الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حروب بايدن... من الإرهاب إلى كورونا

د. خالد محمد باطرفي
من الحرب على الإرهاب الى الحرب على كورونا (تعبيرية- أ ف ب).
من الحرب على الإرهاب الى الحرب على كورونا (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
هناك من القادة من يبدأ ولايته بشهر عسل، يتاح له فيه التأقلم مع طبيعة منصبه والتعرف الى صلاحياته واختيار مساعديه. وهناك من تحيط به التحديات قبل أن يستقر به مجلسه، والرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، أحد هؤلاء. 
 
الا أنه، لحسن حظه، كان عليماً بما ينتظره، خبيراً بما يواجهه، وليس غريباً على طبيعة منصبه. فالسناتور الديموقراطي من ولاية ديلاوير، كان نائباً لرئيس الجمهورية الأسبق باراك أوباما، لثماني سنوات. وقبلها، ترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ واللجنة القضائية وأدواراً أخرى هامة منذ انتخبته ولايته عام 1973 وعمره 35 عاماً، ثم كررت انتخابه على مدى أربعة عقود دورة بعد أخرى. ولم يكن له أن يستمر نصف قرن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية علاوة على الحزب الديموقراطي، لولا توافر خبرات عديدة، لعل أهمها قدرته على التواصل والتفاوض وبناء الجسور وتوفيق المواقف المتعارضة. كما أنه ليس غريباً على السياسة الخارجية والحروب التي قادتها بلاده، والشراكات والتحالفات الدولية، والاتفاقات الأممية. 
 
ومما ساعد الرئيس الجديد، أنه اختار فريقه من بين من عمل معهم، سواء في الكونغرس أم الحزب أم البيت الأبيض، وهم على نهجه نفسه وأدرى بأسلوبه وطريقة تفكيره وعمله. كما سيسند توجهاته وييسر عمله غلبة الديموقراطيين على كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وتحيز الاعلام وشركات التواصل الاجتماعي وحتى هوليوود له. وخارجياً، سيجد حلفاء الولايات المتحدة، في الاتحاد الأوروبي و"الناتو" وأميركا الشمالية وشرق آسيا، وفي المنظمات الأممية كمنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، واتفاقية المناخ، متلهفين للتعاون معه، وتجديد العلاقات مع أميركا في عهده. 
 
 
حروب وانقسامات
وفي المقابل، فإن التحديات التي يواجهها تحتاج الى كل ذلك الدعم وأكثر. فمن الحرب على الإرهاب الى الحرب على كورونا، ومن الانقسام الداخلي الى تهديد الترامبية، ومن خطر انهيار الاقتصاد العالمي الى سيطرة الصين عليه، ما يكفي لتبقى واشنطن على صفيح ساخن لسنوات ولايته الأربع. فعلى الصعيد الوطني، يسعى بايدن الى الحصول على موافقة الكونغرس على مرشحيه خلال الأسابيع القادمة، وليس لأشهر وسنوات كما حدث لسلفه، واعتماد الدعم الاقتصادي العاجل بقرابة 2 تريليوني دولار، رغم العجز القياسي في الميزانية. وتحقيق ذلك يتطلب توافقاً بين الحزبين وتركيزاً تهددهما المحاكمة القادمة لترامب، والتي تبدأ يوم 8 شباط. 
 
وعلى الصعيد الخارجي، وضع الرئيس على رأس اولوياته مواجهة مع دولتين عظميين، الصين وروسيا. فبكين تهدد مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية والتقنية والسياسية والعسكرية على المدى القصير الى المتوسط، وتنتهك حقوق الإنسان والمؤلف، وتمارس التجسس على اميركا، والتنمر على بعض جيرانها، بخاصة تايبيه التي تعتبرها جزءاً منها، وهونغ كونغ والمسلمين الايغور. فيما موسكو، تمارس التجسس والقرصنة السيبرانية على المؤسسات الحكومية والتجارية الأميركية، وتتدخل في الانتخابات، وترتكب جرائم حقوق الإنسان داخل روسيا وخارجها، اضافة الى سباق التسلح النووي الذي يكاد يخرج عن السيطرة. 
 
ثم تأتي المعضلة الإيرانية، والاتفاق النووي 5 + 1 الذي شارك بايدن والعديد من أعضاء ادارته الحالية في تحقيقه، وقام سلفه الجمهوري بالانسحاب منه. فمن ناحية، اثبت الاتفاق فشله في الحد من الأنشطة النووية والصاروخية والممارسات الإرهابية والسياسات المزعزعة للسلام والأمن في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وفي المقابل تصعد إيران من انشطتها الإرهابية وخروقها للاتفاق وترفض أي مراجعة له وتعديل لشروطه، وتطالب برفع العقوبات ودفع تعويضات لها وعودة أميركا الى الاتفاق أولاً، قبل أن تلتزم هي ببنوده السابقة فقط. ومن الجانب الآخر، يصر حلفاء واشنطن في المنطقة، دول الخليج وإسرائيل، على التشاور معهم في أي مفاوضات قادمة، وان تؤخذ شكاواهم بعين الاعتبار. 
 
 
تغييب العراق 
وهناك ملف العراق الذي يتحمل بايدن شخصياً وزر تأييد غزوه واحتلاله عام 2003 بتهمة تصنيعه لأسلحة دمار شامل - وهو ماثبت تلفيقه - ثم تقديمه لقمة سائغة لإيران، ودعم تجديد ولاية ثانية لرئيس الوزراء نوري المالكي الذي سلم بلاده لـ"داعش" واخواتها، وأفلسها بالفساد وسوء الإدارة والعمالة لإيران. 
 
ومع أن مساعدي بايدن صرحوا بأنه غيّر من مواقفه السابقة، واستوعب التغيرات التي لحقت بالمشهد السياسي والأمني والعسكري خلال الأربع سنوات الماضية، إلا أن ما يقلق المراقب الخليجي والعراقي، هو عدم وضع العراق ضمن أولويات الإدارة في الوقت الذي يواجه فيه أول رئيس وزراء غير طائفي حملة ضغوط ايرانية هائلة لإزاحته، وإعادة البلاد الى مخالب المالكي و"الحشد الشعبي" و"داعش"، وبعيداً من العرب. كما لم تتضح رؤية أميركا تجاه المشهد السوري واللبناني واليمني، حيث تواصل إيران بشكل مباشر أو من خلال مليشياتها الإرهابية تفجير الأوضاع الأمنية والمعيشية والمجتمعية العربية. 
 
 
مواجهة تركيا
أمام هذه الضبابيات، يبقى الموقف الأميركي أكثر وضوحاً في ما يتصل بمواجهة حكومة أردوغان سياسياً واقتصادياً، وحتى عسكرياً، لمواجهة الغطرسة والتدخلات التركية في سوريا والعراق وشرق المتوسط وأذربيجان وليبيا والصومال وفنزويلا. ومع ذلك فإن الخطوات العملية لتحقيق ذلك لم تعلن بعد، وستواجهها إشكاليات من بينها كون أنقرة عضواً في حلف الناتو، وخشية بلدان شرق الاتحاد الاوروبي من أغراقها باللاجئين، وعجز الحكومة والشركات التركية عن تسديد قروضها للبنوك الأوروبية، وخسارة الاستثمارات الأوروبية الضخمة، وبخاصة الألمانية، في تركيا. 
 
وفي الشأن الفلسطيني، ستعيد الإدارة قنوات الاتصال مع الفلسطينيين، بما في ذلك إعادة فتح الممثلية الفلسطينية في نيويورك ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، "الاونروا"، وتلتزم بحل الدولتين ومعارضة الاستيطان. وفي الوقت نفسه ستشجع مسيرة التطبيع العربي مع تل أبيب، وتبقي السفارة الأميركية في القدس، ولا تسحب اعترافها بضم الجولان. 
 
ما زلنا في "شهر العسل" المفترض للإدارة الأميركية، وما زال أمامها قرابة مئة يوم لتثبيت أقدامها، وتحقيق الوعود الداخلية، وبلوة الرؤية الخارجية. وعلى العالم أن ينتظر ثلاثة أشهر على الأقل ليتعرف عملياً الى سياسات واشنطن في عهد رئيسها السادس والأربعين، جوزيف روبينيت بايدن الابن. وأقل من ذلك في ما يتعلق بالحروب والملفات الساخنة، من الحرب على الإرهاب الى الحرب على كورونا. 
 
 
@kbatarfi
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم