الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مناخ 2020... قراءة في موجات برد قياسيّة ضربت النصف الشماليّ من الكرة الأرضيّة

المصدر: "النهار"
رجل ينحت تمثالاً ثلجياً لباندا في منطقة شنيانغ في مقاطعة لياونينغ الصينية بعد تساقط الثلوج في 26 كانون الأول 2020.
رجل ينحت تمثالاً ثلجياً لباندا في منطقة شنيانغ في مقاطعة لياونينغ الصينية بعد تساقط الثلوج في 26 كانون الأول 2020.
A+ A-
كتب الدكتور جورج كرم*
 
تعرّضت مساحات شاسعة في النصف الشماليّ من الكرة الأرضيّة إلى موجات برد شديدة خلال شهر كانون الأوّل من عام 2020. شملت هذه المساحات عدداً كبيراً من دول العالم، فتساقطت فيها كميّات ضخمة من الثلوج القياسيّة كما في آيسلندا، كندا، جبال الألب الإيطاليّة، اليابان، روسيا، سيبيريا، كازاخستان، باكستان، كوريا الجنوبيّة، أجزاء من الصين، بالإضافة إلى ولايتي بنسلفانيا وألاسكا الأميركيتين. هذه الأخيرة سجلّت بتاريخ 19 كانون الأوّل الحالي رقماً قياسياً جديداً لكميات الثلوج المتساقطة؛ فبحسب وكالةNOAA الأميركيّة (الإدارة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجويّ) بلغت سماكتها مترين و44 سم، فيما كان الرقم السابق مترين و23 سم في يوم واحد وتمّ تسجيله عام 2003.
 
أمّا درجات الحرارة، فقد سجّلت أرقاماً قياسيّة غير مسبوقة، فانخفضت في المناطق الوسطى والشرقيّة من روسيا أكثر من 20 درجة مئويّة عن المتوسّط الموسميّ. كما سجّلت المناطق الجبليّة في مقاطعة جانجون في كوريا الجنوبيّة، وفقاً لإحصاءات إدارة الأرصاد الجويّة الكوريّة، 20 درجة مئوية تحت الصفر. وتدنّت الحرارة أيضاً في العاصمة سيول إلى حدود 11 درجة مئويّة تحت الصفر.
 
إذاً، تبريد كبير أصاب النصف الشماليّ لكوكب الأرض. فبحسب توقّعات نموذج NCEP GFS، حتّى تاريخ 18/ 12/ 2020، انخفض معدّل درجة الحرارة السطحيّة في هذا النصف الجغرافيّ من الأرض ما يقارب درجة مئويّة واحدة. فهل يمكننا عدّ ذلك مؤشّراً لبداية الحقبة الباردة أو ما يسمى العصر الجليديّ المصغّر؟ وهل من ظواهر أو عوامل أخرى يمكنها أيضاً التسبب في تبريد مشابه؟
 
تشير الدراسات الحديثة، إلى أنّ العالم سيشهد انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة ابتداءً من عام 2020، بسبب تراجع النشاط الشمسيّ أو ما يعرف بالبقع الشمسيّة. هذه البقع الداكنة مقارنة بمحيطها، تقع على سطح الشمس أو ما يعرف بالغلاف الضوئيّ (الفوتوسفير). يتراوح عددها بين 200 و300 بقعة عندما تكون الشمس في أوج نشاطها، بينما ينخفض العدد إلى ما دون 200 بقعة عند خفوتها. هذا العدد الذي يرتبط بدورات متعاقبة، تسمّى الدورات الشمسيّة، التي يستمرّ كلّ منها لمدّة 11 سنة تقريباً، يؤثّر بشكل كبير في حرارة سطح الأرض، فكلّما ازداد ارتفعت نسبة الإشعاع الشمسيّ، ومن ثم الحرارة المنبعثة من الشمس باتجاه الأرض، وكلّما قلّ عدد البقع الشمسيّة حدث العكس. حالياً، يشير العلماء إلى أنّ الشمس في مرحلة الهدوء Solar Minimum ، وانخفضت البقع الشمسيّة إلى ما يقارب 170 بقعة عام 2020، ما يعني بدء دخول العالم في عصر جليديّ مصغّر، ومن المتوقّع أن يستمرّ حتى سنة 2035، ما سيخفّف من وطأة ظاهرة الاحتباس الحراري.
 
لكن على ما يبدو، فإنّ العصر الجليديّ المصغّر المتوقّع حدوثه بدءاً من شتاء 2020، ليس وحده المسؤول عن برودة النصف الشماليّ للكوكب في شهر كانون الأوّل من عام 2020. فقد أثبتت الدراسات أنّ الثوراتِ البركانيّةَ الكبرى لها تأثير مباشر في المناخ، وذلك من خلال انتشار رمادها في الغلاف الجويّ، بالإضافة إلى غاز ثاني أوكسيد الكبريت. وهذا ما يؤدّي إلى تشكيل ما يعرف بالهباء الجويّ (جسيمات صلبة ممثّلة بجزيئات الدخان والغبار والرماد...)، الذي يعكس جزءاً من أشعّة الشمس وتشتيتها، ما يسهم في خفض درجة حرارة الأرض. وتشير نتائج الأبحاث، التي أجراها المركز الوطنيّ الأميركيّ للأبحاث الجويّة بالمحاكاة الحاسوبية، إلى أنّ كلّ تريليون غرام من جزيئات الهباء الجويّ يسهم في خفض درجة حرارة الجوّ بمقدار 0,2 درجة مئويّة. ومن الأمثلة التي سجّلها التاريخ، انفجار بركان تامبورا في إندونيسيا عام 1815، الذي أدّى إلى انخفاض معدّل الحرارة العالميّة بمقدار 0,7 درجة مئويّة، بالإضافة إلى تغيّر كبير في المناخ العالميّ.
 
والجدير ذكرُه، ومن خلال موقع Volcanodiscovery، أنّ عدد البراكين التي ثارت حول العالم خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني، والأسبوع الأوّل من شهر كانون الأوّل عام 2020 كان كبيراً. أمّا أبرز هذه البراكين فكان بركان ليوتولو، وسيميرو في إندونيسيا، وقد وصل الدخان البركانيّ فيهما إلى ارتفاع نحو 15,2 كم، بالإضافة إلى بركان ريفينتادور، وسانجاي في الإكوادور، سابانكايا في البيرو، وبركان فويغو في غواتيمالا. وكلّ ذلك يجعل من ثورات البراكين سبباً إضافياً في عمليّة التبريد، التي حصلت في الغلاف الجويّ في شهر كانون الأوّل.
 
يضاف إلى ذلك، حدوث الظاهرة المناخيّة المعروفة باسم لانينا، التي ظهرت في خريف نصف الكرة الشماليّ لعام 2020، فقد أفادت المنظمة العالميّة للأرصاد الجويّة، بأنّ من المتوقّع استمرار هذه الظاهرة حتّى الربع الأوّل من عام 2021. و تُحدِث ظاهرة لانينا تبريداً واسع النطاق في درجات حرارة وسط وشرقي المحيط الهادئ الاستوائيّ. وعادة ما تكون لها ارتداداتٌ كبيرةٌ على الطقس والمناخ في مناطق عديدة من الكرة الأرضيّة، من خلال تأثيرها على أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار والعواصف.
 
أخيراً يطرح السؤال الآتي نفسه: هل ستتوسّع الموجات الباردة لتشمل مناطق جديدة في نصف الكرة الشماليّ للأرض؟ ومن ضمنها دول شرقيّ المتوسط كلبنان؟ وهل سيؤثر الاحترار الستراتوسفيري القطبيّ، الذي أصبح وفقاً للمركز العربيّ للمناخ مؤكّداً في مطلع عام 2021، على توسّع هذه الموجات؟
 
* متخصص في علم المناخ
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم