الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية... أي تأثير للدعاية الرقمية على النتائج؟

المصدر: "النهار العربي"
بايدن في خلفية الصورة خلال حفل انتخابي لترامب (أ ف ب).
بايدن في خلفية الصورة خلال حفل انتخابي لترامب (أ ف ب).
A+ A-
نايلة صليبي
 
تظهر اليوم نتائج استطلاعات الرأي أن دونالد ترامب خاسر حتماً، بسبب تعامله المثير للجدل مع جائحة كورونا المستجد. لكن تبقى هذه الاستطلاعات غير أكيدة، إذ يجب التذكير بأنه في عام 2016، كانت استطلاعات الرأي تمنح الفوز المطلق للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، خصوصاً أنها كانت تحظى حينها بدعم كبير من غالبية وسائل الإعلام الرئيسية. والمفاجأة كانت فوز دونالد ترامب؛ ولا يمكن اليوم أن تؤكد الأرقام فشله في الفوز في انتخابات ثانية.

السبب الرئيسي في غموض التوقعات: تأثير المنصات الاجتماعية وخدمات الإنترنت على الناخبين، بخاصة على الناخبين الوسط الذين ليس لديهم قناعات سياسية مترسخة. وقد بات معروفاً للجميع أن شبكة الإنترنت والمنصات الاجتماعية هي اليوم المصدر الرئيسي للمعلومات في الولايات المتحدة.

وكتبت صليبي في "النهار العربي": دونالد ترامب أسلوب حكم رئاسي غير مسبوق

في ظل جائحة كورونا وتسييسها من قبل ترامب، وبعد إصابته بالفيروس، يحتدم النقاش في الولايات المتحدة حول سياسات الرئيس دونالد ترامب ونزاهته، وحتى سلامة عقله. ولكن لا أحد يشكك في أن ترامب، من خلال فوزه المفاجئ في الانتخابات عام 2016 ونهجه غير المسبوق في الحكم، قد أعاد تعريف التواصل السياسي.

لقد شهدنا مع رئاسة دونالد ترامب بروز أسلوب حكم رئاسي غير مسبوق في تاريخ التواصل السياسي. كسر دونالد ترامب كل تقاليد التواصل السياسي. ابتعد عن المؤتمرات الصحافية والنقاشات مع الصحافيين مستخدماً "تويتر" كمنصة تواصله السياسي والدبلوماسي. أصبحت المؤتمرات الصحافية الرئاسية استثناءات. ما يؤكد عدم رغبته بالاستماع إلى آراء لا تناسب ولا تتناسق مع رؤيته. وهو بالتأكيد لا يحب الجدال المنطقي الذي يضع تصريحاته موضع شك. فيتحول الى رجل سليط اللسان وجلف، أو يرفض الإجابة.

رأينا قدرة تغريدة واحدة من دونالد ترامب على صقل حوار سياسي وإدارة مسار التغطية الإعلامية التقليدية بشكل غير مسبوق. دونالد ترامب "الرئيس المغرد" أسرع من ظله. الذي ينشر الـ Alternative fact بحسب مزاجه وحسب معيار الحقيقة لديه. ولا يمكن أن نخطئ أذا وصفناه بالرئيس الكاذب.

في عام 2020، تغيّر التواصل السياسي عن السنوات السابقة التي شهدت من قبل البعض وبخاصة الديموقراطيين، تجاهل قدرات المنصات الاجتماعية وخدمات الإنترنت في التأثير على الناخبين، وذلك بعيداً من الحملات الإعلامية التقليدية في وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة.
 
" أفضل فريق تأثير ودعاية"، بدلاً من أفضل مرشح؟

أصبحت خدمات الإنترنت "مساحة ابتكار وتنافس لكل تقنيات التلاعب بمشاعر البشري المتصل" ما دفع وكالات التواصل السياسي والتأثير الرقمي إلى تغيير اسلوبها في خلق المحتوى على المنصات الاجتماعية، إلى درجة بات اليوم من الصعب التمييز، في حملة الانتخابات الرئاسية، المحتوى إذا كان منشورَ مستخدم عادي أو عملية تواصل سياسي. السؤال المطروح اليوم: من سيفوز في الانتخابات الأميركية "أفضل فريق تأثير ودعاية"، بدلاً من أفضل مرشح؟

تعمل الحملات الانتخابية على غرس القلق والخوف وتشويه سمعة الخصم لدى الناخبين. تهدف هذه التقنيات إلى زيادة التوترات واستقطاب الرأي. وهي مستخدمة من كلا الجانبين في حملة الانتخابات الرئاسية. على سبيل المثال: ينشر فريق حملة دونالد ترامب على المنصات الاجتماعية صوراً وفيديوات متلاعب بها للمرشح الديموقراطي جو بايدن، فقد كشفت صحيفة "هافينغتون بوست" عن صورة نشرت على "فايسبوك" يوم الخميس 3 أيلول (سبتمبر) 2020، يظهر فيها جو بايدن كرجل عجوز وفي حالة صحية سيئة. ويهاجم التعليق المصاحب لهذه الصورة وسائل الإعلام التي تدعم جو بايدن مع اللقب "sleepy Joe". ولصياغة هذا اللقب، كان فريق ترامب الانتخابي قد نشر فيديو على منصة "تويتر" في آب، مع لقطات تظهر صحافية تحاول إيقاظ ضيفها المفترض جو بايدن، الذي كان قد نام في الاستوديو، وتم تصويره من مسافة بعيدة. في الواقع هذا الفيديو مزور، والشخص النائم كان المغني هاري بيلافونتي، وتم تحرير الفيديو بتبديل وجه بلافونتي بوجه بايدن. تمت إزالة مقطع الفيديو هذا من منصة "تويتر" على أنه "وسائط متلاعب بها".

كذلك يعمل فريق ترامب على مقاطع فيديوات صادمة مع أعمال شغب وفوضى تنشر على "يوتيوب" بعنوان You won't be safe in Joe Biden's America - "لن تكون آمناً في أميركا جو بايدن". تركز حملة ترامب على موضوع رئيسي: جو بايدن رجل عجوز مدلل، لا يستطيع العثور على كلماته، رجل ضعيف لا يمكنه الحكم بصلابة. وذلك بهدف إثارة الشك لدى الناخبين المترددين ودفع آخرين على عدم التوجه للاقتراع.

لا تقتصر عمليات التأثير السلبي على فريق حملة ترامب. بدوره فريق حملة جو بايدن يركز هجماته على دونالد ترامب وأيضاً على الحزب الجمهوري. فهم يلعبون على وتر المقارنة مع رونالد ريغان بوصف دونالد ترامب بأنه قذر، بعكس الشخصية المشرقة والنزيهة للجمهوري رونالد ريغان. ويتوجهون للناخبين الجمهوريين معتبرين أن دونالد ترامب قد خان المُثُل العليا للجمهوريين، بما في ذلك إرث رونالد ريغان. كذلك يستخدم فريق حملة بايدن أسلوب تواصل فريق ترامب الذي يزعم التمسك بالـ"القانون والنظام" ويقدم دونالد ترامب على أنه الشخص الذي زرع العنف والحقد الحالي في البلاد، بمقاطع فيديوات صادمة مع أعمال شغب وفوضى بعنوان "This Is Trumps America "هذه أميركا ترامب".

استراتيجية استخباراتية وعمليات سيكولوجية

نرى في حملة الانتخابات الرئاسية في الأسبوعين الأخيرين نهجين مختلفين، دونالد ترامب الذي يقوم بحشد مناصريه في الولايات المتأرجحة وتبّين فيها استطلاعات الرأي تقدماً طفيفاً لجو بايدن، مع ارتفاع ملحوظ لخطاب جلف واتهامات يوزعها ترامب على خصمه وعائلته وعلى الصحافيين - هدفه المفضل - و الأكثر فظاظة تهجمه على أنطوني فاوتشي، كبير خبراء الفيروسات في الولايات المتحدة، متهماً إياه بالفشل في مواجهة جائحة كورونا المستجد في الولايات المتحدة.

ومع الجائحة، تصاعدت حدة الحملة الانتخابية في الفضاء الرقمي، انطلقت معها ما يمكن أن نسميه بــ "معركة المعلومات"، التي كانت مهمة للغاية في عام 2016. حيث أدت المنصات الاجتماعية وخدمات الإنترنت دوراً محورياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، ويمكن القول إن تلك الانتخابات كانت أول انتخابات "تويتر" أو انتخابات المنصات الاجتماعية الرئاسية بامتياز.

كانت استطلاعات الرأي تتوقع فوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. بخاصة أنها كانت تحظى بدعم كبير من غالبية وسائل الإعلام الرئيسية. في المقابل كانت حملة دونالد ترامب تتوسع وتستغل أدوات المنصات الاجتماعية. في حينها، كان يعتقد المسؤولون عن حملة هيلاري كلينتون، أن خدمات الإنترنت ليست جدية، وهي فقط للشباب الذي يطوق للديمقراطية. ولم يتنبهوا حينها، إلا متأخرين، بقوة تأثير ما عرف "بالأخبار المضللة"، وأيضاً تحاليل بيانات مستخدمي المنصات الاجتماعية لاستهدافهم بالدعاية السياسية. لا داعي للتذكير هنا بفضيحة كامبريدج اناليتيكا، ولا بالمواقع الإخبارية في أوروبا الشرقية التي بعثرت مقالات وفيديوهات مثيرة ومزيفة عبر المنصات الاجتماعية وبالتحديد "فايسبوك" و "يوتيوب" فقط للربح المادي.

ولا نغفل دور وكالة أبحاث الإنترنت Internet Research Agency، الروسية، والتي مقرها في ضواحي مدينة سانت بطرسبرغ، وهي معروفة بلقب مصنع "البروباغندا" والأخبار المضللة لصالح فلاديمير بوتين. وجهت لها رسمياً وزارة العدل الأميركية في شباط 2018، تهماً مختلفة، من أهمها التآمر لخداع الولايات المتحدة من خلال التدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2016. روسيا هي اليوم مرة أخرى موضع اتهامات، بعد كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي، في بداية أيلول 2020 عن وسيلة إعلامية تسمى "PeaceData". وفي الواقع هي مؤسسة صحافية لا وجود لها وتابعة لوكالة بحوث الإنترنت الروسية. تنشر مقالات باللغتين العربية والإنكليزية، حول الفساد وحقوق الإنسان والتغيرات المناخية، ووفقاً لصفحتها الرئيسية تنشر "المواضيع المخفية عن عامة الناس". ولتعطيل عملية الكشف عن الحسابات الوهمية على المنصات الاجتماعية ولمنحهم مظهر شرعي وحقيقي، استغلت "وكالة بحوث الإنترنت" الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور لما يسمى بفريق تحرير موقع PeaceData. بدلاً من استخدام الصور الحرة المتوافرة على الويب.

بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمس" وظفت "وكالة أبحاث الإنترنت" الروسية صحافيين حقيقيين في الولايات المتحدة، الذين كانوا يعتقدون انهم يكتبون لصحيفة الكترونية يسارية، لكنهم في الواقع كانوا يعملون لصالح "وكالة بحوث الإنترنت Internet Research Agency" الروسية. فاستخدام صحافيين محليين استراتيجية استخباراتية لتجنب الأخطاء النحوية أو أخطاء في بناء الجمل الإنكليزية، أخطاء مكنت عام 2016 من تحديد المنشورات الروسية.

بعد تنبيه مكتب التحقيقات الفدرالي، قامت منصة "فايسبوك" بمسح الحسابات والصفحات المعنية بهذه المؤسسة التي تجمع 14 ألف متابع، معظمهم من البلدان العربية. وفقط 200 متابع اميركي على الصفحة الانكليزية.

كما قامت منصة "تويتر" بتعليق 5 حسابات تعتبر وفي شكل موثوق انها تابعة لجهات فاعلة مرتبطة بالدولة الروسية".

من أهداف منشورات هذه المؤسسة الوهمية، التأثير الرقمي لزعزعة الناخبين الديموقراطيين الذين لديهم نزعة يسارية متطرفة، كأنصار بيرني ساندرز. ولإقناع الناخبين اليساريين بالامتناع عن التصويت. من خلال جعل جو بايدن يبدو وكأنه رأسمالي ليبرالي، أو أنه ليس حقاً مناهضاً للعنصرية، وليس نسوياً بما فيه الكفاية. والذي لاحظه مكتب التحقيق الفدرالي أنه لم يكن هناك أي خطأ في هذه المقالات.

عاد ترامب لحشد الجماهير بعد "تعافيه" من فيروس كورونا المستجد، وها هو يستعيد خيوط حملته السابقة بوصم عائلة بايدن بالمجرمة، بعد نشر صحيفة "نيويورك بوست" مقالاً عن بريد الكتروني سحب من قرص صلب يدين هانتر بايدن ابن جو بايدن في موضوع عمله بواسطة والده في شركة غاز أوكرانية. وقف "تويتر" و"فايسبوك" لهذا المنشور على أنه خبر مضلل، أثار غضب ترامب وعاد للعبته المفضلة باتهام الصحافيين بأنهم "مجرمون" لتغاضيهم عن تغطية قضية هانتر بايدن.

ورغم اعتذار "تويتر" عن حجب المنشور و الجدل بين مدير المخابرات الأميركية جون راتكليف الذي يعتبر ان الموضوع فضيحة رداً على آدم شيف، رئيس لجنة المخابرات فيمجلس النواب، الذي رجح ان العملية تعتبر تدخلاً من الكرملين في الانتخابات؛ ذكرت صحيفة "هافينغتون بوست" ان أكثر من 50 من مسؤولي الاستخبارات السابقين الذين خدموا تحت رؤساء من الجمهوريين والديموقراطيين يقولون إن هذا المقال هو من المرجح عملية تضليل روسية؛ كما جرى لهيلاري كلينتون في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية وعشية الانتخابات مع قضية تسريب البريد الإلكتروني عبر ويكيليكس، والذي تم عبر اختراق سابق لمجموعة fancy Bear - APT 28 الروسية، خوادم حملة هيلاري كلينتون.

تبدو الحملة الانتخابية الأميركية لعام 2020 كحرب استراتيجية نفسية، تستخدم فيها كل التقنيات حتى ما يسمى Psychological operations العمليات السيكولوجية للتلاعب بمشاعر وبعقول الناخبين، ولتشكيل الرأي العام، مع جهات فاعلة تمكنت من تحسين تقنياتها ومستعدة بشكل واضح للقيام بأي عمل لتحقيق غاياتها. ويبدو أن الحياة السياسية الأميركية تسودها اليوم العواطف، والارتباك، والانقسام التي تثيرها منشورات المنصات الاجتماعية، وأيضاً خطابات ترامب الشعبوية والمليئة بالأخبار المضللة. وفي النهاية ليس من المؤكد أن تنتصر الديموقراطية بمفهومها التقليدي الذي نظن أننا نفهمه.

*خبيرة تكنولوجيا
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم