الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

متلازمة "الجنس" في مخيلة العقلية "الإخوانية" وأخواتها

المصدر: "النهار"
من مناسبة احتفالية للإخوان في مصر (أ ف ب).
من مناسبة احتفالية للإخوان في مصر (أ ف ب).
A+ A-
عمرو فاروق
 
ثمة انحرافات جنسية ذاع صيتها في عمق الجماعات الأصولية، وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" التي حظيت بالنصيب الأكبر من الفضائح الأخلاقية المتعلقة بالحالة الجنسية، لكونها تنظيماً سرياً مغلقاً على الكثير من الأسرار التي ربما لم تظهر ملامحها بعد، أمام الرأي العام.

دراسة الجوانب النفسية للأفراد المنتمين الى الجماعات والتنظيمات المتطرفة، تقود بما لا يدع مجالاً للشك، إلى كشف حقيقية الانحرافات الجنسية بين جدران كيانات تدعي الفضيلة وتخلع على ذاتها صفة الاستغراق والاستعلاء الإيماني، وتمنح نفسها حق التفتيش في معتقدات الآخرين.

الكثير من أبناء جماعة "الإخوان"، والجماعات الأصولية، يصابون بهزة نفسية نتيجة التعايش في ظل كيانات سرية مغلقة يخضعون فيها لقرارات تنظيمية تحت عباءة الدين والشريعة، بما يؤثر في حياتهم وسلوكياتهم الظاهرة، التي تتحول تدريجياً شبه أسرار تتناقض مع واقع الجماعة وأدبياتها وشعاراتها.

تسيطر على أتباع "الإخوان" وتيارات الإسلام السياسي، حالة من التمرد التنظيمي والفكري بعد فترة من التشبع بمآلات التنظيم ونشاطاته، فيتجه بعضهم لصناعة حالة جديدة يرتمون في أحضانها من دون إملاءات أو توجهات، حالة ينطلقون فيها نحو محاذير يرغبون في التعايش في ظلها، وفق مساحة تشبع رغباتهم النفسية والجنسية.

اعتماد جماعة "الإخوان" والتنظيمات المتطرفة على استراتيجية الاستقطاب والتجنيد للمراهقين والأطفال في سن صغيرة، ووضعهم في حيز وخندق التنظيم مبكراً، يعيقان انخراط غالبيتهم في تجارب عاطفية حقيقية في مراحل حياتهم المتعددة، ومن ثم يتعرضون لما يسمى بـ"المراهقة المتأخرة"، يتم خلالها ترجمة الكثير من السلوكيات والانفعالات المكبوتة، لا سيما الأشخاص الذين تتحسن إمكاناتهم المادية.

مرور القواعد التنظيمية لجماعة "الإخوان"، بعملية الاحتكاك المباشر مع قياداتها ومشايخها ومرجعياتها الفكرية، في نطاق المعاملات التجارية والمالية والاجتماعية، يكشف بوضوح ما يخفونه من ملامحهم الحقيقية وراء أقناعة القداسة والهيبة التي توضع عليهم من أجل زيادة التحكم في أتباعهم، ما يرسخ لدى الكثير من مريديهم شعورياً مبررات إباحة المحظورات، ومخالفة الظاهرة للباطن.

التناقض والفجوة بين الحياة داخل جدران التنظيم، وبين الحياة الخاصة للأفراد، يصيبان اتباع الجماعات الأصولية بحالة من الـ"شيزوفرينيا"، أو الانفصام في الشخصية، ومن ثم يُظهرون عكس ما يُبطنون، لا سيما في الأمور الجنسية والعلاقات النسائية، تجنباً للفضيحة أو خشية الطرد من جنة التنظيم التي يحظون فيها بالكثير من المكتسبات المعنوية والمادية، كما أن العقيدة "الإخوانية" ترسخ لديهم أنهم مختارون ومصطفون، وأنهم فوق البشر، وحراس على العقيدة والشريعة.

العديد من شباب "الإخوان" اختاروا زوجاتهم وفقاً لمعايير متعلقة بالجماعة ومشروعها، فبعضهم فضل الزواج من فتيات يرتبطن بصلة قرابة بعائلات لها نفوذ داخل التنظيم، أو بعائلات "إخوانية" ثرية مادياً، وبعضهم تزوج من فتيات بناء على توصيات من قيادات الجماعة، إذ إن شبكة المصاهرة داخل "الإخوان" تتحكم في الوضع التنظيمي بشكل كبير، وفقاً لمبدأ الزواج من "صاحبة الفكر"، وهي القاعدة التي عبر عنها القيادي "الإخواني" صبحي صالح "الإخواني لا يتزوج إلا إخوانية"، بمعنى أن الزواج في هذه الحالة قائم على فكرة المقايضة أو المصلحة التنظيمية، أو الإجبار أحياناً (خشية الاختراق الأمني)، وليس على المحبة أو القبول، لا سيما إذ كانت الفتاة متوسطة الجمال.

الانحرافات الجنسية لدى "الإخوان"، والجماعات الأصولية، حقيقة لا يمكنهم التهرب منها، فهناك كم هائل من الوقائع التي تورطت فيها قيادات ومرجعيات هذه التنظيمات، وعليها العشرات من شهود العيان الذين تربوا في أحضان هذه الكيانات ثم تفلتوا من بين صفوفها، وتحدثوا عن بعض منها.

كانت قيادات مكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية لجماعة "الإخوان"، على علم بوقائع الانحرافات الجنسية داخل التنظيم (وفقاً لاعترافات عدد من المنشقين)، لكنها تحفظت عنها، بخاصة أنها كانت تمس قيادات مؤثرة داخل التنظيم، في ظل محاولاتها إضفاء القداسة على قياداتها وسلوكياتها خداعاً لأتباعها ودارويشهم، فمثال ذلك واقعة شهيرة متعلقة بقيادي "إخواني" مؤثر في نقابة المحامين عام 2009، إذ إرتبط بعلاقة مع إحدى السيدات، ووعدها بالزواج، لكنه تنصل من العلاقة، ورفض اتمام زواجه بها، ومن ثم اتجهت لكشف حقيقته أمام قيادات "مكتب الإرشاد" بمنيل الروضة حينها.

بعض قيادات "الإخوان" خلال تصدرهم للمشهد السياسي في مصر، تحرشوا ببعض العاملات معهم داخل المؤسسات التي سيطروا عليها مثل النقابات المهنية، والمؤسّسات الإعلامية، ومحاولة إجبار بعضهن على فكرة "الزواج العرفي".

لم تقتصر الإنحرافات الجنسية داخل "الإخوان"، والجماعات الأصولية، على العلاقات النسائية، لكنها وصلت إلى حالات "الشذوذ الجنسي"، والتي تطرق إليها الإعلامي خالد البري، في كتابه "الدنيا أجمل من الجنة... سيرة أصولي مصري"، الذي انتمى الى الجماعة الإسلامية في بداية حياته، وكذلك واقعة القيادي "الإخواني" إبراهيم إسماعيل، التي فضح تفاصيلها شباب الجماعة في تركيا، فضلاً عن واقعة طرد ناشط حقوقي شهير من داخل "الإخوان" بعد تورطه في وقائع تحرش بأطفال من "قسم الأشبال" في أحد قطاعات محافظة الإسكندرية، ويتولى حالياً إدارة منظمة تدافع عن حقوق الشواذ في مصر.

حظيت جماعة "الإخوان" بالعدد الأكبر من الفضائح الجنسية، فكانت البداية بانحرافات عبدالحكيم عابدين، زوج أخت حسن البنا، الذي تمت إدانته بعلاقات غير مشروعة مع نساء الجماعة، وفقاً لتقرير لجنة تابعة لمكتب الإرشاد في أربعينات القرن الماضي، لكن البنا صمت ولم يتخذ إجراء ضده، ما أثار حفيظة عدد من مسؤولي الجماعة حينها، أمثال أحمد السكرى، مروراً بفضيحة أحمد منصور، وعلاقته بإحدى السيدات المغربيات (محسوبة على حزب "العدالة والتنمية")، وفقاً لما كشفه القضاء المغربي، وما تداولته الكثير من وسائل الإعلام، وكذلك فضيحة التسريبات الجنسية لـ"اليوتيوبر الإخواني" عبدالله الشريف، ووقائع التحرش المتكرّرة لحفيد حسن البنا، طارق رمضان، والتي كانت الأكثر رواجاً في وسائل الإعلام، والتي بدأت سطورها بقصة الناشطة النسوية هند عياري، ودونت تفاصيلها في كتابها الصادر عام 2016، بعنوان "اخترت أن أكون حرة... الهروب من السلفية في فرنسا".

الإنحرافات الأخلاقية لدى الجماعات الأصولية لا تعد ولا تحصى، وفضحتها ممارستهم التي تجلت في جرائمهم ضد المرأة والمتاجرة بها في سوق الجواري والسبايا مثلما فعل تنظيم "داعش"، وجماعة "بوكو حرام"، وحركة "طالبان"، وجماعة "شباب المجاهدين" الصومالية، وغيرها من الجماعات التي تدعي نسبها الى الإسلام والمسلمين زوراً وبهتاناً.

بتحليل غالبية الفتاوى الصادرة عن التنظيمات المتطرفة، نجد أن مرجعيتها الفكرية حقّرت من وضع المرأة ومكاناتها، فوفقاً لدراسة صادرة عن دار الإفتاء المصرية، تناولت تنظيم "داعش" (نموذجاً)، أشارت إلى انحصار رؤيته الفكرية تجاه المرأة في جانب الغريزة الجنسية، حيث ركزت غالبية النصوص التي يتبناها في الحديث عن المرأة على أحكام "وطء المرأة بعد سبيها، والاستمتاع الجنسي بالسبية وأحكام مشاركة المرأة ووطئها بعد السبي، وأحكام زواج المرأة بعد سبيها والتفريق بينها وبين زوجها".

يشير الباحث المغربي يوسف هريمة، في دراسته المعنونة بـ"الأصولية والحرمان الجنسي: المرأة في مواجهة الفتاوى"، إلى أنّ حضور المرأة في ذهنية الأصولي - باعتبارها عصب تفكيره، أو مركزاً لدورانه - هو حضور لا يفهم من حيث المكانة الاعتبارية التي تحتلها، ولا لأنّ فكره الذّكوري يسمح بمنحها ما تستحقّه، أو على الأقلّ ما يجعلها في مصاف الإنسانية المساوية له، هذا الهوس الذّكوري يجعل من المرأة مادّة للإخضاع، أو وسيلة لإبراز الجنون الذّكوري أو ما يمكن تسميته بفوبيا المرأة".

ويرى الدكتور عبد الصّمد الديالمي في كتابه "المدينة الإسلامية والأصولية والإرهاب: مقاربة جنسية"، أن التعلق النفسي بالهوس الجنسي عامل في انسداد الشخصية وتحجرها فكرياً، وتحولها من الوسطية والاعتدال إلى التشدد والتطرف، وبروز دورها في عمق التنظيمات المتطرفة المسلحة.

العلاقة بين الهوس الجنسي والتطرف الفكري، علاقة متشابكة نابعة من نظرة الجماعات الأصولية إلى المرأة وطبيعة الدور الذي تقوم به داخل المجتمع من كونها، وفقاً لرؤيتهم، وعاءً لتفريخ غريزتهم الجنسية المكبوتة، لذلك يقع في مقدمة أولوياتهم، السبي، والتعدد الزوجي، فالكثير من رموز التيارات السلفية، والسلفية الجهادية، تعددت زيجاتهم وطلاقاتهم، لا سيما من الفتيات الصغيرات، ما يعني أن الأمر في حقيقته لديهم ليس إلا إرضاء لشهواتهم الجنسية، التي تدفعهم الى التعامل مع المرأة من باب الغنيمة، في حالة أقرب إلى الإحساس بلذة الإنتصار عليها وخضوعها لشخوصهم وكسر شوكتها.
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم