السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بين السعادة والسيادة وخطة لقاح تعبانة

حملة التطعيم الوطنية ("النهار").
حملة التطعيم الوطنية ("النهار").
A+ A-
رنا الحجيري

ماذا بعد؟ خطة طوارئ وخطة وطنية للتأهب والاستجابة، وخطة تلقيح كورونا تغطي بالمبدأ 80%؜ من اللبنانيين، للوصول إلى مناعة تحمي المجتمع ككلّ، وخطة كان يجب أن تبنى على مبادئ الشفافية واللامحسوبية في 100 صفحة ونيّف.

ومن ثَمّ تُدقّ الطبول لاستلام اللقاح، ونرى استعراضاً يليه استعراض مستقبلين صندوقاً، ثم هجمة وزمجرة للنجاحات في الخطط، وعن أننا على أهبة الاستعداد. كيف لا ونحن المتمرسين في مناعة القطيع. أولَم نهتف مراراً في الساحات "ليحيا الزعيم"؟!

وها نحن متوجهون للمرة الأولى إلى التآلف في قطيع المناعة الجماعية في خطة وطنية للخلاص من وباء فتك فينا وأمعن في إذلالنا! إما في صورة دواء طار واختفى من رفوف صيدلياتنا حتى وصلنا إلى واقع ندجّج حقائب السفر للقادمين ليس بالسلاح أو بالتهريب ( لا سمح الله)، بل بحبوب البانادول. فمن البنادول إلى الريمديسفير إلى غيرهما من الأدوية البسيطة والمتقدمة التي تمرسنا بشحد الوسائط والمعارف لتدبيرها واستدانة ثمنها الذي وصل إلى ملايين مجلّلة. بينما ما زلنا نشهد تيهاً وظلماً وإمعاناً في خنق وتضييق فسحة العيش لفقرائنا الذين تجاوزوا في عددهم 55%؜ من إجمالي السكان. وماذا بعد؟

أنتحدث عن المستشفيات التي انكشفت قدراتها الاستيعابية مع أول صفعة لخطة الطوارئ وفتح البلد على مصراعيه لـ"السيد كورونا" ليجول ويصول ويرقص على فسادنا وفوضوية قراراتنا. بينما نموت على أبواب المستشفيات نتابع ونَهيم في الإعلان تلو الإعلان، وتُزفّ البشرى، "هللويا" زدنا سريراً هنا وسريراً هناك. ونحن غير عالمين بما حصل للهبة القطرية وهبة البنك الدولي والمستشفيات الميدانية. إلى كم سنة يحتاج تجهيز المستشفيات ونحن ليس بالبعيد كنّا مستشفى الشرق، وسرّه؟

وبالمختصر، وحتى لا نظل نطلق نظريات، نحن نتوخى الموضوعية أو المنهجية، فأساس الإدارة مبني على "النتائج"! فما هي النتيجة بعد التبدل والتأنق والمؤتمرات والمقابلات الصحفية والحملات الإعلامية والزمجرة والهمرجة والسيف والترس؟

مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية حسب إحصائياته الأولية مع انطلاق عملية التلقيح، يكشف لنا الوتيرة البطيئة الحالية في عملية التلقيح ضد فيروس كورونا التي لن تُمكن لبنان من الوصول إلى مناعة مجتمعية قبل صيف
الـ2025!!! والسؤال البديهي في هذه الحالة: لمَ لا يستورد القطاع الخاص اللقاح، ولمَ لا يكون حاضراً وبقوة في خطة الإنقاذ؟

ثم يأتينا الأسبوع الثاني دربكة، ليصفع الخطة ويرسلها من خارج المنصة إلى بحر المحسوبيات ليبتلع شفافيتها. ولا يبدو أن هناك مشكلة بتفصيل خططنا على مقاسات نُظم وأمن وأمان أساسها المنفعة، لا بل وأضفنا إليها صفة جديدة في علوم الحكم الرشيد والتخطيط وهي دور "القرار السيادي".!

وفي السيادي، يا سادة، كيف لُقح اكثر من 6000 شخص خارج المنصة؟ أي حسب بعض الإحصاءات أكثر من ٥٠%؜ من خارج المنصة؟

المعلومات الاولية المتداولة الواردة من التفتيش المركزي تبين أن 12839 لقاحاً من 28080 مفقودة و6239 لقاحاً أعطيت لغير مستحقيها من أصل 15241 وزعت على مراكز التلقيح.

متى، وكيف ولماذا؟ من أعطى الحق أن يوضع أبي وأمي وعمي وخالتي وجدتي بخانة مواطني الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، لأنهم بانتظار الدور والحق عبر المنصة؟! بينما يتمرس أصحاب النفوذ والأحزاب بسرقة منصاتنا وحجز مقاعد الدرجة الأولى في الاستبداد بحقنا.

والحقيقية لا تخاف النقاش، وبالتالي نحن نوافق أن الخطة يجب أن تعدّل حسب الظرف وحتى حسب حالات معينة؛ إنسانية ومنطقية؟ ولكن المنطق، هو أن أصحاب القرار وممثلي الشعب قد أعطاهم الدستور السلطة التشريعية العليا والدور الرقابي، وهم بالتالي تحت طائلة إعطاء المثل السيئ والمساءلة في مخالفتهم للمعايير الموحدة والأصول المتبعة.

النائب في البرلمان أو الموظف في القصر الجمهوري أو أي صاحب قرار وسلطة، غير معرض للخطر أكثر من العسكري القابع على الطرقات ورجل قوى الأمن الذي يسطر المحضر ويسهر على تنفيذ جُل الخطط، أو مسعف الصليب الأحمر المتطوع الذي يفدي حياته من أجلنا وغيرهم الكثير!

فنحن متفقون على أن وحدة المعايير أساس ومخالفتها جرم وفساد، ومع هذا، حاولنا التعامل مع الخطط وأضوائها بمعزل عن النتائج طويلة المدى، بل فقط مع مستقبل القرارات الحالية الآنية.. وماذا كانت النتيجة؟

فضائح متوالية من فصول لا تنتهي، تفضح امتهان الفساد والفشل، ولا تفقه من السيادة الا سيادة المحسوبيات، فلا تستطيع أن ترقى إلى مرتبة وطن، ولن تسمو إلى شرف مواجهة وباء على مساحة وطن من خارج الكانتون والحزبية والزبائنية!

ونواصل منهكين بين أصحاب السعادة الذين أضاعوا السيادة، وخطة لقاح تعبانة. ولكن لا، ليس بعد، "فلئن كَسَرَ المدفع سيفي، فلن يكسر الباطل حقي"!
 
*خبيرة التنمية المستدامة والتعاون الدولي في المنطقة العربية وآسيا الوسطى وأوروبا
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم