ترامب وخالي نجيب...

 
كتب خليل عجمي
 
كان شاب يجر عربته داخل سوبر ماركت لتبضّع حاجياته، عندما شعر أن امراة في سن أمه، تلاحقه بحذر كيفما توجه... توقف فجأة، والتفت إليها قائلاً: "هل ثمة خطب ما يا أمي، لاحظت منذ برهة أنكِ تلاحقينني كيفما تحركت".
فبادرته على الفور قائلة وقد اغرورقت عيناها بالدموع: "الله كم هي جميلة كلمة (يا أمي) من فمك". وأردفت متابعة: "إنك يا بني، تُشبه ولدي الذي وافته المنية قبل فترة".
فطيّب خاطرها مردداً على مسمعها: "إنها سُنةُ الحياة يا أمي، أمدّك االله بالصبر، ورحمة الله عليه". 
 
عاجلته مرددة: "الله... الله... كم هي جميلة كلمة يا أمي وهي تخرج من فمك.. لا يمكنك معرفة مدى غبطتي وأنت تتوجه إلي بكلمة يا أمي".
...نظرت إلى الشاب بكل رقة وحنان طالبة إليه أن يرددها بصوت عالٍ، فانصاع للأمر وصرخ عالياً "يا أمي"... حنت برأسها نحو الأرض، وأعادت الطلب... فأعاد الكرّة منادياً بأعلى صوته "يا أمي" أكثر من مرة. 
 
طأطأت رأسها ومشت بهدوء مغادرة المكان بعدما ودّعت الشاب بكل رقة وحنان.
ذهب الشاب إلى الصندوق لدفع ثمن حاجياته... لحظات، وتوجه إليه موظف الصندوق قائلاً: "فاتورتك 450 الف ليرة لبنانية، وفاتورة أمك، مليون و350 ألف ليرة".
دُهش الشاب متسائلاً بذهول: "مين أمي.. أين أمي"... فأجابه: "المرأة التي كنت تناديها قبل قليل، بأعلى صوتك: يا أمي".
يُقال إن الشاب عاد إلى منزله ينادي أمه الحقيقية: "خالي نجيب"، بعدما قرر عدم استخدام كلمة "أمي" بعد الذي حدث معه. 
 
هذا هو حال المنطقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يواصل جمع حاجياته في عربته على حساب المنطقة العربية ومناطق أخرى في العالم لليوم الموعود في الثالث من تشرين الثاني المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، في سياق سعيه لولاية ثانية في وجه منافسه الديموقراطي جو بايدن، غير آبه باعتبارات حزبه بشأن حجم الخسائر في كفة ميزان الربح، أو الأرباح في كفة ميزان الخسارة، انطلاقاً من كونه جاء من عالم الأعمال إلى عالم السياسة معتمداً قاعدة "العرض والطلب".
 
وفي سياق سياسته "التسليف المجاني" لإسرائيل على حساب المنطقة العربية وقضيتها، كان ترامب قد وضع في عربته، قرارين خطيرين على حساب العرب، الأول في 6 كانون الأول 2017، عندما اعترف رسميًّا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعندما اعترف بعد ذلك في آذار 2019 بقرار تل أبيب ضم هضبة الجولان المحتلة.
 
ثم بدأ ترامب يحضّر لاحقاً لما اُطلق عليه اسم "صفقة القرن" لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتطبيع العلاقات الإسرائيلية – العربية، توّجها بمؤتمر عُقد في المنامة في حزيران (يونيو) 2019 تحت اسم "ورشة البحرين الاقتصادية".
 
لكن مؤتمر المنامة لم يحقّق مبتغى ترامب، فسعى الرئيس الاميركي إلى منطق "المفرق" بدل "الجملة"، وبدا وكأنه لابد من تحرك اللحظة الأخيرة، لتحسين ظروفه في مواجهة منافسه الديموقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك بعد سلسلة من الإخفاقات الداخلية والخارجية نتيجة "مواقف ارتجالية"، فسارع للإعلان عن اتفاقات سلام "غير مفاجئة"، بين دول عربية وإسرائيل، ملمحاً ضمناً وعلناً إلى إمكانية انضمام دول عربية أخرى "إذا اضطرت الحاجة" بحسب مساره الانتخابي في طريقه إلى البيت الأبيض من جديد. 
 
وكانت إعلانات التطبيع، فبعد الإمارات العربية المتحدة والبحرين، انضمت الخرطوم (عاصمة اللاءات الثلاث) إلى لائحة التطبيع مع إسرائيل حيث أفاد بيان أميركي – إسرائيلي – سوداني مشترك في 23 تشرين الأول الجاري عن توصل الخرطوم وتل أبيب إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما. 
ربما كان ترامب يعتقد ان "العنجيهة" التي كان يمارسها في تعاطيه مع القضايا والمشكلات الدولية قد تفعل فعلها في الداخل الأميركي، لكن إدارة البلاد وأزمة كورونا إضافة إلى الحوادث العنصرية في الولايات المتحدة، أرخت بظلالها على الداخل، فدفعته في المناظرة الثانية في 22 تشرين الأول الجاري بوجه منافسه لتقديم "صورة إيجابية" لما تبدو عليه البلاد، سعياً لكسب تأييد الناخبين، بعد المناظرة الأولى التي جرت في 29 سبتمبر الماضي، والتي تميزت بفوضى عارمة ومشادّة كلامية بينهما وتخللها تلاسن بين ترامب ومدير المناظرة، ما أضر به في استطلاعات الرأي اللاحقة، وبدا في وضع أضعف من الوضع الذي كان يتمتع به خصمه الديموقراطي.
 
وعلى الرغم من أن النقاش كان ساخناً بين الرجلين في المناظرة الثانية، التي تبادلا في خلالها الاتهامات مراراً بشأن ملفات عدة، إلا أنها بدت أكثر لياقة وهدوءاً من المناظرة الأولى، حيث ركز بايدن انتقاداته على طريقة تعامل ترامب مع جائحة كوفيد – 19، فيما اتهم الثاني منافسه بالفساد.
 
واعتبر معظم مشاهدي المناظرة الانتخابية الأخيرة بين الرجلين، أن بايدن فاز أمام ترامب، حسب نتائج استطلاع رأي عبر الهاتف.
 
وأشار استطلاع رأي أجرته شركة SSRS بطلب من قناة CNN الموالية للديموقراطيين، أن 53% ممن تابعوا المناظرة الأخيرة، أعطوا الفوز لبايدن، بينما اعتبر 39% من المشاهدين ترامب فائزا فيها.