الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الاختبار الأصعب للحكومة في التفاوض مع حاملي سندات الدَّين اللبنانيّة قبل صندوق النقد

مشهد من العاصمة بيروت (نبيل اسماعيل).
مشهد من العاصمة بيروت (نبيل اسماعيل).
A+ A-
رولى راشد
 
"وضعُ خطّة لتصحيح أوضاع القطاع المصرفيّ، وإعطاء الأولويّة لضمان حقوق وأموال المودعين"، عبارة تطمئن الطرفين، تبنّاها البيان الوزاريّ لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي وضعه بسرعة، ليدخل تبنّيها شعار "معاً للإنقاذ" مسار العمل، فور نَيل الثقة من مجلس النوّاب.

صحيح ّأن ثمّة رهانات مختلفة حول نجاح أو حتّى فشل هذه الحكومة، ولكنّ اللافت يبقى في عدم تجاهلها الأوضاع النقديّة والمالية في البلاد، داعمة نواياها على الأقلّ، في إعطاء الأمل للمودعين، دون التجريح والتطاول على أصحاب المصارف والمتموّلين.
 
هذا الأسبوع، حثَّت مجموعة من حَمَلَة السندات اللبنانية، والتي تشمل بعضاً من أكبر صناديق الاستثمار في العالم، الحكومة الجديدة على بدء محادثات، لإعادة هيكلة الديون في أقرب وقت ممكن، للمساعدة في التعامل مع الأزمة الماليّة الطاحنة في البلاد.
 
وفي المقابل، كشف بنك "غولدمان ساكس"، أنّ "المستثمرين في السندات اللبنانيّة، قد يفقدون 75% من قيمة استثماراتهم فيها، إذا سوّت الحكومة الجديدة خسائر النظام الماليّ، وبدأت في تنفيذ إصلاحات ذات مصداقيّة، وفتحت الباب أمام الحصول على تمويل من صندوق النقد الدوليّ".
 
من المعلوم أنّ محفظة سندات الدَّين الدوليّة (اليوروبوندز)، تبلغ نحو 30 مليار دولار بآجال تمتدّ حتّى العام 2037.
 
وتصطدم عمليّة إعادة هيكلة الدّين بواقع الانكشاف الكبير للجهاز المصرفيّ وللبنك المركزيّ على ديون الدولة، ومخاطر انزلاق الميزانيّات إلى حدود خارج السيطرة؛ حيث يتوزّعان إلى جانب حصص قليلة لمؤسّسات مستقلّة.
 
هل تجرّعت المصارف وحاملو سندات الدَّين الأوكسيجين مع الحكومة الحاليّة؟
 
هل التفاوض مع الدائنين قبل صندوق النقد أو بالعكس؟ ما هي حصّة كلّ من حاملي سندات الدَّين الدوليّة، بعدما أصبح الدَّين العامّ يوازي أكثر من 170% من الناتج المحليّ الإجماليّ؟
 
ضاهر

سبق للنائب ميشال ضاهر أن غرّد مقترحاً حلّاً للخروج من الأزمة الماليّة والاقتصاديّة، تبدأ أوّلاً بتوحيد سعر الدولار المصرفيّ بالدولار "الفريش"، وذلك يتطلّب تسكير الفجوة الماليّة في المصرف المركزيّ، والبالغة حوالى 50 مليار دولار، عبر تحويل ٥٠% من أموال المودعين، وذلك للحسابات التي تزيد عن 200 الف دولار، الى الليرة اللبنانيّة.

و"هذا الأمر سوف يؤدّي الى تحرير حوالى 7 مليارات دولار من الاحتياطيّ الإلزاميّ، يمكن استخدام الجزء الأكبر منه للمساهمة في إعادة إطلاق القطاعات الإنتاجيّة، وكذلك وضع "الكابيتال كونترول" حيّز التنفيذ. عندها يمكننا إعادة هيكلة القطاع المصرفيّ، وليس إصلاحه كما ورد في البيان الوزاريّ"، وفق ضاهر.
 
ويقول النائب ضاهر لـ"النهار" إنّ الحكومة الحاليّة غير قادرة على اتّخاذ أيّ قرارات جريئة وقاسية، خصوصاً أنّها ستدخل في التحضير للانتخابات النيابيّة. ويعتبر أنّه يجب مصارحة الرأي العام، بأنّ موضوع التدقيق الجنائيّ وعملية استرداد الأموال المنهوبة المعوّل عليهما، لن يثمرا النتائج المرجوّة قبل سنتين أقلّه، ما سيفرض اللجوء الى تدبير "الهيركات"، بنسبة 80% على الودائع، علماً أنّه لو تمّ اعتماده منذ تسلّم حكومة الرئيس حسان دياب، لاقتصر الأمر على نسبة 25% من حصّة كبار المودعين. ولكنّ تلك الحكومة لم تقم بأيّ مبادرة إيجابيّة، لا بل قطعت اتّصالاتها مع كلّ الدائنين، معلنة التوقّف عن السداد، أو ما يسمّى "Default".
 
وفي حال بدأت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المفاوضات اليوم، مع حاملي سندات الدين الأجانب، يتوقّع ضاهر أن يرضى هؤلاء بـ25 سنتاً للدولار، على مدّة 10 سنوات، لافتاً الى استحواذ صندوقَي "أشمور" و"فيدلتي" للاستثمار، على النسبة الأكبر من السندات.

وأكّد على وجوب وضع خطّة مع حاملي السندات، قبل الجلوس مع صندوق النقد الدوليّ، للاتّفاق معه على برنامج إنقاذيّ اقتصاديّ.

غبريل

من جهته، يقول الخبير الاقتصاديّ والمصرفيّ الدكتور نسيب غبريل لـ"النهار" إنّ المصارف أبدت كلّ استعدادها للتعاون مع الحكومة الجديدة، من أجل النهوض بالاقتصاد وخروج لبنان من الأزمة الحاليّة، وإعادة انتظام العجلة الاقتصاديّة، ودعم قدرات القطاع الخاص والقدرة الشرائيّة للمواطن.
لا شكّ أنّ المنهجيّة التي ستقدّمها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ستكون مختلفة عن مقاربة الحكومة التي سبقتها، وكذلك آليّة التعاطي.

لقد تضمّنت خطّة الحكومة السابقة، شطب الدَّين العام بعملية حسابيّة، وتحميل كلّ الخسائر الى القطاع المصرفيّ، فيما أنّ الأخير قدّم اقتراحاً بديلاً علميّاً، مبنيّاً على أرقام ووقائع، تمّ رفضه. كما نشأ خلاف بين الحكومة ومصرف لبنان، على الأرقام التي تضمّنتها الخطّة.
 
وقد كان الهدف إخراج المصارف الموجودة من السوق، واعطاء 5 رخص مصرفيّة جديدة.
 
أمّا اليوم، فالموضوع مختلف. فريق الحكومة يضمّ نخبة من الاختصاصيّين في شؤون المال، من بينهم نائب الرئيس الدكتور سعادة الشامي، وخبرته القيّمة مع صندوق النقد، ووزير المال الدكتور يوسف خليل، الذي يتحصّن بإلمام واف بالوضع الماليّ والنقديّ، وطبعاً، دون أن ننسى فريق عمل الرئيس ميقاتي.

استمراريّة القطاع المصرفيّ هي من مصلحة الجميع، إذ لا اقتصاد دون قطاع مصرفيّ سليم. وبما أنّ المصارف مستعدّة أن تتحمّل مسؤولياتها، فعلى جميع الجهات الأخرى تحمّل جزء من المسؤوليّة أيضاً، وفي مقدّمها القطاع العام، إذ انّ الدولة ليست مفلسة؛ فهي تملك أصولاً وتحتكر قطاعات حيويّة، لكنّ سوء إدارة هذه الأصول والقطاعات أوصل البلد الى ما هو عليه اليوم.

ويضيف: "اليوم، قبل انطلاقة المفاوضات مع صندوق النقد، أيّ برنامج للإصلاح الاقتصاديّ سيتضّمن بدون أيّ شكّ توحيداً للأرقام بين الحكومة ومصرف لبنان، كي لا تتكرّر تجربة الحكومة السابقة. وهذا ما سيعوّل عليه. وطبعاً القطاع المصرفيّ هو جاهز للتعاون على كلّ ما يصبّ في مصلحة الاقتصاد".
 
وإذ شدّد غبريل على أن يكون لصندوق النقد توقّعات وأولويّات، لفت الى أنّه يتوّقع أن تضع السلطات اللبنانيّة البرنامج الإصلاحيّ مع تحديد أولويّاته، بما يمهّد للتفاوض بين الجهتين على تفاصيله.
 
من جهة ثانية، على السلطات اللبنانيّة التركيز في خطّتها على دعم النموّ، وتكبير حجم الاقتصاد، وخلق مناخ للاستثمارات، وإيجاد فرص عمل، وتعزيز القدرة الشرائيّة للمواطن، وتنشيط القطاع الخاص، بالإضافة الى إعادة هيكلة الدَّين العام، وإرساء مبادئ الحوكمة والإدارة الرشيدة في القطاع العام، ومكافحة التهرّب الضريبيّ، وتقليص حجم الاقتصاد الموازي، وإصلاح قطاع الكهرباء، وتحرير قطاع الاتّصالات وتطوير قطاعات النقل والموارد المائيّة.

وبناء على هذا البرنامج، تبدأ المحادثات بين الجانبين، التي ستتناول التفاصيل، الجدول الزمنيّ، والأهداف الرقميّة.

ووفق غبريل، إذا كان من اتّجاه مثلاً لدى صندوق النقد بفرض أو زيادة ضرائب أو حتّى أيّ إجراء آخر يراه الفريق اللبناني غير مؤات في المرحلة الراهنة، يتمّ التفاوض بشأنه، بما يساعد على تحقيق الأهداف القصيرة والمتوسّطة والطويلة الأمد، كخفض الدَّين العامّ، وتقليص نفقات الموازنة العامة.
 
وعن حصص حاملي الدَّين العامّ اللبنانيّ، يشير الى أنّ مصرف لبنان يملك النسبة الأكبر، وهي 38% ، المصارف التجاريّة نسبة 16%، مؤسّسات ماليّة غير مصرفيّة نسبة 8%، وهناك مستثمرون آخرون من ضمنهم أجانب يحملون 36% من الدَّين العام.
 
وحتى آخر تمّوز الماضي، كانت المصارف التجاريّة تحمل 8 مليارات و100 مليون دولار من سندات "اليوروبوند"، ومصرف لبنان يحمل 5 مليارات دولار، أمّا المؤسّسات الماليّة والاستثماريّة الخارجيّة فهي تحمل معظم باقي هذه السندات.
 
في المشهد الراهن، تتأهّب الحكومة للجلوس مع صندوق النقد الدوليّ، صمّام الأمان للإنقاذ، ولكنّ المطلوب منها أيضاً، السعي بجديّة الى إعادة هيكلة ديون سريعة وشفّافة ومنصفة، لاسيّما للمودعين، مع العلم أنّ هناك ارتباطاً كبيراً بين إعادة هيكلة السندات المقوّمة بـ"اليورو" والنظام الماليّ، إذ لا يمكن القيام بعمليّة دون أخرى.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم