الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أين تكمن العقدة في تشكيل الحكومة في لبنان؟

المصدر: "النهار"
الكورنيش البحري (أ ف ب).
الكورنيش البحري (أ ف ب).
A+ A-
الدكتور جيرار ديب*
 
تحرّك رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، في جولة على المسؤولين بدأها بزيارة قصر بعبدا، وعدّها بمثابة تحريك المياه الراكدة في ملف تشكيل الحكومة في لبنان. وقد صرّح الرئيس دياب بأنّ مبادرته أو جولته ذاتية القرار، إيماناً منه بأنّ الأوضاع الاقتصادية والصحّية والاجتماعية في لبنان لا تحتمل على الإطلاق انتظار تشكيل الحكومة، فالبلد بحسب إجابة للرئيس عون في إحدى مقابلاته، متجه إلى جهنّم.
 
تسريب فيديو من قصر بعبدا، يُتّهم فيه الرئيس المكلّف سعد الحريري بالكذب، يشعل الجبهة بين بيت الوسط والقصر، و"التيار الوطني الحرّ". في المقابل، رئيس مكلّف يعدّ نفسه مجسداً لمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويقبل بتكليف خجول من 65 نائباً، على أن يشكّل حكومة تكنوقراطيين لإخراج البلد من أزماته، يعمد إلى تحجيم دور "التيار الوطني الحر"، من خلال استثنائه في وضع صياغته للحكومة.
 
في مقابل الصراع بين التيارين الأزرق والبرتقالي، يصعّد رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط حملته على الرئيس عون، بأن لا كيمياء بين الرجلين. وينتقد جنبلاط العهد في طريقة معالجة الملفات ولا سيما الفساد؛ فيرى جنبلاط أنّ العهد وتياره بدآ حرباً لمحاصرته وإلغائه منذ انتخابات 2018، إذ رأى أنّ القانون الانتخابي الذي طبّق حينها مجحف بحقّه، لا بل سمح بزعزعة زعامته الدرزية وأدّى إلى تقليص كتلته النيابية.
 
أما بين الرئاستين الأولى والثانية، فهناك علاقة يلفّها الحذر الشديد في التعاطي، ودائماً استخدام الكلمات بين الطرفين هو سيّد الموقف. فالعلاقة لم تكن ولن تكون جيدة بين عون ونبيه بري، وهكذا هو الحال بين بري وجبران باسيل. فبالأمس القريب، سُرّبت كلمة "بلطجي" للوزير باسيل في أحد لقاءاته، وكادت أن تدخل البلد في حرب أهلية، لولا الوساطات ولا سيما من "حزب الله".
 
أما العلاقة بين العهد وحليفه "حزب الله" فقد أصبحت هشّة، بسبب تشابك الملفات الداخلية والإقليمية. وقد تكون العقوبات الأميركية على الوزير باسيل نتيجةً لعدم فكّ ارتباطه التحالفي بالحزب. لذا، يعمد الطرفان إلى إعادة قراءة وصياغة ورقة التفاهم بين الحزبين، الموقّعة في 6 شباط 2006. إنّ عتب التيار على الحزب، هو لتفضيل الأخير بري على مصلحة البلد؛ وذلك خوفاً على الطائفة الشيعية من الانقسام وحمايةً لمصالحها، فيما يخوض الحزب مغامرات خارج الحدود اللبنانية، لذا فهو بأمسّ الحاجة إلى وحدة الطائفة. فيما يشعر التيار بأنّ فكّ الحزب ارتباطه مع "حركة أمل" قد يفتح باب المحاسبات، ما يمكّن العهد من تحقيق إنجازات في الملفات المعيشية، كالمحاسبة والتدقيق الجنائي.
 
أما في الداخل المسيحي، فقد رأت مصادر مقرّبة من الصرح البطريركي، أنّ زيارة مستشار الرئيس عون، الوزير السابق سليم جريصاتي، لبكركي لم تقنع البطريرك الراعي، الذي قال لجريصاتي: "ما تفوتوا الناس بالتفاصيل السخيفة، المسألة لم تعد تحتمل غنج ودلع روحوا صدروا مراسيم الحكومة". في دلالة على أنّ بكركي لم تنحَز إلى موقف عون، وهذا ما أزعج بعبدا. تضافُ إلى ذلك، المواقف المتقدمة لسمير جعجع قائد "القوات اللبنانية" التي تمثّل ثاني أكبر كتلة نيابية، وتصريحاته بأنه لم يعد متمسكاً برئاسة عون. بل طالب بانتخابات مبكّرة، وهو في صدد تشكيل جبهة مواجهة مع العهد.
 
ساحة محلية تصف واقع الأزمة اللبنانية الفاقدة للثقة بين الأفرقاء، إذ كلٌّ يغني على ليلاه. هذا الواقع، يبرز أنّ العقدة الداخلية لتشكيل الحكومة صعبة الحلّ، ما دام فريق العهد لا يستطيع تدوير الزوايا في ملفات رئيسية كالتدقيق الجنائي الذي سيطال الشريحة التي استحكمت بالبلد منذ الطائف، وعرفت بالسياسة الحريرية، وما دام ملفّ لم ولن يصل إلى خواتيمه رغم الكارثة التي خلّفها، وهو ملف المرفأ، الذي على ما يبدو ما إن وصل قاضي التحقيق فادي صوان إلى بعض الخيوط، حتى علا الصوت بتنحيته عن الملف. 
 
في الداخل، تتلاقى المصالح بعرقلة العهد وضرب مساره، مع العقوبات الخارجية ولا سيما الأميركية والغربية والعربية على حدّ سواء؛ تلك التي تطالب بكفّ "حزب الله" عن التوسع إقليمياً، وترى أنّ العهد هو الحامي الرئيس لهذا الحزب. عن ذلك عبرّ بوضوح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله، أنّ المملكة لن تقف إلى جانب لبنان، ما لم يُضبط سلوك الحزب، ولا سيما في اليمن.
 
العقدة إذاً أبعد من مبدأ مداورة الحقائب الوزارية، وأبعد من مبدأ اعتماد معيار واحد كما يطالب "التيار الحر". وطبعاً هي ليست معركة محافظة على صلاحيات المسيحيين كما يحاول العهد تسويقها، ولم يُقنع بها البطرك الراعي. العقدة الرئيسية في "حزب الله" ودوره الإقليمي وسلاحه الدقيق، الذي بات يخزّن منه مئات الصواريخ، فضلاً عن أفرقاء داخليين يعملون لحثّ العهد على تدوير الزوايا، ضمن عنوان "عفا الله عمّا مضى" من سرقات ونهب وهدر للمال العام، وتصفير الحسابات وفتح صفحة جديدة. 
 
أستاذ جامعي ومحلّل سياسي*
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم