الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

طوارق ليبيا وبراغماتيّة الضّرورة بحثاً عن السّلام

رجل من الطوارق (أ ف ب).
رجل من الطوارق (أ ف ب).
A+ A-
روعة قاسم
 
دأب الطّوارق في ليبيا، منذ اندلاع الأزمة في شهر شباط 2011، على التعامل بدهاء مع التطورات التي شهدها بلد عمر المختار من خلال متابعة سير المعارك ومراعاة موازين القوى على الساحة. ويؤكد جل العارفين بالشأن الليبي أن غاية زعماء الطوارق من هذا التموقع السياسي مع الطرف القوي في المعادلة كان من أجل حماية الجماعة التي لديها قوانينها الداخلية وأعرافها وعاداتها وطقوسها ونواميسها وحتى تاريخها.
 
ويستوطن الطوارق بالأساس وادي الحياة في إقليم فزان وعاصمته مدينة أوباري، حيث أقدم حضارات ليبيا، حضارة الجرمنت، وهي منطقة خضعت لسلطة مجلس الحكم الانتقالي منذ شهر أيلول 2011 أي قبل وقت قصير من إطاحة نظام معمر القذافي. وفي هذه المنطقة تم القبض على سيف الإسلام القذافي وهو يستعد للعبور إلى الجزء الآخر من بلاد الطوارق في شمال النيجر بعد أسابيع من مقتل والده الذي كان يحظى بدعم هذه القبائل محلياً أو في الطراف الآخر من الحدود.
 
وفي ذروة الحرب بين الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر وجماعة حكومة الوفاق الموالين لفائز السراج، توسّط طوارق أوباري مع حكومة الوفاق وحثوها على مغادرة حقل الشرارة النفطي الواقع في مناطقهم، ثم أعلنوا ولاءهم للجيش الليبي وخليفة حفتر، وذلك لتجنيب أهاليهم الاقتتال وإراقة الدماء. وسعوا قدر المستطاع الى تجنيب واحاتهم الساحرة ببحيراتها ونخيلها وكثبانها الرملية الحرق بنيران مدافع طرفي الصراع في حرب لا ناقة ولا جمل لهم فيها، وفي بلد حرمهم من عدد هام من الحقوق المدنية والسياسية.
 
وتوصل الطوارق، في إطار تجنيب أوباري الاقتتال، إلى اتفاق مع قبائل التبو سنة 2019 تضع من خلاله الأخيرة يدها على حقل افيل النفطي برغم وقوع هذا الحقل في مكان مقدس لدى الطوارق لم يكن مسموحاً للتبو ولوجه. ويؤكد جل المراقبين أن التقارب الذي حصل يومها بين الطوارق والتبو كان بغاية قطع الطريق على حكومة الوفاق في طرابلس التي كانت راغبة في وضع يدها على الحقلين النفطيين.
 
لكن الطوارق سرعان ما تراجعوا عن قرارهم ومدّوا أيديهم إلى حكومة الوفاق منذ صائفة سنة 2020 حين تأكدوا من استحالة أن يحسم الجيش بقيادة حفتر الأمور في الغرب بعدما استنجد السراج بالأتراك. وبالتالي، وفي إطار سعيهم إلى الحفاظ على مدنهم وواحاتهم وتجنيب طائفتهم الخسائر المادية والبشرية، ناصر الطوارق في أوباري طيلة السنوات الماضية القذافي ثم مجلس الحكم الانتقالي ثم خليفة حفتر وأخيراً حكومة الوفاق برئاسة السراج.
 
ولعل السؤال الذي يطرح اليوم، أمام هذه البراغماتية اللافتة لطوارق أوباري في التموقع مع الطرف القوي: أين هم اليوم الرجال الزرق في ظل التوافقات الجديدة التي حصلت برعاية الأمم المتحدة وعدد من الأطراف الخارجية الفاعلة في المشهد الليبي؟ وهل تمكنوا من نيل المكاسب لمناطقهم في بلد تعامل معه فرقاؤه مثل الكعكة، وكذلك فعل المتحكمون برقاب هؤلاء الفرقاء في الخارج؟ وهل نجحوا في نيل قرار بتضمين حقوقهم المدنية والسياسية المهدورة في الدستور القادم للدولة الليبية الناشئة؟
 
لقد منح الاتفاق الجديد للسلطة الموقتة في ليبيا خلال المرحلة الانتقالية مناصب هامة لإقليم فزان الذي تقع ضمنه منطقة وادي الحياة، معقل الطوارق الرئيسي، وهو ثالث الأقاليم الثلاثة المشكّلة لليبيا إلى جانب طرابلس وبرقة. ومن بين المناصب الهامة الممنوجة إلى إقليم فزان، وإلى جانب الممثلين في المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة، رئاسة كل من المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد، وهما منصبان سيؤثران كثيراً في عملية الانتقال الديموقراطي التي ستشهدها ليبيا.
 
وهكذا، فإن الكرة الآن في ملعب الفاعلين والمؤثرين في إقليم فزان لمنح الطوارق التمثيلية المناسبة لحجمهم في الحكم، لقطع الطريق على دعاة الانفصال من الرجال الزرق الذين يستهويهم تمرد بني جلدتهم في إقليم أزواد شمال مالي. كما تدفع الجزائر باتجاه منح الطوارق في ليبيا كل الحقوق والامتيازات والمناصب التي يستحقونها حتى لا تكون حركات التمرد الطارقية في شمال مالي قدوة لنظيرتها الجزائرية، ويصبح هناك نموذج ليبي بمثابة المثال الذي يحتذى لطوارق الجزائر وحتى بالنسبة إلى النيجر.
 
ويبدو أن السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، باعتبارها اليوم الطرف القوي، تحظى برضا الطوارق، وهو ما عبّر عنه صراحة المجلس الاجتماعي الأعلى لطوارق ليبيا الذي اعتبر الاتفاق حول رئيس الحكومة والمجلس الرئاسي إنجازاً مهماً، وأكد دعمه السلطة الجديدة. وببراغماتيتهم المعهودة أيضاً، والتي دأبوا عليها منذ اندلاع الأزمة سنة 2011، دعا الطوارق من خلال مجلسهم السلطة التنفيذية الجديدة إلى الالتفات إلى الجنوب حيث مناطقهم، وكأنهم يشرطون ضمنياً على حكام طرابلس الجدد تنمية واديهم الخلاب مقابل الدعم السياسي.
 
وهناك أسباب عديدة لهذا الدعم الذي لم يفاجئ المراقبين والمتابعين لتحالفات الطوارق منذ اندلاع الأزمة الليبية، لعل أهمها تمثيليتهم في المجلس الرئاسي من خلال نائب رئيس المجلس موسى الكوني، وكذلك بالنظر إلى أن رئيس المجلس يونس المنفي، الذي ينتمي إلى قبيلة المنفة في الشرق الليبي التي ينتمي إليها أيضاً الشهيد المقاوم للاستعمار الإيطالي عمر المختار، والنائب الآخر عبد الله اللافي، لم يتورّطا في الصراعات العسكرية الأخيرة، وهو ما جلب لهما الاحترام ودعم الرجال الزرق الراغبين في العيش بسلام في دولة خط حدودها المستعمر وضمّهم إليها، ولا مفر لهم من العمل على وحدتها.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم