الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لا تنتظروا نجاح الاعتصام أو تتساءلوا حول جدواه بل شاركوا في دعمه وأنجحوه

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
غسان صليبي
 
(الى أبناء شعبي المقهور)
اعتبر بعض الذين قرأوا مقالي عن اعتصام النواب والمنشور في "النهار" تحت عنوان "دلالات اعتصام نواب التغيير وآفاقه"، انني "أساير" النواب المعتصمين، وأبدو متفائلا "أكثر من اللازم".
هذا صحيح بعض الشيء. فبعدما نشرت مجموعة من النصوص المنتقدة لنواب التغيير، من موقع الانتماء إلى الانتفاضة، وجدت نفسي متحمساً وفرحاً للخطوة الأخيرة التي أقدموا عليها، وأحببت أن أهنئهم على ذلك، وهنا أيضاً من موقع المنتفض، وليس من موقع الباحث والمراقب الخارجي الذي لن تخلو معاينته للحدث من بعض الملاحظات النقدية.
 
نعم أحببت تشجيعهم على الاستمرار في الخطوة، التي وجدت فيها تعبيراً عن شجاعة واستعداد للمواجهة، افتقدتهما في مواقفهم السابقة. وأمام مشهد الشجاعة النادرة في ظروف لبنان القاهرة والخطرة، تكون الأولوية لتقديرها أولا ولتثبيتها ثانياً، قبل الشروع في تقدير قابليتها للنجاح.
 
أمّا التفاؤل بنجاح الاعتصام، فلا أعتقد بأن نصي يبالغ فيه، بقدر ما يحدد شروطه: اولا الدعم الشعبي الواسع من مجموعات الانتفاضة، التي ينتمي اليها النواب المعتصمون، ثانياً، تعاون الفريق "السيادي" مع خطوة النواب ومدّها بالدعم المطلوب.
 
لا، ليس ما أقدم عليه نواب التغيير بالخطوة العاديّة، حتى نقاربها بخفة، أو بمقاييس صارمة. الا نلاحظ ان مثل هذه الخطوة لم تكن ممكنة لولا وجود كتلة "نواب التغيير"، إذا ما قارنّا ما يحصل اليوم بما حصل قبل 6 سنوات عندما عطّل "حزب الله" انتخابات الرئاسة لسنتين ونصف السنة بهدف انتخاب ميشال عون رئيسًا؟ ما يحصل اليوم جديد كل الجدة ومستجد في ممارسات نواب الأمة، الذين لم يسبق أن تصدوا بحزم لانتهاك الدستور وتعطيل الديموقراطيّة. صحيح أن اسمه "اعتصام"، لكنّه في الواقع محاولة باللحم الحي، لتطبيق الدستور المنتهك وممارسة الديموقراطيّة المعطّلة، في الاطار المؤسساتي الملائم.
 
يمكننا، كما يفعل البعض، حصر تقييم الاعتصام بقدرته على إجبار نبيه بري على عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهوريّة، وفقا للدستور. لكن هذه المقاربة تغفل ان ما هو معطّل ليس انتخاب الرئيس فحسب، بل تطبيق الدستور وممارسة الديموقراطيّة.
 
والاعتصام في هذا الإطار، هو قبل كل شيء اعتراض عملي نادر على مسار قديم أدّى الى انهيار البلاد ويهدّد بضياع الكيان.
فالقضيّة الكبرى هي الدفاع عن الدستور وعن الديموقراطيّة، التي ينص عليها وينظم قواعد ممارستها. في نص بعنوان "لا تغيير بدون ديموقراطيّة، يا نواب التغيير" انتقدت لجوء بعضهم في حينه، الى التصويت بشعارات من مثل "لبنان الجديد" بدل تسمية شخص بعينه والتصويت له، كممارسة منهم للديموقراطيّة. فمع سقوط هذه الاخيرة، يسقط معها أي إمكان في إحداث تغيير في المجتمع، كما حصل في الأنظمة العربيّة وغير العربيّة المحيطة بنا، حيث أصبح على شعوب هذه الأنظمة دفع الكثير من الدماء لإحداث أي تغيير ولو بسيط، في ظل انعدام الديموقراطيّة وحكم الأنظمة العسكريّة أو الدينيّة، أو الإثنين معًا.
 
القضيّة هي بهذه الخطورة وليست فقط في ضرورة انتخاب رئيس للجمهوريّة، وأهميّة نجاح الاعتصام يجب النظر اليها من هذا المنطلق. لذلك انها مسؤوليّة جميع المواطنين الحرصاء على الحفاظ على دستورهم وديموقراطيتهم والحؤول دون السقوط في تجارب الأنظمة الاستبداديّة التي يستلهم حكمها علنا من ينتهك الدستور ويعطل الديموقراطيّة.
 
تقع المسؤوليّة في الدرجة الأولى على مجموعات الانتفاضة التي عليها دعم الاعتصام بأشكال مختلفة، بالتنسيق مع نواب التغيير، بدل الغرق في تنظيرات، تخفي في معظم الاحيان، خوفًا من المواجهة مع السلطة ومع من يحميها. كما انها تقع على الفريق "السيادي"، الذي يجب عليه التخلي عن شرط تأييد نواب التغيير لمرشحه، للمشاركة معهم بفعاليّة في الاعتصام. فلا فائدة من أي رئيس "سيادي" في ظل استمرار مسار انتهاك الدستور وتعطيل الديموقراطيّة، حتى ولو شهد هذا المسار خروقاً عابرة، من مثل انتخاب رئيس "سيادي"، لا تسمح له صلاحياته للأسف، بوقف المسار العام السابق. فالأهم هو الاستنهاض الشعبي والحزبي المتمسّك بالدستور والديموقراطيّة، لوقف هذا الزحف المتسارع نحو النظام البوليسي والاستبدادي، الذي كشف بوضوح عن انيابه، من خلال اعتقال واستجواب اهالي ضحايا المرفأ.
 
في هذا السياق، كم يبدو مستغربًا، تجاهل البطريرك الراعي، في عظته الأخيرة يوم الأحد، اعتصام نواب التغيير، في معرض كلامه عن ضرورة انتخاب رئيس للجمهوريّة.
 
تؤشر المشاركة الشعبيّة الضعيفة حتى الآن في دعم اعتصام نواب التغيير، ولو المتصاعدة يوما بعد يوم، الى أمرين: أولاً الحاجة الى استنهاض شعبي بعد الانكفاء الكبير الذي نتج من إنكسار الانتفاضة، وثانيًا الى عدم الاكتراث الشعبي الفعلي بانتخاب رئيس للجمهوريّة. الأمران يحثّان على إعطاء معنى لاعتصام النواب، يتجاوز انتخاب رئيس، الى الحفاظ على الدستور والديموقراطيّة، كضمان لديمومة الكيان، وحماية لآليات وأشكال التغيير الديموقراطي، والتي نحتاجها اليوم وغدًا، لتحسين الظروف المعيشيّة، التي تشهد تفاقما خطيرًا ومستمرا، ليس من باب المصادفة، انه يواكب انتهاك الدستور وتعطيل الديموقراطيّة.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم