السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

وسَكَتَتْ الأقلام ! كلمات عَزاء ورَجاء في رحيل الروائي الانيق وفارس الفكر الفارِس!

فارس ساسين
فارس ساسين
A+ A-

المحامي كارول سابا

وسَكَتَتْ الأقلام، الأقلام، وتَرَجَّلت الكلمة عن حِصَانَها الأبيض، وهَوَت دون أن تَسقُط، وهَوَى الفِكرُ أرضاً ليُعطي من ذاتِه إفخارستيّاً، وليروي من لَدُنِه تُراباً وَطنيّاً عَطِشاً اليوم أكثر من أيّ يوم مَضى لفِكر القِيَم وقِيَم الفكر ..
 
تَراهُم اليومَ؛ الفكر والأدب والثقافة والتَسَلُّق نحو أعالي القِيَم والفضائٌل والرِوائيّة الفذَّة والجَماليّة غير المُتناهِية وفكر الفلسفة وفلسفة الفكر، تراهُم في حزن وحِدَاد، تراهُم يَتدافعون ويتقطَّرون في قطار وِداع أمِيرَيْن للفكر والثقافة...
 
لكن نَحنُ لسنا يَتامى الفكر والثقافة اليوم برحيل هؤلاء، لأن لنا بهم شُفعاء مُلهِمِين ومُلهَمِين ونموذجاً للتوثٌُب على خطى فكرهم وقلمهم الذي لا يَجِفّ...
 
عرفتهم بأقلامهم وبِتَوَهُّج فكرهم ولمعان كلماتهم المُضيئة، وبِكَونهم هذا "الجسر" الذي كان يَنقلني من ضِفَّة إلى ضِفَّة، شرقاً فغرباً حيناً، وغرباً فشرقاً حيناً آخر ... قوتهم كانت في هذا الفكر "الجِسريّ" الذي يَنقُل ويَربُط ويَرفَع ... لم يَتسَنَّ لي أن اقترب منهم مِثلما اقتربت من كبار عرفوه كغسان تويني الحبيب، نموذجي، الذي يَفرَح الآن لمُلاقاة الفارِس، صَديق النهار الفكريّ والأدبي، الرجل المِفصليّ، المُشير والمُستشار، المُتواضع المُلهِم المُلهَم الذي يرسم دائماً على وجهه ضحكة وابتسامة وفِكراً مُبتسِماً  ...
 
رَحَلَ بالأمس جبور دويهي الروائيّ المُمَيَّز الأنيق، رجل الروائيّة اللبنانيّة، وتَبِعَهُ فارس ساسين، اليوم، فارس الفكر، مُداعِب الثقافة ومُقارِع الفلسفة وفلسفة الكبار و... توأم "النهار" الحبيبة التي عانقها، كما نُعانقها نحن، ليس فقط كجريدة، ولكن كمَكان لزمن الفكر وفكر الزمن، وكمَربَض لخيل الثقافة، وكحَوْض تَوَثُّب الأدب السياسيّ والمُجتمعيّ والوَطني ...
 
رَحَلا سويَّة، بِصَمتٍ وهُدوء، وتَرَجَّلا دون ضجيج وصَخب، وتعانقا وتوشَّحا بِحِبْر الكلمة لمُلاقاة الكلمة، وكأنهما كانا على مَوعِدٍ سِرِّي أسراري، كما الكبار، مع سَيّد الأنوار... كيف لا! وهُما كانا على عقود طوال يُمطِران علينا من أنواره فِكراً وصوراً وكلمات ليس كالكلمات، وأدباً يُغني ويَبني فينا، تماماً كالرّحابنة وفيروز، صوراً لحبّ هذا الوطن ويَربِطان فينا محطّات لما يُسمّيه الكاتب والمفكّر الفرنسي الشهير بول ريكور السرديَّة الوطنيّة ...
 
هؤلاء ناضلوا وأتمّوا المُهمّة، وتابعوا السيرة والمسيرة، وأضاؤوا بأنوار وجماليّات تُشير إلى الكماليّات الثقافيّة والأدبيّة والسياسيّة التي تبنى عليها الأوطان... فأين هذا الزمن الرديء من نضالهم؟ وأين نحن لنَنبَري لإنقاذ ما ناضلوا وكتبوا لأجله ...
 
هكذا الكبار يَرحلون في صَمتٍ وهدوء وثبات، في زمن كَثُرَ فيه الاهتزاز، وزمن عَلَا فيه الصُراخ، صراخ الغوغائية والمَصلحيّة والتقريبيّة والاستزلام والخيانات وقتل الأوطان وصُراخ الألم لوطن يَتِمّ تفجيره من بكرة أبيه!
 
لكن يبقى أن في صَمت رحيل الكبار دائماً صَرخة مُدَوِّيّة، عَلَّ الذين يَدَّعون أنهم أحياء هنا يَذوقون شَيئاً من قِياميَّة هذا الموت، ويعيشون من جديد ويَستقيمون ويَنهضون!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم