الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الخطوط الحمراء في بلد ديموقراطي عربي؟

حمزة عليان
حمزة عليان
"لقد أعادت الخطوط الحمراء إنتاج نفسها بدلاً من الاختفاء" (تعبيرية- أ ف ب).
"لقد أعادت الخطوط الحمراء إنتاج نفسها بدلاً من الاختفاء" (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
كيف يبدو المغرب بعيون فرنسية؟ ذاك هو محور الكتاب الذي أصدره المؤرخ بيار فيرمورين، ونشرته صحيفة "العمق" المغربية حصراً، وقرأته من خلال موقع "مغرب برس" الإلكتروني.
 
أن تكتب شخصية فرنسية عن هذه المملكة فذلك أمر يدعو للفضول ومعرفة ماذا يقول، نظراً للعلاقة التاريخية التي تربط البلدين وما تخلّلها من وشائج وإشكالات، بدءاً بمرحلة الاستعمار ومروراً باغتيال المعارض المهدي بن بركة، والإرث الجغرافي لوجود جالية مغربية كبيرة في فرنسا، وغير ذلك من ملفات.
 
الكتاب يحمل عنوان "مملكة التناقضات.. المغرب في مئة سؤال". والمثير في الأمر أنّ طريقة العرض للمضمون تحفّز القارئ على التصفح. فقد اختار الكاتب أسلوباً مشوقاً، فكان السؤال عبارة عن فكرة جدلية، أوردها في معرض الحديث عن مجمل القضايا الساخنة أو المطروقة بطريقة المواربة.
 
المطّلع على شؤون وتاريخ المغرب يدرك تماماً أنّ الأسئلة العميقة ليست كتلك الرائجة في كتب تعليم اللغات أو اعرف شخصيتك، التي تخاطب فئة من الناس ترغب بالتعلم أو لديها مشاكل نفسية، بل هي تضع الإصبع على الجرح والمواجع وتثير الانتباه بمعرفة الخفايا والخبايا التي تكمن وراءها. 
 
طَرَقَ المواضيع المحظورة ودخلها مباشرة فكان السؤال عبارة عن حلقة كاملة بعنوان "ما هي الخطوط الحمراء في المغرب"؟ 
 
أتناول هنا المضمون والأفكار حتى لا نقع في المحظور، فقد حرصت على البقاء تحت سقف قانون المطبوعات، اعتقاداً مني أنّ حرية التعبير مصونة في "الدساتير العربية" كما يقولون؟ 
 
هناك قضايا محظورة ومحرّمة كما ينقل المؤرخ الفرنسي، وهذا برأيي ليس أمراً مجهولاً أو مكتوماً. فكلّ الأنظمة الديموقراطية والملكية في العالم العربي لديها هذه الخطوط، وإن اختلفت المسميات واختلفت الطرق المتبعة "للتخلّص" من قائليها! يقول، كانوا يطلقون عليها "مملكة الصمت" ويشيرون إلى "سنوات الرصاص"، التي تدور حول ثلاثة محاور في إشارة إلى المصطلحات "الله، الوطن، الملك". فمن وجهة نظره، ممنوع التشكيك في الإسلام والمسائل الدينية باعتبار أنها تدخل تحت قيادة "أمير المؤمنين"، وممنوع الاقتراب من "القصر" والعائلة المالكة، وممنوع التشكيك بقضية الصحراء المغربية. 
 
ومن واقع معايشة المؤلف، عدد قليل من المغاربة لا يقبل التحدث مع شخص غريب إلّا في حدود ضيقة، لكن هذا الواقع تبدل وتغير بفعل التطورات التالية: 
 
1. انطلاق ثورة الاتصالات على مراحل أسهم بتحرر المغاربة تدريجياً من الخوف. 
 
2. ثورات الربيع العربي دفعت إلى تحرير الكلمة منذ عام 2011. 
 
3. احتجاجات الريف والقرى كانت لحظات قوية عجّلت بالتغيير واستخدام الإنترنت 2016 - 2018. 
 
4. انفجار وسائل الإعلام الإلكترونية بين التسعينيات و2010. 
 
5. استخدام 20 مليون مغربي شبكات التواصل الاجتماعي عام 2019. 
 
تلك المسببات أوصلت جيلاً من المثقفين والصحافيين إلى كسر "التابوهات"، وخاصّة عبر صحيفتي "Le Journal" و"Demain"، اللتين مُنعَتا عام 2000. 
ثم يطرح الكاتب السؤال، هل يعني أنّ الكلمة أصبحت حرّة وأنّ الخطوط الحمراء اختفت؟ 
 
يجيب بالقول: "لقد أعادت الخطوط الحمراء إنتاج نفسها بدلاً من الاختفاء"! فالرقابة ما زالت تفعل فعلها بمختلف الأشكال، وإن باتت قضايا الصحراء والإسلام أكثر هشاشة لكنها لم تختف. 
 
يصل إلى خلاصة، مفادها أنّ المعلومات عن سلطة الدولة وأصحابها وتجاوزاتهم لا تزال في منطقة الظل، حتى وإن نُقلت بعض المقالات والكتب الممنوعة والمنشورة في الخارج عبر الشبكات الاجتماعية. 
 
واستكمالاً لهذا السؤال، أتبعه بسؤال آخر يصبّ في خانة مشابهة، هو هل المغرب بلد ديموقراطي؟ ووفقاً لمطالعة المؤرخ الفرنسي والخبير بالشأن المغربي، فقد استعمل تعبيرات تنمّ عن دراية كاملة وقراءة متفحصة لتاريخ النظام السياسي، فعبارة "الديموقراطية قيد الإنشاء"، أو "هو في سبيله للتحوّل إلى الديموقراطية"، أو "أن الانتقال إلى الديموقراطية يسير في الطريق الصحيح" تملأ الخطابات السياسية الرائجة وهذا يدلّ على أنّ المسألة ما زالت في بداياتها! 
ففي الثمانينيات لم يكن أحد يتصوّر اعتبار المغرب بلداً ديموقراطياً، ولم يكن ذلك يزعج السلطة. ومع مرور الوقت وسقوط جدار برلين والتقارب مع أوروبا، ابتعدت المملكة إلى حدّ كبير عن "سنوات الرصاص"، وأسقطت الجدران الإسمنتية التي أحاطت بحقوق الإنسان، بإعلان إنشاء "هيئة الإنصاف والمصالحة" عام 2002 لمعالجة انتهاكات تلك الحقوق، يحدوها الأمل باقتباس نموذج إسبانيا ما بعد عهد الجنرال فرانكو. 
 
لا شك بأنّ دستور 2011 خطا بالبلاد نحو التحوّل الديموقراطي المنشود، وإن ظل "الملك" و"القصر" و"المخزن" حجر الزاوية المؤسسية في المملكة المغربية، يمسك بجميع السلطات وكل السلطات مستمدة منه. 
 
بقي "المخزن" والمرادف للسلطة المطلقة حاضراً في كل مكان، بكونه يمثّل الهيكل الأساسي للدولة من النواحي الإدارية والأمنية والاقتصادية والدينية.
 
 
*إعلامي وباحث لبناني مقيم في الكويت 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم