.

في كلتا الحالتين، خالف التمديد الأصول القانونية إذ إن التمديد هو بمثابة إعلان جديد لحالة الطوارئ، وبالتالي يتطلب مرسوماً بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء واجتماع مجلس النواب من جديد للموافقة على هذا التدبير. علاوةً على ذلك، ليس لأمين عامّ مجلس الوزراء أي صلاحية لاتخاذ هذه الإجراءات. وشدّد المتخصص في القانون الدستوري الأستاذ وسام اللحام في جلسة حوارية نظّمتها المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في 9 تشرين الأوّل أنّه "حسب القانون الإداري يدخل هذا الفعل ضمن العمل غير الموجود قانونياً أي actes inexistants لما ينتج عنه من خرق فاضح للقوانين".

هل استخدمت السلطة العسكرية جميع الصلاحيات المتاحة لها في القانون؟

توسّع حالة الطوارئ من صلاحيات السلطة العسكرية ولكن من دون تعليق القوانين التي تبقى سارية ونافذة، فمن غير الشرعي أن يُمارس الجيش صلاحيات غير مُعطاة له في قانون الطوارئ. لذلك حدد المرسوم الاشتراعي رقم 52 أنه يحق للسلطة العسكرية العليا اتخاذ تدابير استثنائية منها: فرض الرقابة على مختلف وسائل الإعلام، تحري المنازل في الليل والنهار، مصادرة الأشخاص والممتلكات، فرض الإقامة الجبرية على الأشخاص، فرض الغرامات، ومنع التجوّل.

عملياً، لم يمارس الجيش هذه الصلاحيات ولم يُطبق قانون الطوارئ بحذافيره. ولكن التحركات الشعبية في 8 آب شهدت انتهاكات عدّة بحق المتظاهرين والمتظاهرات، وهذا ما أكدته تقارير منظمتي "هيومن رايتس واتش" و"العفو الدولية" اللتين أشارتا في تقارير عدة استعمال قوى مكافحة الشغب قوة مفرطة وفتّاكة ضد المتظاهرين السلميين وتسببت بمئات الإصابات والتشوّهات، علماً أن لا شيء يُبرّر العنف والقمع حتى تحت غطاء حالة الطوارئ.

ما البديل؟
التعبئة العامّة المُعلنة منذ بداية تسجيل عدد من الإصابات بجائحة كورونا في شباط 2020 كانت كافية لمواجهة ومعالجة تداعيات انفجار المرفأ، إذ إن الدولة مخوّلة ممارسة الصلاحيات غير الاعتيادية والضرورية ضمن نظام التعبئة. ولكن على ما يبدو فضّلت السلطة إعلان حالة الطوارئ وقمع الحريات وخصوصاً حرية التعبير تخوّفاً من غضب الشعب وبهدف السيطرة على التحركات الشعبية احتجاجاً على الانهيار المعيشي والنقدي والاقتصادي الذي وصلنا إليه.
بعد مرور سنة على انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، نتساءل عن مصير هذه الانتفاضة والحراكات الشعبية المنبثقة منها خصوصاً في ظلّ إعلان حالة طوارئ بطريقة غير قانونية لغاية 31 كانون الأول. هل ستستخدم السلطة العسكرية الصلاحيات المنصوص عليها في المرسوم الاشتراعي لقمع التظاهرات؟
 
 
 
لمسؤولة عن الأبحاث القانونية في المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان
 
 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم