الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أيهما أفضل لـ"التغيير" في لبنان ممثل السلاح الإقليمي أم ممثل الرأسمال العالمي؟

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
صورة مركّبة تجمع أزعور وفرنجية.
صورة مركّبة تجمع أزعور وفرنجية.
A+ A-
حددتُ في عنوان المقال، المواطنين اللبنانيين الذين أتوجه اليهم في نصي هذا: انهم المواطنون الذي يعملون للتغيير، الاجتماعي او الاقتصادي او السياسي، افرادا او جماعات او منظمات او احزابا او نوابا. لا يهمني هدف التغيير بقدر ما تهمني "حرية العمل من أجل التغيير"، بصفتها شرطاً ضرورياً لتغيير واقع قائم تعاني منه فئة من الشعب، وتعمل من اجل تغييره. وهذا ما يطرح مسألة الحريات والديموقراطية في لبنان.
 
المنافسة على موقع رئاسة الجمهورية، هي اليوم بين شخصين معلنَين: سليمان فرنجية وجهاد ازعور. تتباعد صفات الرجلين كما تتقاطع. الاول بدون شهادة جامعية، ولا خبرة لديه في الاقتصاد والمالية العامة للدولة، وهو من فريق ٨ آذار، وسبق أن كان رئيس ميليشيا. الثاني حائز شهادة جامعية وخبير في الاقتصاد والمالية العامة للدولة، وهو من فريق ١٤ آذار، ولم يسبق أن انخرط في الميليشيات، بل كان مقرباً من تيار "المستقبل"، والرئيس السنيورة تحديدا. الاثنان محسوبان على "المنظومة" التي حكمت بعد الطائف، وتشترك في التوجهات الاقتصادية- المالية، وان اختلفت على التوجهات السياسية- الوطنية.
المقارنة بين المرشحَين تركّز على هذه الصفات، لكن الاهم لي هو من يمثلان على المستويين الإقليمي والدولي. فهذا ما يجب أن يحدد الموقف منهما في الصراع السياسي اللبناني، وليست صفاتهما فحسب.
 
سليمان فرنجية يمثل السلاح الاقليمي، الإيراني والسوري، وترجماته اللبنانية، فيما جهاد ازعور يمثل الرأسمال العالمي وترجماته اللبنانية أيضاً. المقصود بالرأسمال العالمي، ما تمثله المؤسسات المالية الدولية، صندوق النقد والبنك الدولي. طبيعة العلاقة بين كل مرشح ومرجعيته هي تقريبا نفسها: فهما "يمونان" على من رشحهما. فرنجية كما صرّح مرارا، يمون على نصرالله وعلى الأسد ويمكن ان يطلب منهما ما لا يستطيعه الآخرون. وأزعور يمون، وإن لم يصرّح بذلك، على صندوق النقد الدولي، ويستطيع ان يطلب منه ما لا يستطيعه الآخرون أيضاً.
 
استخدم كلمة سلاح وكلمة رأسمال، لأنهما الأداتان الرئيسيتان اللتان تُستخدمان في عملية التأثير السياسي، لكلَي الطرفين. لا يوجد تطابق دائم بين موقع الشخص وتوجهاته، لكن فرنجيه يكرر انه ينتمي إلى "خط" الممانعة، وانه على العهد باقٍ. فيما أزعور، وان لم يلقِ بتصريحات بهذا الوضوح، توجهاته المالية والاقتصادية اليوم هي توجهات صندوق النقد الدولي، وهي نفسها عندما كان وزيرا للمال في لبنان. هذا "الانتماء" الاقليمي او الدولي للرجلين، هو الأهم بحسب اعتقادي، لأن الصراع المركزي في لبنان يدور اليوم حول قضيتين: قضية سلاح "حزب الله" وقضية خطة التعافي، المرتبطتان بالصراع الإقليمي- الدولي من جهة، والمفتقرتان إلى حلول على المستوى الداخلي اللبناني، من جهة ثانية. مما يجعل حلهما بيد القوى الاقليمية والدولية، وهذا احد أسباب انتقال مسألة انتخاب رئيس للجمهورية من الداخل الى الخارج، بشكل شبه كامل، رغم مظاهر الحراك الداخلي، ورغم حرص بعض النواب، على التحرك باستقلالية عن الإرادات الخارجية.
 
التفريق بين طرفي السلاح والرأسمال، لا يعني عدم تقاطع مصالحهما، ولا يلغي احتمال تعاونهما، كما دلّت تجارب عديدة. وقد يكون موقف فرنسا المؤيد لإنتخاب فرنجية، مثلا حيا على شكل من التعاون بين السلاح الاقليمي والرأسمال العالمي، بدا لي استراتيجيا من خلال اختيار فرنجية والتمسك به فرنسيا. ولا يمكن فهم العنصر الاستراتيجي لهذا الخيار، الا كأحد الانعكاسات السياسية لترسيم الحدود المائية بين لبنان واسرائيل، وهو ترسيم ذو طابع اقتصادي - سياسي، اطرافه الاساسيون، اسرائيل وايران وأوروبا واميركا.
 
صحيح أن فرنجية يحمل في شخصه، الانتماءين معاً، السلاح والرأسمال، فهو جزء من محور الممانعة، وشريك في الوقت نفسه في "منظومة" النيوليبيرالية والنموذج الريعي. لكن هذا لا يعني بالضرورة، قدرته على التوفيق بين الاثنين.
 
أما أزعور، فيحمل مشروعاً اقتصادياً ومالياً، يتماهى مع وصفات صندوق النقد الدولي، التي اثبتت التجارب في العالم انها لم تنقذ الاقتصاد، في حين فاقمت الوضع المعيشي. وقد يكون انحيازه الى سياسات صندوق النقد الدولي، ومن يقف وراءها من الدول الرأسمالية الغربية، وفي مقدمهم الولايات المتحدة الاميركية، فرصة لممثلي السلاح لعرقلة المشاريع، لا سيما تلك التي لها فعلا طابع إصلاحي وتمس بمصلحة اركان السلطة وتحدّ من فسادها، وذلك بحجة مواجهة تدخلات الغرب.
 
لطالما اعتمدت الرأسمالية على السلاح في توسّعها، ولطالما استعان السلاح بالرأسمال لتوطيد هيمنته. وإذا كانت الرأسمالية قد حيّدت السلاح في إطار الدولة الرأسمالية الديموقراطية الغربية، فإنه لا يزال وسيلتها، الى جانب العلاقات الاقتصادية غير العادلة، في تطويع البلدان الأخرى. في المقابل، حيّد السلاحُ الرأسمالَ او استتبعه، في البلدان العسكرية او الدينية- العسكرية، مستخدما اياه في توسعه، مع إعطاء الاولوية للسلاح كإداة اساسية للهيمنة على البلدان الأخرى.
 
في المقابل، دلّت التجارب العالمية، ان النظام الرأسمالي تميّز عن النظام العسكري، الذي يحكمه السلاح، او السلاح والدين معا، بخاصيتين: الاولى اتساع مروحة الحريات بالمقارنة مع التضييق عليها في النظام العسكري، والثانية إمكان التغيير من داخل النظام الرأسمالي من خلال الصراعات السياسية داخله، مقابل شبه إنعدام هذا الإمكان في النظام العسكري. وإذا كان النظام العسكري، العربي او الايراني او غيره، يبدأ عادة بتأمين "الخبز" للشعب، تعويضا عن مصادرته للحريات، فإن سياساته تؤدي في معظم الأحيان الى الافقار والبؤس. في حين أن الرأسمالية، التي تعطي الاولوية للحرية على حساب العدالة الاجتماعية، سرعان ما تجبرها ازماتها الداخلية، والضغوط السياسية اليسارية، والنقابية، على تعديل سياساتها الاقتصادية- الاجتماعية نحو المزيد من العدالة الاجتماعية. لكن الرأسمالية لا تتورع عن محاولة العودة إلى الوراء، عندما تسمح الظروف، مثلما فعلت مع موجة النيوليبيرالية التي حاولت ولا تزال تحاول القضاء على مكتسبات دولة الرعاية الاجتماعية، التي نشأت وترسخت بعد الحرب العالمية الثانية.
 
هذا هو في اعتقادي، المشهد الاساسي العام، الذي على القوى العاملة من أجل التغيير في لبنان، ان تأخذه في الاعتبار، عندما تريد الاختيار بين فرنجية وأزعور، بدل ان تنظر الى الامر من منظار ضيق، من مثل ثنائية ٨ و١٤ آذار، او ثنائية متعلم وغير متعلم. لو كنت نائبا لاخترت أزعور بدون تردد. ليس لأنه أكثر سيادية، فتبعيته الاقتصادية فاقعة. وليس لأن لديه مشروعا اقتصاديا إنقاذيا، فمشروعه، كما هو متوقع، لا يخدم مصلحة أكثرية الشعب اللبناني، لا سيما الذين يعانون من ضيقة معيشية. أختاره لسبب وحيد، هو ان انتخابه قد يفتح ابوبا للتغيير، في حين ان انتخاب فرنجية، يقفل الابواب جميعها لست سنوات مقبلة، وربما لأكثر من ذلك. أحيل القارئ على كتابي "متاهات التغيير في زمن الممانعة"، اذا اراد التعمق اكثر في وجهة نظري حول هذا الموضوع.
 
لكن هذا لا يعني أن اختيار أزعور رئيساً، وكممثل للرأسمال العالمي، سيفتح بالضرورة أبواب التغيير في لبنان. فقد شكّلت تجربة حكم رفيق الحريري، مثلا للتعاون، بين الرأسمال وسلاح الميليشيات من جهة، والرأسمال وسلاح النظام السوري، من جهة ثانية، في فترة الوصاية السورية على لبنان. كما حفلت حقبة الحريرية السياسية بصراع متقطع لكن متواصل مع السلاح، الذي عُرف في حينه، بالنظام الامني اللبناني- السوري. من المفيد جدا، ونحن على عتبة انتخاب رئيس للجمهورية، التأمل بهذه الحقبة، من منظور علاقة السلاح بالرأسمال، ونتيجته المأسوية، التي ادت الى انتصار السلاح على الرأسمال، من خلال اغتيال الحريري، دون إغفال محاولاته نفسه، لجم معارضة سياساته، والتضييق على الحريات، ولو بطرق اقل عنفية وفعالية.
 
تجربة الحريري والمسار الوطني العام الذي تلا اغتياله، يطرحان السؤال بإلحاح حول مدى تأثير "مواصفات" رئيس الجمهورية او "انتماءاته" السياسية، على تطور الأوضاع في لبنان، في ظل هيمنة "حزب الله" العسكرية على الحياة السياسية المركزية. هذا لا يلغي أهمية حسن الاختيار بين فرنجية وازعور، او بينهما وبين مرشح آخر قد يبرز اسمه نتيجة صعوبة انتخاب أحدهما. لكن حسن الاختيار هذا يفترض أيضا التفتيش عن صيغة حكم ترفع هيمنة "حزب الله" عن النظام ككل.
 
من الصيغ المطروحة على بساط البحث، التي تلقى تأييدا شبه كامل في البيئة المسيحية، هي اللامركزية الموسعة او الفيديرالية، التي إذا كانت تواجَه عادة بسؤال مسبق تشكيكي، من مثل "هل يمكن للفيديرالية أن تنجح؟"، فإن هناك شبه اجماع اليوم، عابرا للطوائف، ان هذه المركزية التي يهيمن عليها "حزب الله"، فشلت على جميع الصعد الاقتصادية والمالية والسياسية والوطنية، ولا يمكن ان تنجح في المستقبل. وهذا ما يعدّل في السؤال حول الفيديرالية ليصبح: "هل ثمة بديل من الفيديرالية في حال استمرار الواقع الذي نحن فيه؟". ربما يكون هذا السؤال المستجد، عنوانا لمقال آخر.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم