الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

المعلومة المتاحة في خدمة الصحافة المستقلة

المصدر: "النهار"
التلازم بين الصحافة والحق في الوصول الى المعلومات دفع الكثير من الدول الى تعزيز الصحافة المستقلة ودورها في الحياة العامة.
التلازم بين الصحافة والحق في الوصول الى المعلومات دفع الكثير من الدول الى تعزيز الصحافة المستقلة ودورها في الحياة العامة.
A+ A-

المحامي طوني مخايل مؤسسة مهارات

لا تمر مناسبة إلا ويتم التأكيد فيها على الحق في الوصول الى المعلومات، سواء في بيانات الحكومات المتعاقبة في لبنان أو تصريحات المسؤولين. وكان مجلس الوزراء قد أقر في 12 أيار 2020  "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفسادوالتي تتضمن خطة لتفعيل قانون الحق في الوصول الى المعلومات رقم 28 الذي أقره مجلس النواب بتاريخ 10/2/2017. وبالرغم من نفاذ القانون منذ صدوره في الجريدة الرسمية، لم تلتزم معظم الادارات العامة بمضمونه متحججة بعدم صدور المراسيم التطبيقية له وعدم تعيين اعضاء هيئة مكافحة الفساد التي تنظر في المراجعات التي تنشأ عن رفض تسليم المعلومات لطالبها وفق أحكام القانون.

 

هذه الحجج لم تعد سارية اليوم مع موافقة مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدها في 28 تموز 2020 على مشروع المرسوم التطبيقي لقانون الحق في الوصول الى المعلومات الذي قدمته وزارة العدل. وتالياً أصبحت الطريق معبدة لتطبيق هذا القانون لكون الطعن بقرارات رفض اعطاء المعلومات يعتبر قراراً ادارياً يمكن الطعن به امام مجلس شورى الدولة.

 

الا أن الادارة ما زالت تصر على حجب المعلومات وشخصنتها عبر جعل الموافقة على اعطاء المعلومات امراً مرتبطاً بشخص الوزير والمستشارين القانونيين الذين يحيطون به. وقد اختبرت مؤسسات "مهارات" هذه التجربة من خلال  طلبات عدة تقدمت بها الى وزراتي الطاقة والاتصالات للحصول على وثائق ومستندات تتعلق بعقود ترتب نفقات عامة على الخزينة وجرى التكتم عن نشرها وإطلاع الراي العام عليها، بذريعة انها ضمن استثناءات القانون.

من هنا يبرز دور الصحافة المستقلة للحفاظ على حق الجمهور في الاطلاع على القضايا الاساسية التي تهم الرأي العام والتي تسعى الادارة الى التكتم عن المعلومات المتعلقة بها واخفائها عبر تعطيل قانون الحق في الوصول الى المعلومات سواء لناحية عدم الاستجابة لطلبات المعلومات او لناحية التخلف عن موجب النشر الحكمي المفروض بموجب القانون لا سيما في قضايا الإنفاق العام وتبريره ونشر الموازنات وقطع الحساب والتقارير السنوية.

قبل تكريس هذا الحق في نص قانوني مكتوب، لضطلعت الصحافة بدور محوري في الدفع الى بلورة حق الوصول الى المعلومات والاعتراف به كأحد اهم الحقوق التي تتمتع بها الجماعة بالاتحاد والانفراد بوجه الحكومة الموكلة ادارة الشأن العام.

 

ومع تطور مفهوم الصحافة كمهنة احترافية هدفها الاساسي نشر الآراء والمعلومات والاضاءة على ابرز الاحداث والقضايا التي تهم الراي العام واثارة النقاش حولها، شكلت المعلومات الدقيقة والموثوق بها التي تنشرها الصحافة والتي تصل اليها بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة احيانا، السيف المصلت بوجه التجاوزات التي ترتكبها الحكومة واجهزتها والموظفون العامون والتي يتكتم عنها او تُخفى لأهداف مشبوهة لا تخدم الصالح العام.

هذا الأمر دفع العديد من الدول الى التشدد في تصنيف الوثائق والمستندات الادارية واصدار نصوص قانونية بهذا الخصوص، اضافة الى فرض عقوبات جزائية على الموظفين الذين يكشفون عن اية معلومات، هم غير مخولون الافصاح عنها.

هذا الكباش بين الصحافة وسياسة حجب المعلومات التي تعتمدها اغلب الدول نتج منها الاعتراف بحق الوصول الى المعلومات كحق اساسي يضمن للمهتمين من الصحافيين ولكل انسان بشكل عام الوصول الى المعلومات الدقيقة من مصادرها الاصلية من دون استنساب او مفاضلة على ان تضمن هيئة مستقلة الفصل في اي نزاع يتعلق بحجب المعلومات.

توسيع إطار الحق الذي يتيح للموطنين بأنفسهم الوصول الى المعلومات من مصادرها وإلزام الادارة النشر الحكمي للمعلومات في مواقعها الالكترونية، لم يلغ دور الصحافة الفاعلة في نقل المعلومات والتحقق منها ونشر القصص الصحافية المعمقة والاستقصائية المرتبطة بها.

 

واليوم، ومع تطور الوسائل التقنية الرقمية لحفظ المعلومات وتبويبها ونقلها وامكانية الوصول اليها، تبرز الحاجة الملحة الى صحافة مهنية مستقلة تضطلع بدور فعال في التدقيق في المعلومات المتاحة والتي يعجز المواطن العادي عن الاحاطة الكاملة بمختلف جوانبها سواء نتيجة لحجم المعلومات او لغتها التقنية.

كما أن اتاحة الحق في الوصول الى المعلومات لا يعني أن المواطنين سوف يتهافتون على تقديم طلبات الوصول الى المعلومات رغبة منهم في مزيد من الغطلاع على ادارة الشأن العام. هذا الامر ليس بمتناول الافراد وطاقاتهم، وقد تستفيد بعض المجموعات التي تنشط لتحقيق اهداف معينة مثل الجمعيات البيئية والمدافعة عن حقوق الانسان من المعلومات التي تتاح لها من خلال طلب المعلومات لإثارة القضايا التي تهمها. كما ان الاحزاب السياسية الفاعلة المشاركة في السلطة تتكتم على المعلومات التي بحوزتها وتستخدمها في الابتزاز السياسي للخصوم واثارة الراي العام من خلال تسريب المعلومات المجتزأة والمضللة. من هنا يبرز الدور الاساسي لوسائل الاعلام لتفعيل الحق في الوصول الى المعلومات وتحقيق الغاية الاساسية منه في مجتمع ديموقراطي.

هذا التلازم بين الصحافة والحق في الوصول الى المعلومات دفع الكثير من الدول الى تعزيز الصحافة المستقلة ودورها في الحياة العامة.

 

هذا التحدّي الذي اخذته الصحافة المستقلة على عاتقها يشكل جسر العبور الى دولة القانون والمؤسسات حيث ضمان الحق في الوصول الى المعلومات يشكل اساس استمرارية السلطة وشرعيتها. لذا ان تحسين الوصول الى المعلومات في لبنان يتطلب وضع قانون الوصول الى المعلومات والمرسوم التطبيقي الذي اقره مجلس الوزراء موضع التنفيذ بشكل مباشر وفوري عبر إلزام الادارات تعيين موظفي المعلومات، انشاء مواقع الكترونية لنشر المعلومات الحكمية المنصوص عنها في القانون، تعيين اعضاء هيئة مكافحة الفساد وتفعيل عملها لكي تشرف على حسن تطبيق القانون والنظر في المراجعات.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم