الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أوراق لبنان الرابحة...

جيرار ديب
جيرار ديب
تعبيرية (تصوير نبيل إسماعيل).
تعبيرية (تصوير نبيل إسماعيل).
A+ A-
اتّهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، المسؤولين السياسيين بـ"عدم تقديم المساعدة" إلى بلدهم الذي يواجه خطر "الإنهيار"، في وقت يعاني لبنان من أزمات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، حسبما أوردت "وكالة الصحافة الفرنسية". وقال للصحافيين: "قد أميل إلى القول إنّ المسؤولين السياسيين اللبنانيين لا يساعدون بلداً يواجه أخطاراً، جميعهم أياً كانوا"، مستنكراً تقاعس الطبقة السياسية عن التصدي لخطر انهيار البلد.

لا تلتقي تصريحات لودريان مع مصادر قصر الإليزيه، حيث يؤكّد مسؤولوه استمرار الدعم لإنجاح المبادرة الإنقاذية التي وضعها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في زيارته إلى لبنان بعد كارثة المرفأ في 4 آب (أغسطس) 2020. يدرك الفرنسي جيداً أنه ليس في وارد التخلي عن مبادرته، وقد تكون تصريحات الوزير لودريان، من باب التهويل على المسؤولين، كي يحضّهم على تسريع الخطى نحو تقديم التنازلات لأجل لبنان.

لم يمضِ أشهر على تصريح لودريان الشهير، الذي شبّه فيه غرق لبنان بسفينة التايتانيك التي غرقت في كارثة بحرية عام 1912، وأغرقت معها من كان على متنها، حتى أرفقه بهذا التصريح حول الانهيار الكبير والمؤكّد. لكن ما فات لودريان أنّ الضبابية التي كانت مسيطرة على الجوّ في ذلك الزمان، والتي حجبت رؤية القبطان، وأدّت إلى اصطدام التايتانيك في الجبل الجليدي ووقوع الكارثة، تغيّرت اليوم فوق لبنان والمنطقة؛ فالطقس لم يعد ضبابياً، خصوصاً في الموقف الأميركي الذي أعلن اعتماد الدبلوماسية القصوى في قضايا المنطقة.

الضبابية التي كانت تسيطر على الأجواء اللبنانية عندما أطلق لودريان تصريحه الأول، انجلت اليوم. فالجوّ العام، الداخلي والدولي، يشهد بعض الانفراجات، ما سيسمح بانقشاع الرؤية أمام المسؤولين للّعب في الأوراق الرابحة من أجل إنقاذ لبنان. لذا، قد تجري الرياح بما لا تشتهيه تصريحات لودريان حول الانهيار السريع للبنان.

أوراق لبنان الداعمة لاستقراره لم تسقط جميعها، رغم عقوبات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. فالرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، يسعى لفرض سياسة الاحتواء في المنطقة، وتحديداً في لبنان، بعد أن كانت سياسة التطويق عنوان الإدارة السابقة، من خلال منع المؤسسات الدولية، لا سيما البنك الدولي، من تقديم القروض الميسّرة للحكومة اللبنانية. فإقرار مجلس النواب اللبناني في هيئته العامة اتفاق القرض المقدم من البنك الدولي لدعم الأسر الفقيرة، إضافة الى القرض السابق الممنوح للدولة اللبنانية من قبل البنك الدولي لشراء اللقاحات المعتمدة لمكافحة جائحة كورونا، دلائل واضحة على عدم إسقاط ورقة الدعم الدولي للبنان من قبل المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي.

ورقة النزوح السوري لم تسقط أيضاً، فملايين النازحين على أرض لبنان تؤرق المجتمع الأوروبي. ففي خطوة هي الأولى من نوعها في أوروبا، أقدمت السلطات الدنماركية على سحب تصاريح الإقامة من 94 لاجئاً سورياً، تمهيداً لإعادتهم إلى بلادهم. وجاء ذلك بعد اعتبار السلطات لمناطق في سوريا، من ضمنها ريف دمشق (الذي يضم العاصمة السورية)، مناطق آمنة. فورقة النازحين السوريين، تشكل هاجساً عند الاتحاد الأوروبي، الذي يتخوّف من موجة جديدة من الهجرات الشرعية وغير الشرعية إلى بلاده، في حال تدهور الوضعين الأمني والاجتماعي في لبنان.

قد تكون ورقة اللاعب الروسي سقطت سهواً من حسابات لودريان؛ فالإندفاع الروسي تجاه حلحلة أزمة لبنان في تشكيل حكومة إنقاذية، تجلّى في تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، للرئيس المكلف سعد الحريري، والتي دعا فيها إلى التسريع في عملية التشكيل، من دون التوقف عند شكل الحكومة ووزرائها. فالروسي يدرك جيداً أنّ لبنان هو الخاصرة الرخوة لسوريا، وما أنجزه الجيش الروسي في سوريا، لن يسمح بزعزعته من الشمال اللبناني، بعد تكرار التوقعات بعودة "داعش" وأنشطتها في المنطقة. فالاستقرار في لبنان، بالنسبة إلى القيادة الروسية، هو ضمانة الوجود الروسي ومصالحه الاستراتيجية في المنطقة. وربما قد تكون لروسيا مصالح جديدة في لبنان، بعدما شعرت بالفراغ الذي خلّفته السياسة الأميركية في المنطقة وفي لبنان تحديداً.

إضافةً إلى الأوراق الخارجية التي لن يسقطها المجتمع الدولي، والتي لن يقبل الفرنسي بخسارتها، لا سيما أنّ للبنان مكانة مهمة في سياسته الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، فقد دعم الفرنسي مبادرة اللواء عباس ابراهيم. هذه المبادرة التي لا تحمل في طياتها لا ثلثاً معطلاً، ولا أسماء لوزراء قد تكون تسميتهم استفزازية لطرف من الأطراف. فتشكيل الحكومة قد يكون قاب قوسين مع التغييرات المستجدة على الساحة اليمنية، التي تشهد تصعيداً عسكرياً وصولاً إلى الحلّ الدبلوماسي، والذي سينعكس إيجاباً على الورقة اللبنانية، من خلال فرض الهدنة بين السعودية وإيران، الأمر الذي سيؤدي إلى تليين الموقف السعودي حول تمثيل "حزب الله" في الحكومة، ما قد يسرّع تشيكل الحكومة.

أخيراً، لن يصطدم لبنان بجبل الأزمات ويغرق كما سفينة التايتانيك، ولن ينهار بتقاعس مسؤوليه، بل لا يزال أمامه العديد من الأوراق الرابحة، التي على ما يبدو ستكون المراهنة عليها لإخراجه من عنق زجاجة أزماته. فاستمرار وجود لبنان ومنعه من السقوط، مطلب فرنسي ودولي، وعربي أيضاً، إذ سيستفيد الجميع من عودة الدبلوماسية الأميركية إلى المنطقة لتسجيل النقاط، فضلاً عن كونه مطلباً داخلياً، قد يكون على قاعدة تدوير الزوايا، في موضوع التحقيق الجنائي وغيره من الملفات.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم