الميثاقيات القاتلة... متحوّرات تقضي على ما تبّقى من بلد

منذ مساء الثلثاء يتفاعل حديث المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب علي حسن خليل، عن أنه في حال استطاع فرنجية جمع 65 صوتاً، فسيسيرون بانتخابه رئيساً بغض النظر عن قبول الأحزاب المسيحية به.
 
اشتعلت الردود عليه بأن الأمر يضرب الميثاقية؛ هذا التعبير، الذي بات شماعة تعلّق عليه الأوساخ والمصالح السياسية والطائفية في البلاد، بات يكبر ويتفرع ليطال كل مفاصل حياتنا، كما بات مصدراً للهروب من الأزمات المتفاقمة إلى قوقعة الطائفة التي بدورها تمتلك طاقة سحرية للتنويم والنسيان.
 
من الطبيعي في الحياة السياسية اللبنانية أن يكون الخلاف سياسياً على طروحات ومبادئ وأطر، إلّا أن ما يسمى بالميثاقية، وهو الداخل الجديد منذ سنوات على الحياة السياسية، أفسدها بطريقة غريبة أعطت لكل طائفة بغض النظر عن حجمها فيتو قاتلاً، يوقف البلاد لشهور وربما لسنوات، وامتد إلى جميع تفاصيل هذا الكيان من الحاجب إلى رئاسة الجمهورية.
 
وفي الأشهر الأخيرة بدأت تظهر لهذا الشعار "المرض" متحورات جديدة، فأضحى هناك ميثاقية للميثاقية، وما قول رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بأنه "ليس كل من يضع صليباً هو مسيحي" سوى دليل على انتشار المتحور الجديد، فاليوم لن تكون مسيحياً ميثاقياً إذا كنت لا تنتمي إلى التيار أو القوات، فهما من يعطيان الميثاقية ومن يحجبها. وهذا الأمر كان قد سبقهما عليه الثنائي الشيعي بأن لا ميثاقية شيعية خارج الثنائي، ومن هو خارجهما مرتد وجب رجمه، ولا حق له،| وربما ستكر سبحة باقي المذاهب في الأيام المقبلة ليحل المتحور الجديد مكان القديم.
 
إلى هذا، بدأ المتحور الجديد من الميثاقية من تحويل الطوائف إلى فيدراليات متباعدة نحو تحويل المواقع إلى فيدراليات أيضاً. فالشيعة الميثاقيون معنيون برئاسة مجلس النواب، والسنة الميثاقيون معنيون برئاسة الحكومة، والمسيحيون الميثاقيون هم من تعنيهم رئاسة الجمهورية؛ وإذا كان الثنائي الشيعي مارس الأمر في جميع المواقع نتيجة اتفاقه التام، فإنه كان ما زال بعيداً عن المسيحيين إلى أن وصلوا لممارستته بطريقة سلبية، فأبعدو أنفسهم عن المواقع طواعية، وجعلوا أنفسهم غير معنيين، وكان عدم تسمية أي أحد لرئاسة الحكومة لمرات متتالية أكبر دليل على ذلك، فمن غير المنطق ألا تجد أكبر كتلتين مسيحييتين أي اسم يمكن أن يتولى الحكومة؛ وبهذا اعتقدوا أنهم يجارون غيرهم في هذا الأمر، فأتت النتائج سلبية. فمن قبل برئيس حكومة بـ57 صوتاً، ما عليه الاعتراض على رئيس جمهورية بـ65 صوتاً، أما الأمر الآخر فهو عدم تقديمهم أي وجهة نظر مشتركة أو اسم متفق عليه أو حتى مواصفات واحدة ليفرضوا ميثاقيتهم على غيرهم، ولم تستطع أي جهة منهما حنى الساعة الاتفاق مع طرف آخر حول اسم معين؛ وبهذا نكون أمام متحور آخر وخطير وهو ميثاقية "الفراغ" ليأتي على ما تبقى من وطن.