الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الإسلام السياسي في تونس أمام حتمية المراجعة أو الاندثار

جامع الزيتونة في تونس العاصمة (تعبيرية- أ ف ب).
جامع الزيتونة في تونس العاصمة (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
ماجد البرهومي
 
رغم العدد المعتبر من الأصوات الذي تحصل عليه "حركة النهضة" التونسية في الانتخابات التي أجريت في السنوات الأخيرة بفعل شراء الذمم بالمال السياسي الخارجي وباللعب على العواطف والوازع الديني، إلا أنه يمكن الجزم أن الإسلام السياسي تعرض إلى انتكاسة كبرى في تونس. فهو لم يتمكن طوال العشرية الماضية من أن يكون مقبولاً من النخب والقوى الحية والفاعلة في المجتمع التونسي أي تلك الفئة التي أطلق عليها أنصار "حركة النهضة" استهزاء تسمية "جماعة الصفر فاصل" وهم الإعلاميون والنقابيون والجامعيون والفنانون والمثقفون عموماً والذين لا يصوتون لـ"حركة النهضة".

يمكن للحركة "الإخوانية" التونسية أن تحصد نسبة مهمة من الأصوات في انتخابات تشريعية مقبلة بخاصة مع استمرار الحال على ما هو عليه في تلقي المال الخارجي الذي أثبتته محكمة المحاسبات التونسية والذي يعتبر شكلاً من أشكال التزوير وفق المعايير الدولية، لكنها لن تستطيع أن تحكم تونس في ظل هذا التنافر بينها وبين النخبة الوطنية المتشبعة بالفكر الحداثي والمنفتحة على محيطها المتوسطي والتي لديها رؤية للإسلام وفهم مختلف عن فهم "حركة النهضة". فالعبرة ليست في الحصول على عدد كبير من الأصوات من خلال صناديق الإقتراع، لأن ذلك سهل بالنظر إلى شراء الذمم وإلى الخطاب الديني للحركة المتعارض مع سلوكها والذي يحرك الوجدان عموم الناس، وإنما بمدى قبول الفاعلين والمؤثرين في المشهد السياسي بالحركة.

إن مرجعية "حركة النهضة" الفكرية ليست في هذه الأرض التونسية وفي مدرستها الزيتونية العريقة بل هي هناك حيث نشأ التنظيم العالمي "الإخواني" وربما في أرض أخرى بعيدة كل البعد من أرض قرطاج فكرياً وحضارياً وثقافياً ولفهمها للدين ولتأويلها للنصوص. لذلك رفض نواب الحركة في المجلس التأسيسي والتنصيص على البعد المتوسطي للهوية التونسية في الدستور الجديد رغم أن الخضراء مساهمة فاعلة في تاريخ المتوسط ونهضته الحضارية حتى قبل ظهور قرطاج وبروزها كقوة بحرية نافست أعتى الحضارات في هذا الحوض الذي يتوسط قارات العالم الثلاث.

ورغم المحاولات التي قام بها بعض المنظرين المحسوبين على التيار "الإخواني" لإيجاد مرجعية محلية لـ"حركة النهضة" من خلال ربطها بالشيخ عبدالعزيز الثعالبي المفكر التونسي والمناضل ضد الاستعمار الفرنسي، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. فالثعالبي هو مؤسس "الحزب الحر الدستوري" عام 1920 الذي انبثق عنه "الحزب الدستوري" الجديد سنة 1934 والذي ارتبط بالزعيم الحبيب بورقيبة، ثم "التجمع الدستوري الديموقراطي" سنة 1987، حزب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وبالتالي فإن السطو على تاريخ الدساترة، أو الإدعاء أن لـ"الإخوان" جدٌ مشترك معهم أمر لا يستقيم باعتبار التنافر الفكري والتاريخي والحضاري بين الطرفين والذي تجسد في الصراعات التي بدأت في عهد بورقيبة وما زالت مستمرة إلى اليوم. كما أن التنظيم "الإخواني" التونسي لم يبرز فعلياً على الساحة إلا مع بداية ثمانينات القرن العشرين، أي بعد قرابة الستة عقود من تواجد الدساترة على الساحة سواء في الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار الفرنسي، أو في بناء الدولة الحديثة، وبالتالي لا يوجد أي رابط بين التيارين الوطني والديني زمنياً على الأقل.

إن "حركة النهضة" في شكلها الحالي غير قادرة على الإندماج مع نخبتها الوطنية ما لم تقم بمراجعات و"جراحات تجميلية"، قد تكون مؤلمة أحياناً، تؤدي بها إلى التونسة وتفك ارتباطها بالتنظيم الأم وبالدول الداعمة له. عليها أن تعقد مؤتمراً حقيقياً يفرز جيلاً جديداً من القيادات يحسم أمره بالقطع مع أفكار حسن البنا وسيد قطب ويفصل، فعلياً وليس بالقول كما يحصل الآن، بين العملين الدعوي والسياسي ليتحول الشق السياسي إلى حزب علماني محافظ يميني وسطي يبتعد أكثر فأكثر عن التيارات التكفيرية.

وما لم يحصل ذلك، فإن "حركة النهضة" ستجد نفسها خارج سياق التاريخ وفي صراع مستمر مع من يسميهم أنصارها بصبيانية "جماعة الصفر فاصل"، وستتعطل الدولة باستمرار نتيجة لذلك الصراع بين مشروعين متضادين. واحد "إخواني" يعتبر تونس محمية للمرشد أو للتنظيم الأم خارج الديار، أو إيالة عثمانية تابعة لدولة الخلافة في الأستانة، وآخر وطني يؤمن بالذاتية التونسية وبالحداثة وبالمكونات المتعددة للهوية التي لا تقتصر فقط على العروبة والإسلام وإنما تشمل مكونات عدة منها البعد المتوسطي والأفريقي.

إذاً، مصير "حركة النهضة" والإسلام السياسي عموماً في تونس مرتبط بسلوك أحد الطريقين اللذين لا ثالث لهما، فإما المراجعة والتونسة والاستمرار وإما المكابرة و"الأخونة" والاندثار. والقرار يعود إلى شباب الحركة وأجيالها الجديدة التي لم تجد حظها في المؤتمر السابق، وتم تأجيل المؤتمر الحالي باعتبار أن الظروف لم تكن مواتية ليضمن الغنوشي مجدداً هيمنته على الحركة والتي استمرت لأربعة عقود، هذا إن بقي هناك متسع من الوقت باعتبار أن البلد وبعد عشر سنوات من حكمهم بات على باب قوسين أو أدنى من الإنهيار.

*كاتب تونسي ورئيس "المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق"
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم