الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الجماعات الإسلامية تعرقل إجراء الانتخابات الليبية

المصدر: "النهار"
مقاتل من المجلس الوطني الانتقالي فوق أنقاض جدران مجمع باب العزيزية حيث سكن الزعيم معمر القذافي في طرابلس (أ ف ب).
مقاتل من المجلس الوطني الانتقالي فوق أنقاض جدران مجمع باب العزيزية حيث سكن الزعيم معمر القذافي في طرابلس (أ ف ب).
A+ A-
مهى سمارة
 
تشخص أنظار الليبيين إلى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 كانون الأول 2021 ذكرى إعلان توحيد البلاد في العام 1951، أي قبل 70 سنة.
 
وتشكّل هذه الانتخابات نقطة مفصليّة في حياة الدولة المستعادة بعد عشر سنوات من الاضطرابات والتوترات والتدخلات الخارجية والاحتلالات، التي طويت نظريّاً بينما شراراتها لا تزال تشتعل واقعياً بين حينٍ وآخر.

تحرّكات جماعات الإخوان المسلمين في طرابلس ومصراته والزنتان مؤخّراً، بعد نشوب معارك في الساحات والطرقات، تستهدف بالدرجة الأولى ضرب هذه الانتخابات وتأجيلها خوفاً من الهزيمة وإمكانية خروجهم من المشهد السياسيّ وخسارة النفوذ والمنافع التي جنوها خلال سنين الفوضى والفلتان.
 
ليبيا برغم التسوية السياسية التي أقرّت في مطلع العام، والتي أشرفت عليها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، لم تعرف الهدوء والاستقرار، برغم انتخاب مجلس رئاسيّ وحكومة وطنية تمثّل الأقاليم الثلاثة برقة وطرابلس وفزان. ولا يزال القلق يسود والغموض يلفّ المستقبل.

في الاتفاقات العديدة التي رعتها الأمم المتحدة، وأيّدتها القوى الدوليّة والإقليمية، خصوصاً مصر وتونس وفرنسا، تقرّر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 كانون 2021. اختيار الموعد رمزيّاً يُصادف إعلان الملك إدريس السنوسي توحيد البلاد ولمّ شمل الأقاليم الثلاثة في دولة واحدة سيّدة ومستقرّة.

اعتبر تاريخ 24 كانون المقبل يوماً مفصليّاً في حياة الجمهورية الليبية، إلا أنّه بعد ستة أشهر من إسكات المدافع وانطلاق التسوية السياسية يتبيّن أنّ الخلافات أعمق ممّا تصوّر مهندسو الحلّ، والغموض يلفّ الموعد لإمكانية إجراء الانتخابات أوّلاً.

وجوهر الخلاف ينحصر بين مدرستين في التفكير؛ فئة من الليبيين تصرّ على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدّد، وفئة أخرى تطالب بإجراء استفتاء على الدستورالجديد قبل موعد الانتخابات؛ الأمر الذي يثير الشكوك في نيّة هؤلاء المطالبين إن كانوا حقّاً يريدون إجراء الانتخابات أم لا.

الأمم المتحدة تصرّ على الموعد وتنفيذ الاتفاقات ومخرجات لجنة المصالحة والحوار، التي عقدت اجتماعاتها في جنيف، بحضور ممثلين عن الأقاليم والجهات والقبائل كافة. ويساعد الأمم المتحدة في مساعيها المبعوث الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، الذي يقوم بجهود حثيثة لإقناع أعضاء الحكومة وشخصيات أخرى مؤثّرة بضرورة التقيّد بالموعد وإجراء الانتخابات.

في هذه الأثناء، انتهت الهيئة التأسيسيّة من وضع الدستور، ونال موافقة لجنة الصياغة بأغلبية ثلثي الأعضاء. الظروف الأمنية التي حدثت في الشهرين الأخيرين في غرب ليبيا، والمناوشات التي جرت بين الجماعات الإسلامية، لا تشجّع على عرض الدستور على الاستفتاء للموافقة أو الرفض.

من جهته، قام رئيس المجلس الرئاسي السفير محمد المنفي بزيارة إلى مقرّ مفوضيّة الانتخابات، وهنّأ رئيسها والأعضاء على العمل الذي قاموا به والإنجاز الذي حقّقوه من أجل تنفيذ الانتخابات في موعدها المقرّر.

وعلى ما يبدو، هناك فئات تساير التيار الإسلامي، وتؤيّد عدم إجراء الانتخابات، خدمة لمصالحهم، لأنّهم يستفيدون من الوضع الراهن ويؤيدون إطالة المرحلة الانتقالية قدر المستطاع حتى الوصول إلى الوضع الدائم ومرحلة الاستقرار المنشودة.

إن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وعرقلة عمل الحكومة، يُبقي الأمور التي سادت خلال الحرب العشرية قائمة ولو بسلم مقنّع؛ وهؤلاء يقترحون إجراء الاستفتاء في 24 كانون المقبل على أن تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لاحقاً بعد شهرين أو ثلاثة.

مسوّدة الدستور المعروضة على المواطنين مثيرة للجدل بسبب احتوائها على بنود لا تحظى بقبول شعبي، وعرضها قد يفرض إعادتها إلى الهيئة التأسيسيّة للتعديل والتغيير. ويتردّد أن مجموعات من الطوارق والثبو والمازيق، الذين يشكّلون 15% من سكّان ليبيا، أبدوا تحفّظات واعتراضات، لأن تمثيلهم لم يؤخذ بعين الاعتبار، واحترام خصوصيتهم الثقافية والأمنية لم تراعَ، مذكّرين بالإجحاف الذي لحقهم في دستور 2017.

إثارة هذه المشاكل المتنوّعة والمقصودة الأهداف يعني إبقاء الكرة تتدحرج، ممّا يؤدّي إلى تأجيل الانتخابات. هناك مشكلة تُثار حول كيفية اختيار رئيس البلاد. هل سيكون بالتصويت الشعبيّ المباشر أو اختياراً من قبل النواب في البرلمان؟ في هذا الصدد، يقترح البعض إجراء انتخابات برلمانية وإبقاء المجلس الرئاسي الحالي كما هو على أن تجري الانتخابات الرئاسية لاحقاً في ما بعد.

أمام هذه المطالب والعراقيل عقدت لجنة المصالحة والحوار اجتماعاً مؤخّراً، وفشلت في التوصل إلى قرار، نظراً إلى التباين في الآراء؛ كلّ لأسبابه الخاصّة!

وإزاء اللغط والتهديدات بالنزول إلى الشارع لفرض إجراء الانتخابات في موعدها وحق الشعب في انتخاب رئيسه وقّع 52 نائباً و91 عضواً في مجلس السلطة إجراء الانتخابات في موعدها وانتخاب رئيس مباشرة من الشعب والموافقة على الدستور الجديد لدورة برلمانية واحدة.

ليبيا على ما يبدو غير موحّدة للقرار. الانقسامات والولاءات موزّعة ومتباعدة بين الشرق والغرب والجنوب. الطريق الساحلي الذي يصل الشرق بالغرب لا يزال مقفلاً، وعلى جانبيه يحتشد مقاتلون ليبيون ومرتزقة سوريون وتشاديون وسودانيون وروس في حالة الاستعداد.
 
ويُمكن القول إنه في خلال قرن لم تهدأ ليبيا بعد. موقعها الجغرافي وثرواتها النفطية والغازية تجعلها قبلة التدخلات الخارجية من إقليميّة ودوليّة. خاضت حروب وصراعات ضد الاستعمار العثماني والإيطالي والبريطاني، وعرفت قلاقل واضطرابات جهويّة وقبليّة وإثنيّة في عهد ملك طيّب وضعيف وانقلاباً قاده ضابط متحمّس ومجنون، وأخيراً انتفاضة شعبيّة في ما عرف بالربيع العربي، تحوّلت إلى حرب أهليّة دامت عشر سنوات. للأسف، المعاناة مستمرّة والخلافات مستعرة!

في العام 1922، انتصرت الفاشية في إيطاليا، فألغت اتّفاقاً سابقاً مع الإمارة في ليبيا، واحتلّت البلاد كلها. وعندما تلاقت المصالح بين الحاكم ولندن، تلقّى دعماً لمواجهة الاحتلال الإيطالي خلال اندلاع الحرب العالمية الثانية، عندما اندحرت الفاشية وقتل موسوليني. نجاح الحلفاء في العام 1945 أدّى إلى سيطرة بريطانيا، التي حوّلت ليبيا إلى مستعمرة، وتاليا وقّع اتفاق الاستقلال في نهاية 1951 وأقيم النظام الملكي.

صادف استقلال ليبيا تبدّل أحوال جغرافيّة كبيرة في المنطقة، وانتشار موضة الانقلابات العسكرية التي شهدتها سوريا والعراق.. ظنّ الملك إدريس أن جيرانه الكبار سيقفون إلى جوار مملكته الضعيفة ويساعدوه.   

ورث الملك بلداً جائعاً وبلا اقتصاد، وبلغ التدهور المعيشي مبلغاً. زار مصر بعد اندلاع ثورة الضبّاط الأحرار في 1953، والتقى قيادة الثورة محمد نجيب وجمال عبد الناصر. طلب مساعدة مالية بمليون جنيه لتسيير أمور المملكة الوليدة. رفض طلبه، وخاب أمله. شعر من وقتها أنّ العسكر لا يُضمرون لحكمه الخير، وأن نظامه الملكيّ في خطر. اكتفى بالشعور بالإحباط، ولم يتدارك المؤامرة، وبان ضعفه، ما أدّى إلى تشكيل 11 حكومة خلال 18 عاماً حتّى وصف بملك الاستقالات.

عدّة مرات بادر السنوسي إلى التخلّي عن الحكم والاستقالة هرباً من أزمات سياسية ومعيشية احتاجت إلى ملك شجاع ذو شكيمة وإرادة قوية. مضى ملكاً حتى سقط حكمه في أيلول 1969 برغم بزوغ فجر النفط والثروة في 1961. مرتين، حاول السنوسي تحويل النظام الليبي إلى جمهورية في 1955 و1965 لتعذرإنجابه وريثاً وموت شقيقه ولي العهد. تراجع عن فكرة إعلان الجمهورية بضغط من إقليم برقة، شرق ليبيا، الذي خشي الذوبان في الغرب ممثلة بطرابلس؛ وهذا المزاج القلق مستمرّ إلى يومنا هذا إذ لا يزال الصراع على أشدّه بين الشرق والغرب.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم