الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كيف توظّف "فيديرالية الساعة" الآن؟

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
البطريركية المارونية والتوقيت. (تعبيرية-ديما قصاص)
البطريركية المارونية والتوقيت. (تعبيرية-ديما قصاص)
A+ A-
لا فائدة من عرض مطوّل يؤكد أن الطائفية تتفوّق عند اللبنانيين على الرغبة في الانتفاض المؤثّر ضدّ حكام فاسدين. ولن نأتي بجديد إذا تندّرنا على عدم حصول هبّة جامعة موحّدة برعاية المرجعيات الدينية ضد سرقة الأموال في المصارف، والحرمان من الحق في الكهرباء والدواء. اللبنانيون ارتضوا الوقوف في صفوف الذلّ لأشهر للحصول على القليل من الوقود، ومنهم من وقف في طوابير لانتخاب زعامات متهمة بالتورّط في صناعة ما وصلوا إليه، وهم صمتوا عن سعر صرف دولار ناهز الـ120 ألف ليرة. المآثر تطول.
 
وفي السياق، لا تهدر محاولات قسم منهم الانتفاض في عام 2019، قبل أن يعودوا الى خنادقهم السياسية، أو يكفروا بما أنتجه تغيير بدا غير ذي جدوى، ولا يحمل مشروعاً قابلاً للعيش، أو ينكفئوا عن لبنان.
 
بدا "المجتمع المسيحي" بحاجة الى ردة فعل مماثلة على قرار تأجيل التوقيت الصيفي ربطاً بصيام المسلمين، وقد اتُّخذ في شكل مستفزّ لدور المسيحيين في النظام، وهم المعبّؤون بغياب رئيس جمهورية لم يحن أوان التسوية الخارجية لانتخابه بعد.
 
وتزيد التعبئة مع قراءة كثيرين منهم لأسباب الانهيار وربطها بسلاح "حزب الله". هكذا، في رأيهم، عوقب لبنان خليجياً بسحب الودائع والاستثمارات والمساعدات والسياحة وغيرها، وكذا عوقب دولياً. هؤلاء، وإن أقرّوا بفعل نظرية تركيبة الفاسدين والمقاومة منذ ما بعد الطائف بإدارة البلد ودورها في تراكم أسباب الانهيار، فإنهم يركّزون الآن على علّة الحزب وامتداده الخارجي.
 
ولا ننسى أن الحزب وسلاحه ليسا دوراً إقليمياً فحسب، بل دورة اقتصادية ناشطة في الداخل، وفعل استقواء مهما حاول الخطاب الشيعي السياسي نفي توظيف القوة في السياسة الداخلية وزعم عدم تأثيرها في بلد الطوائف. في الأصل، يحاول شيعة كثيرون تكريس دورهم في البلاد والنظام عبر ما صنعه هذا السلاح. يحاولون وليس ضرورياً أن ينجحوا تماماً! 

إلى ملف النازحين وتصلّب المقاربة الدولية تجاهه، وما يسوّق لدى المزاج الشعبي المسيحي خصوصاً واللبناني عموماً من مؤامرة ديموغرافية.
 
تعالوا نسترق السمع إلى الحديث الطائفي في المنازل.
 
منزل مسيحي: "شفتوا كيف فرجيناهم نحنا مين، جايين يفرضوا علينا رأين، كسرنا قرارهم".
 
منزل شيعي: "والله لياكلونا لو يرجعوا يحكموا ويكبّونا برا".
 
لا ندري إن كانت هذه الأصوات أدركت حقيقة ما تضمّنه تقرير صندوق النقد الأخير وخطورته، وحاجة كثير من الطبقة السياسية الى طمسه. الأرجح أن بيتاً منهما على الأقل يعتبر صندوق النقد مؤامرة دولية في الأصل.
 
تأتي مهزلة الساعة لتؤكّد من جديد أن نظام لبنان السياسي ما عاد صالحاً للعيش، والسيناريوات تضيق. وإن كانت قضيّة الساعة بمثابة رسالة بالغة الدلالات، فإن خطوات مماثلة شبيهة مستقبلاً يصعب تصوّر أنها ستكون من دون أثمان موجعة.
 
ويستسهل منادون بتطبيق الفيديرالية الاستناد بخفّة الى نموذج صراع الساعة للمحاججة بفرض نظريتهم. 
 
في المحصّلة، المرافق العامة بقيت في هذه الجولة ملتزمة بما صدر عن أمانة مجلس الوزراء. لكن ماذا لو دخل "العصيان" حيّز المرافق العامّة؟ السؤال الأخير يفترض اقتراب المسيحيين من موقف موحّد حيال ماذا يريدون. فهل لدى القيادات المسيحية وبكركي رؤية موحّدة حيال الرئاسة ومطلب القانون الانتخابي المقبل واللامركزية الموسعة أو الفيديرالية؟ الأرجح أن الأمور لم تبلغ هذا الحدّ بعد. وإن بلغته، فما الخطوة التالية؟ إعلان جبهة مسيحية للمطالبة بتغيير النظام؟ وهل حصل تغيير للنظام في التاريخ اللبناني من دون عنف؟ وهل اللحظة الدولية والإقليمية بما تحمله من متغيّرات مؤاتية لطرح مماثل أو تأخذه على محمل الجدّ؟
 
فراغ الأجوبة الذي تتركه الأسئلة السالفة يحيل جولة التوقيت الصيفي الى جرس إنذار. أمّا التحليل الأبعد فيضع المشهد اللبناني الملتهب طائفياً برسم مجتمع دولي يزعم حرصه على الحفاظ على الاستقرار الهشّ، ويستعجل تدخّلات لإنهاء الملفّ الرئاسي، والتمعّن في نتائج قرار أوروبي تحديداً بمعاقبة المتورّطين في الفساد قضائياً. الأرجح أن هؤلاء الذين يخشون أن تطالهم الملفات لن يبقوا متفرجين. ولديهم ملء الأوراق، وقدراتهم على صناعة مشاهد التوترات الطائفية يمكن أن توظف هنا أيضاً.
 
المؤسف أن الساعات الطائفية "الحرجة" التي مرت لم تنتج وعياً بضرورة اتفاق اللبنانيين على إعادة تأسيس دولتهم، والالتفاف حول دعم القطاعات الحيوية التي طالها الانهيار، وأبرزها الصحة والتعليم. كان مشهد الانقسام في المدارس والجامعات الأكثر غرساً في الجرح.
 
أما السوريالية اللبنانية فتكمن في "توافق الضرورة" على اجتماع مجلس الوزراء لإيجاد مخرج "لائق" لأزمة التوقيت، وليس لتمرير أمور حياتية ملحّة جداً للمسيحيين والمسلمين. السلطة التنفيذية مجتمعة بدت حاجة في غياب رئيس جمهورية!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم