الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

جدوى التعميم 161 وحقوق المودعين

مصرف لبنان (أرشيفية).
مصرف لبنان (أرشيفية).
A+ A-
الدكتور أيمن عمر/ أكاديمي وباحث اقتصادي
 
أصدر مصرف لبنان الخميس 16 كانون الأول تعميماً يحمل الرقم 161، وينصّ على دفع المصارف لعملائها السحوبات النقدية التي يحق لهم سحبها سواء بالليرة أو بالدولار، وفق الحدود المعتمدة لدى كل مصرف، على أن تكون بالفريش دولار وفق سعر الصرف على منصّة صيرفة في اليوم السابق للسحب، ويُعمل بهذ التعميم حتى نهاية السنة الحالية. وقد أوضح حاكم مصرف لبنان التعميم خلال حلقة حوارية تلفزيونية، حيث قال إن الهدف من التعميم هو جعل سعر صرف الدولار في السوق الموازية تحت السيطرة عبر سحب الليرات من السوق وضخّ الدولارات بالمقابل. وأكد أن التعميم سينطبق على موظفي القطاع العام بالحصول على قبضهم بالدولار، والهدف من ذلك تهدئة أسواق القطع وكذلك المحافظة على القدرة الشرائية للموظفين.
 
 
حالة تخبّط
تظهر في الآونة الأخيرة حالة التخبّط التي تعاني منها السلطات النقدية في مقاربتها لموضوع المودعين وكيفية حصولهم على ودائعهم، وذلك من خلال كثرة التعاميم (151 و158) التي ترتبط بها. ولكن يبدو أن التعميم الأخير جاء نتيجة الاجتماع المالي الأخير في 12 كانون الأول الذي ضمّ رئيس الحكومة وكلاً من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان عقب التفلت الهستيري للدولار. ولكن هل لهذا التعميم ومفاعيله القدرة على السيطرة على سعر الصرف كما يدّعي الحاكم؟ إن النقد المتداول بالليرة خارج مصرف لبنان يراوح شهرياً ما بين 1.5 تريليون (ألف و500 مليار) و2 تريليون تقريباً في الفترة الأخيرة، فإذا سلّمنا جدلاً بأنه يجري تداوله جميعه عبر المصارف، وهي التي يهدف مصرف لبنان إلى تقييدها وتحويلها إلى دولار، وإذا أخذنا الحد الأدنى لهذه السيولة النقدية فهي تساوي وفق سعر المنصة 22500 حوالي 66 مليون دولار. وإذ تشير التقديرات إلى أن حاجة السوق اليومية إلى الدولار تراوح بين 25-30 مليون دولار (20 مليوناً على منصّة صيرفة والباقي في السوق الموازية) أي بمتوسط شهري 750 مليون دولار، وبذلك كيف لمبلغ 66 مليون ولا يشكّل أكثر من 8.8% من حاجة السوق الشهرية، أن يلجم سعر الصرف؟ الحاكم بنفسه قال في نفس الحلقة التلفزيونية: "إنه ليس الحل للأزمة اللبنانية"، وبالتالي هو إبرة بنج لفترة مؤقتة لن تمنع الاستمرار في تدهور سعر الصرف ما لم توضع معالجات جذرية للأزمة كلاً.
 
 
هل يحافظ هذا التعميم على القدرة الشرائية؟
ربط الحاكم التعميم بالحفاظ على القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام الذين يبلغ عددهم حوالي 320 ألف موظف وتبلغ كلفة رواتبهم بحسب الموازنة 5.069 آلاف مليار ليرة سنوياً بمتوسط شهري 422.433 ملياراً (وهي تشكل 0.92% من أصل حجم الكتلة النقدية البالغة 45559 ملياراً) بما يوازي 19 مليون دولار على أساس سعر منصّة صيرفة 22000. وعلى أساسه، الموظف الذي يبلغ راتبه مثلاً 2.2 مليون سيحصل على راتب قدره مئة دولار أميركي، بعد أن كان هذا الراتب يساوي 1470 دولاراً تقريباً، وانخفضت قدرته الشرائية لأكثر من 92% بفعل تدهور سعر الصرف. يضاف إلى ذلك ‒ وهنا يبرز دهاء الحاكم ‒ أن معظم الموظفين، إن لم نقل جميعهم، سوف يحصلون على الدولارات وفق سعر منصّة صيرفة ثم يبيعونها في السوق الموازية وفق سعر صرف أعلى والحصول على فارق السعرين، وبالتالي ما دفعه باليد اليمنى سيسترجعه باليد اليسرى.
 
وفي ظلّ صعوبة القيام بإصلاحات جذرية حالياً لاعتبارات عديدة وغياب القدرة على تحسين القدرة الشرائية للمداخيل، فالأولى تأمين ما التزم به المسؤولون تجاه موظفي القطاع العام من تقديمات وتوفير الفريش دولار لهم بالحد الأدنى 100 دولار التي لن تكلف المالية سوى 32 مليون دولار ولكنها تحقق الهدف الذي نادى به الحاكم نفسه، مع الإشارة إلى أن هناك جهات مانحة دولية ستوفر جزءاً من التمويل بالفريش دولار، بالإضافة إلى أن هذه العملية ستزيد من عرض الدولارات في السوق وتؤدّي إلى ضبطه ولو مؤقتاً. والسؤال الذي يحتاج إلى توضيح أيضاً: ماذا عن موظفي القطاع الخاص؟
 
 
تحقيق مفاعيل الإنتربنك
من الإجراءات التي تتبعها المصارف عند نهاية كل سنة الاقتراض بعضها من بعض لسدّ حاجاتها من السيولة وكذلك لغايات محاسبية مع التحضير لميزانياتها نهاية العام، حيث يحصل الاقتراض وفق ما يُعرف بفائدة الإنتربنك (Interbank Rate) التي وصلت في عام 2018 إلى 75%. وفي ظلّ الصعوبات المالية التي يتعرّض لها القطاع المصرفي برمّته، أخشى أن يكون من ضمن أهداف هذا التعميم توفير بعض السيولة الدولارية للمصارف في ظلّ صعوبة اللجوء إلى الإنتربنك.
 
 
الحلّ بإعادة ودائع صغار المودعين
إن جميع الأهداف التي يسعى الحاكم إلى تحقيقها عبر التعميم كما يدّعي، تتحقق مفاعيلها عبر إجراء واحد لا غير وهو إعادة الودائع كما هي إلى أصحابها وخاصة صغار المودعين، وهو أمر ممكن التنفيذ، ولا تنفع هنا حجة عدم المساس بالاحتياطي الإلزامي لأنه في الأساس مكوّن من أموال المودعين وحقوقهم.
 
ويبقى السؤال الأساسي المطروح: من أين سيؤمن الأموال اللازمة للتعميم؟ وهنا نحن أمام خيارين: إما شراء مصرف لبنان الدولار من السوق الموازية، أو المسّ بالاحتياطي الإلزامي. الأول يؤدّي إلى زيادة الطلب على الدولار ورفع سعر صرفه، والثاني يؤدّي إلى أكل حقوق المودعين ومناقضة مصرف لبنان لنفسه بعدم جواز المسّ بالاحتياطي الإلزامي، إلّا إن كان لمصرف لبنان موارد دولارية لا يُصرّح عنها، وهذا يجعله في موضع الشك والريبة. والإشكالية الثانية وهي قصر المدّة الزمنية لتنفيذ التعميم حيث تقتصر على نهاية الشهر الحالي فقط، ونحن على أبواب أعياد ونهاية السنة المالية وإقفال المصارف لأبوابها وبالتالي صعوبة تطبيقه، مع أن الحاكم صرّح بأن المهلة ستُمدّد. وفي حال تمديد المهلة هناك غموض يطال آليّات تنفيذه، بالإضافة إلى الاستنسابية التي قد تتبعها المصارف في تطبيقه، والتجارب التاريخية في التعاميم الأخرى خير دليل.
 
بناءً على ما سبق، يتّضح ضعف الجدوى من هذا التعميم، وهو يعكس غياب الرؤية الواضحة والخطة لمعالجة انهيار الليرة. هذا التعميم الذي وُلد طرحاً عقب الاجتماع مع رئيس الحكومة، يبدو أنّ وراء الأكمة ما وراءها لولادته، أو هي عملية شراء وقت والرهان لحين حدوث المعالجات الكبرى.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم