الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

تقاعد مبكر لزعامة فشلت في خوض الصراع المذهبي والالتحاق الأعمى بالخارج

المصدر: النهار
سعد الحريري. (من أرشيف "النهار").
سعد الحريري. (من أرشيف "النهار").
A+ A-
غسان صليبي

تقوم الزعامة الطائفية في لبنان على شرطين اساسيين متلازمين: الأول، القدرة على خوض الصراع المذهبي والطائفي في البلاد في وجهيه السياسي والعسكري، والثاني، التبعية لطرف خارجي.
 
سقط سعد الحريري في الإمتحانين. سقط في امتحان الصراع المذهبي المركزي في لبنان والمنطقة في هذه الحقبة التاريخية، اي الصراع السني - الشيعي، وذلك من خلال تقديمه التنازلات المتلاحقة لـ"حزب الله". وسقط في امتحان التبعية للخارج وتحديدا للسعودية. فرغم وراثته عن أبيه العلاقة مع السعودية، والتزامه بها، أدى عدم استسلامه الأعمى لإرادتها، إلى وقف دعمها له. ذلك أنه ورث أيضا عن أبيه علاقاته الواسعة بالقوى العظمى، مما أعطاه هامشا إستقلاليا نسبيا تجاه السعودية.

على الزعيم الطائفي في لبنان أن ينجح في واحد على الأقل من الامتحانين حتى يستطيع الاستمرار في موقعه. الطرف المقابل في الصراع المذهبي، أي "حزب الله"، نجح نجاحا باهرا في جمع شرطي الزعامة المذهبية: أضاف إلى البعد المذهبي الشحنة الدينية والعسكرية، وألغى التمايز بين الداخل والخارج إذ اصبح جزءا من النظام الإيراني. لكن هزيمة الحريري جاءت أيضا نتيجة عداء طرف مذهبي آخر، متحالف مع "حزب الله" هو "التيار الوطني الحر".
وقد وضع عون صراعه مع الحريري في إطار مذهبي واضح، رغم تركيزه على سياسته الاقتصادية والمالية. فمقولة "تحالف الأقليات" التي روّج لها تياره في المنطقة، لا يمكن أن تعني الا مواجهة الأكثرية السنية.
 
 
في تبرير تعليق عمله في الحياة السياسية وعزوفه عن خوض الانتخابات النيابية هو و"تيار المستقبل"، لم يشر سعد الحريري بالطبع إلى فشله في تأمين الشرطين اعلاه للاستمرار في الزعامة. فقد اعتبر في مؤتمره الصحافي أن "مشروع رفيق الحريري يمكن اختصاره بفكرتين: اولا منع الحرب الأهلية، وثانيا حياة أفضل للبنانيين. نجحتُ في الأولى ولم يُكتَب لي النجاح الكافي في الثانية". لكنه لم يقل انه سيعلق عمله السياسي بسبب فشله في تأمين حياة أفضل للبنانيين. بل لأنه "مقتنع بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني وإستعار الطائفية وإهتراء الدولة". كزعيم سياسي وعلى ضوء الشرطين أعلاه، افهم من كلامه انه غير قادر على قيادة الصراع المذهبي المستعر ضد "حزب الله" في ظل نفوذ إيران وتخلّي السعودية عن دعمها. وحتى لا أكون مجحفا في حق الرجل، أضيف أنه على الارجح غير راغب أصلا ولا قادر على المستوى الشخصي والحزبي على خوض غمار حرب أهلية.

كان يمكن لسعد الحريري أن يتشبه بعون ونصر الله وجعجع وجنبلاط وفرنجيه، ويحجم عن الترشح للانتخابات المقبلة، لكن مع المحافظة على زعامته ومشاركة حزبه. فرغم فشله في امتحاني الزعامة المذهبية، لا يزال الزعيم الاقوى في الوسط السني. لكن المسألة تبدو اعقد من ذلك، فهو مقتنع بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي".
 

لا يمكن فصل مواقف الرجل عن شخصيته، من خلال الاكتفاء بمحاولة فهمها في إطار الصراع المذهبي والوطني والإقليمي العام. فسعد الحريري هو الاقل عنفا في خطابه وسلوكه من بين الزعامات الأخرى، والوحيد الذي لم يحمل السلاح لا في الحرب ولا بعدها، وإن كان قد ارتضى في مرحلة معينة، تسليح بعض أتباعه. وهو رئيس الحزب الأكثر اعتدالا في لبنان، على مستوى الصراع المذهبي، الذي يضم في تياره السياسي شيئا من الانفتاح المذهبي (بعض المسيحيين، بعض الشيعة)، ومن الانفتاح الاجتماعي (تمثيل نسائي لافت).

عندما تنظر إلى الحريري وهو يتكلم عفويا امام وسائل الاعلام، تجده، وعلى عكس الزعماء الآخرين، الذين يتلبسون ادوارهم بنجاح اكبر ويبدون اكثر تصالحا مع مهمتهم المذهبية ومع الدجل السياسي الذي يمارسونه.

بهذا المعنى بدا الرجل عاجزا عن اللحاق بالدور الموكل اليه، وربما ممتعضا منه، مما يضيف إلى انسحابه المفاجئ من الحياة السياسية عاملا شخصيا مهما.

رغم عدم تأييدي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي طبقها رفيق الحريري واستمر على نهجها ابنه سعد، ورغبتي في أن تسقط جميع الزعامات المذهبية والطائفية، لست من الذين فرحوا بانسحاب الحريري من الساحة السياسية، ولم ارَ في ذلك لا انتصارا مرحليا لشعار "كلن يعني كلن" من خلال سقوط "واحد منن"، ولا هزيمة للزعامة المذهبية، ولا بالطبع بداية لظاهرة "الدومينو" التي ستطيح الزعامات الأخرى.

فسياسات سعد الحريري الاقتصادية والاجتماعية هي السياسات التي اعتمدتها الزعامات الأخرى والتي لا تزال تطبقها بعد استقالات الحريري المتتالية من رئاسة الحكومة وانسحاب اتباعه منها، وأحدث مثل على ذلك الموازنة المطروحة على النقاش اليوم في مجلس الوزراء، والتي تعكس استمرار السياسات نفسها.

 
الخطر الأكبر المترتب على انسحاب الحريري وتياره من الساحة السياسية، هو في غياب التمثيل السياسي للاعتدال السني وربما للطائفة السنية ككل. ويُخشى أن يكون التهميش السياسي للطائفة السنية هو في آن واحد، تهميش للطرف الذي كان شريكا في الميثاق الوطني الذي أنشأ الكيان اللبناني، وللطرف الذي كان عراب اتفاق الطائف وأطلق شعار "لبنان اولا"، وأخيرا هذا للطرف الذي، بحكم تكوينه المذهبي، يجعل من لبنان سوسيولوجيا، ابن بيئته العربية ذات الأكثرية السنية.

في التجمع امام بيت الوسط في الليلة التي سبقت قرار الحريري، صرّحت مواطنة عادية مؤيدة له: "إذا انسحب الحريري، فستصبح الساحة السنية بيد سنّة "حزب الله" وبيد الجماعات الاسلامية والاصوليين". من هو اقدر من الذي يعيش بين الناس، على توقع توجهاتهم؟
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم