الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

خدعوك فقالوا..!؟

المصدر: "النهار"
النكبة الفلسطينية.
النكبة الفلسطينية.
A+ A-
 
رويد بو ناصر الدين
 
علّمتني الحياةُ أنّ كثيراً من الحقائقِ لا تحتاج إلى براهين، فالواقع الحاليّ الذي وصلنا إليه في وطننا لبنان كشف لي حقيقةً واقعيةً جارحة وصادقة، كنت أودُّ لو أدركني الموت قبل اكتشافها.

لقد عشتُ كباقي أبناء جيلي، في وهم كذبةٍ كبيرةٍ، فكان قدري أن أولدَ في عام ٍ يسمّى عامَ النكسة. وكم ظلمتُ نفسي باعتقادي أنّ قدومي إلى هذه الدنيا لم يكن فأل خير على أمّتنا العربية، ولكن الحقيقة كانت أكبر من تفكيري البسيط، فلم أكن أنا المسؤول عمّا حصَل، بل على العكس كان حظّي هو السيّئ بأن ولدت في عالمٍ عربي مشرذم ومهزوم منذ زمنٍ بعيدٍ وما زال.

في بداية سنوات المراهقة التي لم نعشها، طُلِبَ منّا أن نُمزِّقَ صورة الرئيس أنور السادات، وأن نحملَ لافتاتٍ كُتِبَ عليها أبشع العبارات ضدّ الجمهورية العربية المصرية. أوهمونا بأنّ الرئيس السادات خائن للأمّة ولفلسطين وللعروبة. بدأت رحلة الأوهام وبدأت الكِذبةُ تكبر في أفكارنا، حتى أصبحنا نرى بعضَ إخوتنا الذين تربّوا مَعَنا أعداءً لنا، وهم أيضاً دخلوا في اللعبةِ القذرة.

بعد فترةٍ وجيزة بدأ يتجدد الفصل الأول الذي كنّا قد دخلناه، وبدأت الحرب الأهلية تستعر من جديد، فاقتتلنا في ما بيننا ودمّرنا وطننا ومستقبلنا وخسرنا كُلَّ شيء. ولم نعرف لماذا بدأت الحرب، كما لم نعرف كيف انتهت! واكتشفنا في ما بعد أننا ضحيّة كذبةٍ كبيرة، وما نحن سوى أحجار الشطرنج بين أصابعِ اللاعبينَ الدوليين الكبار في لعبةِ الأممْ.

يا للأسف، لقد اكتشفنا جزءاً بسيطاً من الحقيقةِ الكبرى، ولكن اكتشافنا لها جاء متأخراً جداً؛ كمن يكتشف مرض السرطان بعدَ انتشاره في الجسد كلّه، والمريض في آخر أيّام حياته.

نعم إنها كذبة كبرى ووهم كبير، ومسرحية بدأت منذُ عام 1947 ولم تنته. بدأ فصلها الأول بمشهد النكبة وفصلها الثاني بمشهد النكسة، وبعدها بدأت المشاهد الدرامية تتوالى، وبدأت مشاهد الاغتيالات التي طاولت جميع الذين اكتشفوا اللعبة ورفضوها، من المفكرين والأدباء والصحافيين، إلى الزعماء والقادة. ولو عرضنا أسماء كلّ الشهداء دون استثناء ولأيّ فئة كانوا ينتمون، لوجدنا أنّ القاسم المشترك في سبب اغتيالهم وإبعادهم عن خريطة الطريق، كان اكتشافهم الحقيقة وفضحهم الكذبة الكبرى.

أما اليوم وقد دخلنا الفصل الأخير من المسرحية وبدأت بعض الحقائق تنكشف للمشاهد المضلّل المسكين، نرى أعمال المقاومة والعمليات الفدائية والدماء البريئة التي سالت ذهبت سدى، بل صبّت في مصلحة الذي سموه يوماً ما العدوّ. وها هو العدوّ يخرج منتصراً قوياً يقيم علاقات اجتماعية واقتصادية مَعَ دول، كانت مستحيلةً لديه. وتحققَ له هذا الأمر بفضل الذين خوّنوا الرئيس أنور السادات، وساهموا بقصد أو عن غير قصد في تحقيق أهداف هذا العدوّ ودعمه والحفاظ عليه. ومع هذا لم يتوجّه العدوّ بشكر هؤلاء، لأنهم عنده ليسوا سوى ممثلين على خشبة المسرح، ويلعبون تماماً الدور الموكل إليهم مقابل أجر مدفوع.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم