الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الخليج في 2021: مصالحات وتسويات وآمال بعصر جديد

تعبيرية(أ ف ب).
تعبيرية(أ ف ب).
A+ A-
كتب سليمان العقيلي*
 
 
يستقبل الخليجيون السنة 2021 بآمال عريضة وتوقعات وردية في المصالحات والتسويات السياسية وبمزيد من التطلعات نحو الأمن والاستقرار لسنوات عديدة، إنْ لم يكن استقراراً دائماً، لا تناله على أي حال الطموحات الإيرانية العنيفة.

وبصرف النظر عن مأساة كورونا وما خلفته من انعكاسات اقتصادية واجتماعية كان من أهمها خليجياً هبوط اسعار النفط والركود الاقتصادي، مع حالة من عدم اليقين في انقشاع هذه الجائحة في وقت قريب من السنة الجديدة.

فعلى الصعيد الأمني والسياسي هناك حوادث بارزة يمكنها أن تكون مفاتيح رئيسية للرؤية الخليجية المتفائلة، أولاً هو المباحثات الجارية حالياً بين المملكة العربية السعودية وقطر، والتي تحدث عنها بإيجابية وزير الخارجية الكويتي ثم كل من وزيري الخارجية السعودي والقطري.

وتنظر شعوب المنطقة الى الأزمة الخليجية القطرية باعتبارها تسببت في أمرين، الأول جمود عمل المنظومة الخليجية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لنحو ثلاث سنوات ونصف السنة، والأمر الثاني أن الازمة تمخضت عن أزمات أخرى للمنطقة وبلدانها، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويتوقع أن تشهد المنطقة تعاوناً سياسياً وأمنياً واقتصادياً ينتشل بسرعة مجلس التعاون من رقدته الطويلة نسبياً. وسيساعد على ذلك الإيمان السعودي العميق بخطورة التمزق الخليجي وكذلك العقيدة الراسخة لدى دول التعاون بوحدة المصير وبقسوة الظروف الدولية حيث تنحسر قيمة النفط في التفكير السياسي الأميركي.

هذه التطورات تأتي قبيل تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهمات سلطاته الرئاسية التي سيكون حريصاً فيها على استعادة تضامن واشنطن مع حلفائها وعودتها لدورها في القيادة العالمية. وينتظر الخليجيون باهتمام بالغ حوار الإدارة الجديدة مع طهران حول الاتفاق النووي الذي تخلى عنه سلفه دونالد ترامب، وسيتابعون اذا ما كان بايدن سيستفيد من الذخيرة التي تركها سلفه وهي مجموعة العقوبات القصوى والحازمة ضد إيران. كما سيرصدون اذا ما كان سيلتزم بالحديث معها بمناقشة البرنامج الصاروخي الإيراني الذي يهدد المنطقة وكذلك سياستها في تصدير العنف والثورة.

ورغم أن الحوار مع طهران لن يكون سهلاً أو ذا نتائج سريعة، إلا أنه سيضفي روحاً من الدبلوماسية والهدوء الموقت على أجواء المنطقة.

الأمر الثاني الذي سيعزز أجواء التسويات في منطقة الخليج والجزيرة العربية هو اتفاق الرياض بشأن جنوب اليمن والذي أدى لحل خلافات الحكومة اليمنية مع "المجلس الانتقالي" وبدأ تطبيقه الميداني في الشهر الأخير من العام 2020 ويعوّل عليه أن يكون في منهجه منهلاً يُقتدى لحل الأزمات الأخرى في اليمن، خصوصاً في ظل إدارة أميركية جديدة تؤمن بأهمية الحوار مع إيران لا في الملف النووي فحسب بل في السياسات الإقليمية لطهران.

واذا ما استكملت البنود العسكرية بالانسحابات من محافظتي عدن وأبين ودخلت الألوية العسكرية الرئاسية للعاصمة الموقتة، فإنه يمكن القول إن مسيرة حكومة الكفاءات المكونة بالمناصفة بين الشمال والجنوب ستبسط سيادتها على كل المناطق المحررة وتطلق ورشة البناء والإعمار في ظل رعاية من تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية.

في السنة 2021 يتوقع أن تتطور العلاقات السعودية - العراقية التي تعززت مؤخراً وتوّجت بفتح معبر عرعر الحدودي لتبادل السلع والمنتجات الزراعية والصناعية للبلدين، ولتسهيل وصول قوافل الحجاج والمعتمرين العراقيين إلى الديار المقدسة. وينتظر أن يعزز فتح المعبر قيمة المبادلات التجارية وانتقال الرساميل الاستثمارية بين البلدين رغم الممانعة الإيرانية للانفتاح العراقي على جيرانه العرب.

وفي هذا الصدد يتوقع المراقبون أن تنتج الانتخابات النيابية في صيف السنة الجديدة تغييراً في الخريطة السياسية العراقية يعزز انفتاح العراق ويقلص هيمنة الأحزاب الدينية المتطرفة. وذلك بعد التجربة المريرة التي عاشها العراقيون مع الطائفية والطائفيين.

ومما يشي ببعث روح السلام والاستقرار في المنطقة، مد مصر يدها لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا وإعادة فتح السفارة المصرية في طرابلس ودعمها التسوية السلمية هناك، ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة ستخفف من حالة الاستقطاب السياسي في ليبيا وبالتالي الاستقطاب السياسي في الخليج، الذي انعكست آثاره على مناطق أخرى في الفضاء العربي.

لقد فقد الخليج في عام 2020 ثلاثة قادة كان لهم دور في الأمن والاستقرار في المنطقة، هم الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان والأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء البحرين لنحو أربعة عقود. ولا شك في أن هذه القامات كانت لها بصمات واضحة في النظام الأمني الوطني والإقليمي الخليجي. لكنّ خلفاءهم أظهروا أنهم ليسوا أقل منهم ايماناً بالوحدة الخليجية وحرصاً على التضامن الاقليمي؛ فالسلطان العُماني الجديد هيثم بن طارق أطاح بوزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله إثر تسرب تسجيل له مع معمر القذافي يتواطئ فيه مع العقيد الليبي ضد السعودية. وإعفاء بن علوي لاقى ترحيباً واسعاً في الرياض عزز من فرص التفاهم السعودي - العُماني. حيث زار وزير الخارجية العُماني الجديد بدر البوسعيدي، الرياض واجتمع مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان ومع الأمين العام الجديد لمجلس التعاون في إشارة لدور عُماني بنّاء وفعال في المنظومة الخليجية ظهرت بوادره في التعاون العماني مع الكويت بدفع المصالحة الخليجية الى الأمام.

أما قائد الكويت وأميرها الجديد الشيخ نواف الأحمد، فسيشهد له التاريخ أن الوساطة الكويتية نجحت في عهده وأن الانباء الأولى عن بشائر المصالحة أعلنها وزير خارجيته، ما يعطي الكويت فاعلية أكبر من ذي قبل داخل مجلس التعاون مستقبلاً.

وسيحسب للسعودية والإمارات والبحرين أنها قوى سلام واستقرار وأنها أعطت البعد الاستراتيجي أولوية على دبلوماسية المحاور، وانها بتجربتها الأخيرة مع الدوحة رسخت أهمية العمل الجماعي وحرصت على الوحدة الخليجية، أكثر مما نزعت للثأر والانتقام. كما سيُحسب للدوحة أنها تخلت عن نهجها الشعبوي لصالح الأمن والاستقرار ووحدة المصير الخليجي.

كل هذا سيلوح في أذهان الشعب الخليجي عندما تعود الأمور الى طبيعتها في مجلس التعاون. ويستأنف الخليجيون بناء سكة القطار الخليجي المشترك الذي يربط الكويت بمسقط مروراً بالدمام والخبر والمنامة والدوحة وأبو ظبي ودبي، ناقلاً السلع والسياح، ولواعج المشاعر الإنسانية، بعد توقف لسنوات ليس بسبب الظروف الاقتصادية المستجدة، بل بسبب تعقد المناخ السياسي.

ثمة آمال عريضة في وحدة خليجية تهزم الأوبئة الفتاكة والكساد والركود الاقتصادي وتحيي المشاريع المتعثرة وجذوة الأمل في عصر خليجي جديد.

*كاتب سعودي
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم