الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الأمن القومي تحت رحمة فيروس كورونا

"الأمن القومي هو قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها" (تعبيرية- أ ف ب).
"الأمن القومي هو قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها" (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
الدكتور جيرار ديب*
 
عبّر البروفسور ستيف بلانك، وهو محاضر سابق في الكلية الحربية والدراسات الإستراتيجية التابعة للجيش الأميركي، عن خطر وباء كورونا على العالم. فبالنسبة إليه، يعتبر الوباء تهديداً جدّياً لصحة البشر وللأمن القومي. هل فعلاً سيغيّر هذا الوباء طريقة حماية الأمن القومي للدول، حيث لم يعد للتسلّح العسكري، التقليدي كان أم النووي، دور في حفاظ أمنها أمام هذا الوباء القاتل؟
 
شكّلت الحرب النووية، لا سيما بين المعسكرين الشرقي والغربي، أخطر تهديد في القرن العشرين. إلا أنّ انتشار فيروس كورونا، بهذا الشكل الواسع، غيّر معالم الحروب وأوضح مخاطر جديدة لم تكن منتظرة؛ إذ أصبح تهديد الأمن القومي، لا يتوقف على هجوم دولة على أخرى تحّدها، بل تعداه إلى نشر فيروس بيولوجي يعطّل الحياة العامة في مختلف مجالاتها، ويضع مصير البلاد في خطر جدي. فقد استطاعت كورونا، إعاقة حركات الملاحة الجوية، وفرملة التجارة العالمية، كما وضعت الاقتصاد العالمي في مرحلة انكماش لم يشهد العالم مثيلاً لها حتى في مرحلة الكساد الكبير عام 1929.
 
بالعودة إلى تعريف الأمن القومي، فهو قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها، من التهديدات الخارجية والداخلية. أمّا جذور هذا المصطلح، فتعود إلى القرن السابع عشر بعد معاهدة وستفاليا عام 1648 التي أنهت 30 عاماً من الحروب الدينية في أوروبا. اجتمع آنذاك مندوبون عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وممالك فرنسا وإسبانيا والسويد وهولندا وحكام الولايات الألمانية، وأقرّوا أسساً جديدةً لعلاقاتهم أهمها: الاعتراف بأحقية كل دولة بالسيادة في اتّخاذ قراراتها، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى. وضعت هذه المعاهدة الديبلوماسية التاريخية، أسس العلاقات التي تضمن الأمن الجماعي لأوروبا. 
 
لكنّ مصطلح الأمن القومي ظهر للمرة الأولى بعدها بقرون، حين أدخلته أميركا بمعجمها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، وأفردت له منصب مستشار الأمن القومي الذي تعادل أهميته حقيبتيّ الخارجية والدفاع ويعني تعزيز القوات العسكرية والأجهرة الأمنية، وتأمين الحصول على قدرات الدفاع والردع والتفوق. ولاحقاً بعد دخول العالم عصر العولمة، حدثت تحولات بمفهوم الأمن، فلم تعد القوة ترتبط بالعامل العسكري، بل تعدته إلى السياسة والتكنولوجيا والتعليم والنمو الإقتصادي والمعلومات. على سبيل المثال، التوتر السياسي القائم بين مصر وإثيوبيا، على خلفية إقامة الأخيرة مشروع سد النهضة على النيل، الذي تعتمد عليه زراعة مصر وحياة سكانها، وأي نقص في حصتها من مياهه سيؤثر في اقتصادها، وهو تهديد لأمنها القومي.
 
ومن أشكال تهديد الأمن القومي بعيداً من العسكر، هناك الصراع التكنولوجي القائم بين الصين وأوستراليا. إذ تعتبر أوستراليا أنّ الشركات الصينية المستثمرة في البلاد تهدف لزعزعة أمنها القومي، بسبب التجسس من خلال التطبيقات الصينية على الهواتف الخليوية. لذا، وبعد أشهر من التعتيم، أصدرت السفارة الصينية في تشرين الثاني (نوفمبر) قائمة تضم 14 شكوى تجاه قرارات أوسترالية برفض الإستثمار الصيني لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
 
اتخذت الحروب أشكالاً متعددة ومختلفة، إذ لم تعد الحرب التقليدية الوحيدة المهدّدة لأمن الدول القومي. واليوم أثبت فيروس كورونا أنّ الخطر القادم على الدول، هو من المختبرات، أي الحرب البيولوجية، التي قد تقضي على حياة الإنسان في ثوان. لقد ذكرت قناة ABC، في أحد تقاريرها التي نشرتها في 1-11-2021، أنه في كل ثانية يموت شخص في أميركا بفيروس كورونا، وفي كل دقيقة يصاب 163 أميركياً بالفيروس.
 
هذا إن دلّ على شيء، فعلى هشاشة القطاع الصحي في الولايات المتحدة التي اعتُبرت من الدول الأولى في عدد إصابات ووفيات كورونا في العالم، الأمر الذي هدّد أمنها القومي، كما لو كانت الصين أقدمت على ضربها بقنبلة نووية، لا بل أكثر. إذ إنّ الولايات المتحدة الأميركية في زمن الحرب الباردة، عمدت إلى اعتماد هندسة مدنية، لحماية سكانها من أي ضربة نووية محتملة. لكن في المقابل، لم تتحضّر أميركا فعلياً لحربٍ بيولوجيةٍ، تضع جدياً أمنها القومي في انهيار حقيقي، ما رسم سيناريو نهاية الإمبراطورية الأميركية بضربة فيروس.
 
إذاً، لماذا يعتبر وباء كورونا تهديداً للأمن القومي؟ وهل فعلاً استطاع هذا الوباء إعادة خلط أوراق حماية الأمن القومي القائمة عليها الدول كما في السابق؟
 
وباء كورونا جعل الدول تغلق مطاراتها أمام حركة الملاحة الجوية. فالإغلاق ما هو إلا محاولة لحماية صحة المواطنين التي هي جزء من الأمن القومي للمجتمع، وانتشار الوباء لا يختلف عن التهديدات الأمنية الأخرى، مثل التجسس والحروب السيبرانية التي حصلت على الولايات المتحدة مؤخراً. فكل شيء في العالم تأثر، من السياحة إلى التعليم إلى التجارة وحتى إلى المواصلات. إنّ الإغلاق هو سياسة حمائية للأمن القومي، حتى لو تسبب بخسائر فادحة، وصلت بحسب دراسة لجامعة سيدني نشرت في تموز (يوليو) 2020 إلى 3.8 تريليونات دولار عالمياً. من أجل هذا يتوقع الخبير الأمني الأميركي في معهد "هادسون"، مايكل بريجنت، الذي قارن بين خطر الحرب النووية وكورونا، اختلاف عوامل الأمن القومي في عالم ما بعد كورونا وصعود دعم البحث العلمي للوقاية من الأوبئة إلى قمّة المطالب الأمنية بدل العسكرية.
 
على ما يبدو، وبعد الاستيقاظ من أزمة كورونا، سيبدأ العالم السعي جدياً لتطوير المختبرات، وستعمد الدول حتماً لرفع نسبة ميزانياتها على الأبحاث البيولوجية، بعد أن كانت حصراً على التسلح العسكري. وبالطبع سيشهد العالم سباقاً مخبرياً بدل السباق العسكري الذي نشط قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية. وإنّ ما يحصل لدى الشركات المنتجة للقاح كورونا عبر الدول المتطورة، خير مثال.
 
 
*أستاذ جامعي ومحلّل سياسي
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم