الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

نجامل أم ننافق؟

لقطة تعبيرية من الهند (أ ف ب).
لقطة تعبيرية من الهند (أ ف ب).
A+ A-
ناديا الكتبي

نَسعَد بكلماتٍ معسولة في المناسبات الاجتماعية ثمّ نغضب بشدّة عندما نعلم بما قيل بعدها من عبارات الذّمّ وراء ظهورنا! فهل نحن نجامل أم ننافق؟ وهل مطلوبٌ منّا أن نكذب بإظهار مشاعر مزخرفة تُخبّئ في حِجرها نوايا السوء والكراهية؟ وما سبب هذا النفاق المتفشّي في المجتمع؟ وإلى أين نسير بوباء يفتك بالعقول ويظهر باللسان؟ العدوى فيه سريعة الانتشار حيث تدمّر الفرد من الداخل وتهدم المجتمع؟

صحيحٌ أن الكلمة الطيّبة صدقة، وصحيحٌ أنّ علينا الابتسام بوجه مَن نُقابل، ولكنّه غير صحيحٍ أن نكذب بمشاعرنا في سبيل دبلوماسية العلاقات الاجتماعية. هناك فرق واضح ما بين السيطرة على الغضب والتكلّم بحكمة في حالات الانزعاج وبين التعبير بمشاعر الحبّ والإعجاب لنفس الشخص. وصحيح جداً أن نجامل الآخرين في المناسبات في جوٍّ من الألفة، حيث تُعتبر هذه المجاملات الصمغ الذي يلصق الأفراد ليشكّل حلقات الحوار.

ومن الخطير جداً أن يختلط علينا مفهوما المجاملة والنفاق. فما نضمره في دواخلنا هو الفيصل بينهما، والكذب هو الخطّ الرّفيع الذي سيفرّق بين الأمرين. علينا أن نتذكّر أنّ النّفاق هو إظهار وقول عكس ما في دواخلنا، أمّا المجاملة فدليلُ خيرٍ في التواصل. ففي بعض الأحيان، من خلال مجاملة لشخص غريب تُبنى علاقة صداقة. وأحياناً أيضاً، من خلال مجاملة لطيفة تَهدأ نفوسٌ كانت الحرب قائمة بينها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل علينا أن نكذب لنجامل؟ في الحقيقة لا.. ليس علينا الكذب إنّما لا يحقّ لنا بأن نكون فظّين في التعامل. نعم، علينا إظهار حقيقة مشاعرنا ضمن قواعد الأدب والأصول.

ولكن - للأسف - قد تعوّدت مجتمعاتنا على المبالغة في إظهار المشاعر المزيّفة بإطلاق عبارات حميميّة وبالتقبيل والاحتضان، وهي سبب من أسباب تفشّي وباء النفاق الاجتماعيّ؛ ولربما في بعض المجتمعات يستمرّ الحديث بشكل ودّي، ولا يُظهِر فيه المتضايق أيّ علامة من علامات عدم الرضا. هذه حالة نفسيّة غير صحيّة، لأن المتكلّم في هذه الحالة يفصل نفسه عن أحاسيسه الحقيقيّة مُغلّفاً مشاعره، ثمّ يقوم بتلوين كلماته. وسرعان ما تنتهي المحادثة حتى تتوهّج الأحاسيس الداخلية مفجّرة الغضب فيه.

ومن الأسباب الجوهرية لتفشّي النفاق في مجتمعاتنا مجاراة ما يدور في الحوارات، وهو خير دليل على ضعف الفرد الذي لا يستطيع أن يدافع عن آرائه ومعتقداته، حيث يوافق المنافق من حوله بالنقاش وبإعطاء الرأي الأمثل بينهم. وإن صار في مجموعة أخرى، ورأيهم مغاير لذلك، نراه يؤكّد ويثني على فكرتهم بل يتطرّف ليُظهر مدى تأييده للفكرة.

أما المصلحة، فتعتبر من الأعمدة الأساسيّة للنفاق. فكم من فرد يضمر كلّ مشاعر الانزعاج لفرد آخر بينما يُصادقه معبّراً له بكلّ أحاسيس الحبّ والتقدير من أجل غايةٍ، يستطيع الآخر تحقيقها له. وهذه الحالة تتجسّد ابتداءً من خليّة البيت إلى العالم. فهناك من يُمجّد فرداً من أفراد عائلته ليقضي له حاجته، وهناك من يُمجّد رئيساً لتحقيق أهدافه. وفي كلّ الأحوال، يبقى النفاق الوسيلة الأسهل لنيل المكاسب في مجتمعاتنا.

نضيف إلى ذلك الدين؛ فهو أحد الأسباب التي يفشل فيها الفرد ويتحوّل إلى منافق. فالفرد الذي يعتبر نفسه متديّناً، ويعظ مَن حوله، ويباشر انتقاد الناس إن لم يطبّقوا الوصايا، بينما هو فاشل في الإيمان بها ذاتيّا،ً ويتصرّف بعكسها، فهو المنافق الأمثل! ولكن الأتعس من ذلك أنه لا يعترف بنفاقه بل يصرّ على المناداة بالشعارات الدينيّة الرنانة.. وهذا خير دليل على ما كتبته صحف فرونتير المتخصّصة في أبحاث علم النفس النرويجية سنة 2020 أنّ النّفاق يحصل عندما يفشل الناس في أن يمارسوا ما يعظون به.

آفة النفاق هي آفة العصر، ولكن بقدرتنا حلّ هذه المشكلة ببساطة، وبشكل مباشر بممارسة الصدق. فليس علينا أن نكذب لنجامل، ومجتمعاتنا تتّجه إلى اللامصداقية إن استمرّ النّفاق متفشٍّ بيننا. ومن يُرد التطهير من النفاق عليه بتهذيب نفسه بالصدق لأنّه المضادّ الوحيد لهذا الوباء.
 
*صحافية وباحثة اجتماعية

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم