الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أنقذوا العام الدراسي المقبل بخطة واقعية

طلاب يخضعون للامتحانات الرسمية هذا العام (حسن عسل).
طلاب يخضعون للامتحانات الرسمية هذا العام (حسن عسل).
A+ A-
محمود عيسى
 
لن نبدأ بالنقد أو الانتقاد لأننا لا نبحث عن العناوين الرنّانة الجاذبة، بل لا بدّ من النظر بإيجابية إلى ما تضمّنته الخطة التربوية المطروحة من قبل وزارة التربية حول ضرورة العودة إلى التعليم الحضوري؛ وذلك انطلاقاً من أهمية ما يؤمّنه التعليم الحضوري من نموّ عاطفي واجتماعي يحتاجه المتعلّم، ولا يؤمّنه أيّ نوع آخر من التعليم، خصوصاً بعد عامين من الانقطاع الجزئيّ أو الكليّ عن التعليم الحضوري.

وهنا، لا بدّ من أن نذكر أن العديد من الدراسات أظهرت العديد من الثغرات في هذا الشقّ نتيجة الابتعاد عن التعليم الحضوري، خصوصاً في المراحل التعليميّة الأولى؛ وتحديداً في مرحلتي: رياض الأطفال والحلقة الأولى.

قبل تناول الوضع الاقتصادي، وقبل مطالبتنا بضرورة تعديل الخطة للانطلاق من أرض الواقع، فلنتناول الخطة من ناحية أكاديمية - تربوية:

ما هي عناصر العملية التعليمية - التعلّمية الأساسيّة؟

الجواب حتماً هو: المعلّم، المعرفة، والمتعلّم، إضافة إلى الأهل الذين برز دورهم في السنوات الأخيرة. إذاً، فالمعلّم ركن أساس في العملية التعليمية – التعلّمية، ولا يُمكن وضع أيّ خطّة تربوية لا تلحظ احتياجاته، وكذلك دوره الذي طرأ عليه الكثير من التغيّرات والتطوّرات خلال الأعوام الأخيرة؛ هذه الاحتياجات لا يُمكن الاكتفاء بذكر عناوينها العريضة، من دون عرض وسائل توفيرها، فكان لا بدّ من البحث عن حلول تلبّي احتياجات المعلّم، وتضمن استمرارية حياته الكريمة على غرار ما أُنجز بشأن عناصر العملية التعليمية - التعلّمية الأخرى (المتعلّم والمعرفة) لتكون هذه الحلول جزءاً لا يتجزّأ من خطة العمل قبل إطلاقها. فهل يعَدُّ عدم البحث بجدّية عن حلول لواقع المعلّم الاقتصادي بمثابة مكافأة له على الجهد الذي بذله لإنهاء العام الدراسي الماضي بأقلّ الخسائر؟!

هذا المعلّم الذي عضّ على جراحه، وتعاون مع الوزارة لإنجاز الامتحانات الرسمية (وضع أسئلة، تصحيح، إصدار نتائج) ليحفظ كرامة الشهادة الرسمية اللبنانية وكرامة التربية في وطن ينزف؛ لا لشيء سوى أنه أراده أن يبقى شامخاً.

بالعودة إلى الخطّة المقترحة، نحن متمسّكون بالتفاؤل، ومن دعاة الطروحات الإيجابية؛ ولكن - للأسف - رفع سقف التوقّعات بعيداً من الواقع حيناً، إضافة إلى الإيجابية المفرطة أحيانا كثيرة، تعرّض خطة العمل للعديد من الإخفاقات، وتفرض علينا العديد من التعديلات خلال العام الدراسي. فلماذا نضع أنفسنا كعائلة تربوية في وسط هذا التخبّط طالما أنه بمقدورنا تجنّبه ولو جزئياً؟ إن التخطيط السليم ينطلق من وضع حلول للمشكلات بعد تحديدها، ووضع بدائل تتيح تخطّي المعوّقات انطلاقاً من الواقع والقدرات المتاحة.

بناءً على ما تقدّم:

هل للمعلّم أو للمتعلّم القدرة على الحضور إلى المدرسة أربعة أيام في الأسبوع في ظلّ أزمة البنزين الذي إن توافر في الشهر المقبل فسيفوق الحصول عليه القدرة الشرائيّة للمعلّم؟

هل للمعلّم القدرة على دفع حاجات وبدل صيانة سيّارته؟ ولن نتكلّم على بدل اشتراك الكهرباء والإنترنت، والقروض... إذ نترك هذه المواضيع للروابط والنقابات للحديث عنها، ولكننا نقترح العودة إلى أرض الواقع، والتحلّي بالجرأة لتقليص عدد الأيام الحضوريّة إلى يومين أو ثلاثة بالحدّ الأقصى، على أن يترافق ذلك مع زيادة عدد الحصص التعليمية في الأيام الحضورية (تعليم حضوري فقط للروضات)، على أن تكون الأيام الباقية عبارة عن تعليم من بعد بشكل مخفّف في الحلقة الأولى، ويتدرّج تصاعدياً حتّى المرحلة الثانوية، على ألا يتخطّى الأربع حصص أو الخمس يومياً؛ هذا في حال عاد التيار الكهربائي إلى طبيعته. أما إذا بقيت أزمة الكهرباء على حالها فسيكون التعليم من بعد عبارة عن تعليم غير متزامن، ويكون بمثابة دعم فقط للتعليم الحضوري، مع التشديد حينها على إلزامية التقييم حضورياً، شريطة أن يترافق أيضاً مع الإيعاز إلى المركز التربوي بالعمل على تقليص المناهج إلى 13 أو 15 أسبوعاً منذ بداية العام بدل العودة إلى إعادة التقليص خلال العام.

ونؤكّد ضرورة وضع سيناريو (ب) للخطّة يُراعي التباعد الاجتماعي إذا عادت الظروف الصحيّة وفرضت نفسها، وسيناريو (ج) للمدارس التي قد تضطر إلى الإغلاق، بدلاً من انتظار وقوع الواقعة لوضع حلول ارتجاليّة... وهذا كلّه ينبغي إعداده قبيل بداية العام الدراسي الجديد.

مثل هذه الإجراءات كفيلة بأن تخفّف الضغط النفسي عن الكوادر التعليمية وعن المتعلّمين حتى لو اضطررنا إلى تأجيل بداية العام أسبوعاً أو أكثر إفساحاً في المجال أمام تدريب أو تحضير الفرق التعليميّة لتنفيذ الخطة، وإعداد برامجها، التي تضمن انطلاقة سليمة صحيحة للعام الدراسي المقبل.

أخيراً، إن العملية التعليمية – التعلّمية لا تقوم من دون المعلّم، فهو عمادها وعميدها. لذلك، ابحثوا له عن الدّعم لضمان نجاح أيّ خطة تربوية واقعية؛ أما المُضيّ قدماً من دون الالتفات إليه والعناية به وتأمين احتياجاته فسيجعل أيّ خطة تربوية مجرّد حبر على ورق.
 
*باحث ومدرب تربوي

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم