الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

قصّة المسيحيّين والأقلّيات في العراق لم تنتهِ بعد

المصدر: "النهار العربي"
حمزة عليان
حمزة عليان
من مسيحيي العراق. (الصورة عن "أ.ف.ب").
من مسيحيي العراق. (الصورة عن "أ.ف.ب").
A+ A-

 قبل سقوط صدام حسين وفي العهود التي تلت ذلك، كان "العراقي" يعيش تحت سلطة "الدولة" سواء كانت ملَكية أو جمهورية، وسواء كان الحكم استبدادياً أو ديمقراطياً.

   بعد الـ 2003 أول فشل واجهته "الدولة" وعلى يد بول بريمر، الحاكم الأميركي، هو تفتيت الدولة المركزية وتفصيل "بدلة" جديدة قائمة على حصص الطوائف والعرقيات، فظَهر بحلته الجديدة "موزعاً ومقسماً" بحسب الدستور الجديد بين الشيعة والسنّة والأكراد.

  بعد الـ 2003 كان الفشل الثاني من نصيب الأقليات وبالأحرى الضحية الثانية، فقد توحّشت الميليشيات على حساب "الدولة المركزية" وفرضت سلطتها على الأرض وتحت مسميات مختلفة.

  جاءت مرحلة نوري المالكي والسقوط المدوي لفشل "الدولة المركزية" بعد تسليم الموصل إلى الضيف الجديد على الساحة وهو تنظيم "داعش"، وانسحاب الجيش منها بعملية مريبة ومرتبة!

  حصاد هذا "التنظيم الجهادي" أتى على حساب الأقليات المسيحية المتجذرة في هذه الأرض ولا سيما في الشمال، وعلى مدى ثلاث سنوات تقريباً وقعت مجازر إبادة راح ضحيتها المئات ومن طوائف مسيحية وخاصة الأقلية الأيزيدية.

الآن، المسيحيون والأيزيديون على وشك الانقراض، ومن مليون ونصف المليون إلى 250 ألفاً بعدما كان يُنظر إلى إقليم الشمال، خاصة الموصل وأربيل وسنجار وسهل نينوى، على أنه مكان آمن وجيد للعيش المشترك للأقليات.

  بالأمس أحيا من تبقى من الأيزيديين الذكرى السادسة لأفظع مجزرة يتعرضون لها في تاريخهم وسط مخاوف متجددة حول البقاء وشعورهم بعدم الأمان.

   هذه الأقليات فقدت الثقة بـ"الدولة الجامعة" وبإمكانية التعايش فيها، بعد أن سقطت الثقة وتمزقت المظلة الجامعة التي يعيش تحتها كل العراقيين.

ولاية سنجار اليوم، فيها ست جماعات سياسية مسلحة تتوزع فيها الانتماءات، فالأشقاء في الأسرة الواحدة لديهم أبناء في تلك المجموعات، وأي مواجهة تحدث بينهم ستنعكس على هذه الأسرة وغيرها.

   الأيزيديون لهم قوة خاصة ضمن الحشد الشعبي، والحكومة المغلوب على أمرها تعمل على إخراج حزب العمال الكردستاني، ومقاتلون أيزديون يناصرونه، وتركيا تطارد جماعات هذا الحزب أينما كانوا، وهذا بخلاف المسلحين الاكراد (البشمركة).

  خلاصة الوضع أن العنف ضد المسيحيين والأيزيديين لم ينته بعد، والقلق يساور تلك الأقليات من التنازع على السلطة وجعلهم فريسة للتقاتل بين الميليشيات والجماعات المسلحة، في ظل غياب "الدولة الجامعة".

  قبل فترة تم عرض فيلم وثائقي بعنوان "يوماً ما في العراق" من قبل الـ "بي بي سي"، وكان بحِرفية عالية أشارت إليه الباحثة بشؤون الأقليات المسيحية في المنطقة الخليجية وتعيش في لندن تدعى أليزابيث مونير، سجلت فيه عدداً من الملاحظات ولا سيما الحلقة الخامسة منه والتي تجاهلت الجانب الأكبر من الرواية وهي المأساة الكبرى في هلاك مجموعات عراقية بصورة كارثية... ووفقاً لدراسة نشرتها الكنيسة الكلدانية مؤخراً والتي تعد أكبر كنائس العراق، فإن داعش نجحت في تهجير ما يقارب 120 ألف مسيحي من منازلهم قسراً في محافظتي الموصل ونينوى، عاد 40% منهم فقط إلى منازلهم والباقي ما زال مهجراً ويعيش في مناطق كردية، ومنهم من هاجر ورحل من العراق.

  لقد غاب عن الفيلم الوثائقي تلك الصورة المؤلمة للأيزيديين العالقين في جبل سنجار وهم الآن بين نار الجيش التركي من جهة وكتائب الأكراد من جهة ثانية وبينهما الجيش العراقي!

  التعددية في العراق في سبيلها إلى الانتهاء إذا ما استمرت حالة "التناتش والقضم" بين الجماعات المسلحة على من يحكم، فالصورة الحقيقية تستدعي الرؤية إلى ما هو أبعد من صراع الطائفتين السنيّة والشيعيّة كما هو في الأسابيع والأشهر الأخيرة.

 سيفقد العراق "هويته" إذا خسر الأقليات المسيحية والأقليات العرقية الأخرى، فالمسيحية في العراق من أقدم المجتمعات المستمرة في العالم، وغالبيتهم من الآشوريين الذين يتحدثون اللغة الآرامية، فهذا إرث تاريخي لا يجوز التفريط به أو التآمر عليه، فوجه الشرق سيبقى محفوراً بالمسيحية وأتباعها.

 

*إعلامي وباحث لبناني مقيم في الكويت

[email protected]

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم