الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

مستقبل العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: لقاء بين التكنولوجيا والخصائص السكانية والسياسة

متداول يتحدث مع آخرين أمام شاشة تعرض قيم سوق الأسهم السعودية في البنك العربي الوطني بالرياض (أ ف ب).
متداول يتحدث مع آخرين أمام شاشة تعرض قيم سوق الأسهم السعودية في البنك العربي الوطني بالرياض (أ ف ب).
A+ A-
عمر كريستديس- مؤسس "عرب نت"
 
 
على الصعيد العالمي، ووفقًا لمسح أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي لأصحاب العمل، بدأ الطلب على المهارات اليدوية والبدنية والمعرفية الأساسية بالانخفاض. فبدلاً من ذلك، أصبحت المعرفة والكفاءة الرقمية من المتطلّبات الأساسية لجزء متزايد من القوى العاملة، وبالتالي بدأت الحاجة إلى مهاراتٍ معرفية ذات مستوى أعلى بالارتفاع. وستشهد المهارات المتعلّقة بالتفكير التحليليّ والنقديّ، والتعلّم الفعّال، وحلّ المشكلات المعقّدة والإبداع نموّاً أعلى في حلول العام 2025.
 
 

وتُبرز الدراسات أنه في حلول العام 2025 من المتوقّع أن تحلّ الروبوتات الصناعية محلّ ما يصل إلى مليونَي عامل، في حين أنّ الحاجة إلى مهارات البرمجة وتكنولوجيا المعلومات المتطوّرة قد تنمو بنسبة تصل إلى 90% بين العامَين 2016 و2030.

وتقوم أولويات وقيم شباب اليوم أيضًا على تغيير شكل القوى العاملة المستقبلية، إذ يعتبر أغلبية العاملين الشباب أنّ التوازن الجيّد بين العمل والعيش أولوية مقارنة بالتقدّم الوظيفي؛ كما أن المرونة - العمل من بُعد، وبساعات عمل مرنة - بالإضافة إلى الشعور بالمعنى المستمدّ من العمل تحتلّ مرتبة عالية. وبالتالي، فإنّ اقتصاد الأعمال المستقلّة في ازدياد؛ فوفقًا لتوقّعات العام 2019 ستنمو معاملات اقتصاد الأعمال المستقلّة العالمية بنسبة 17% كلّ عام حتى العام 2023.


الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
إنّ حجم القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيزداد بمقدار 127 مليونًا في السنوات العشر المقبلة، إذ من المتوقّع أن ينمو الجزء القابل للتوظيف من الشباب بشكل كبير. ولهذا، تتعرّض حكومات المنطقة لضغوط شديدة من أجل خلق فرص عمل كافية لامتصاص تدفّق هذا "التضخّم الشبابي".

وعلاوةً على ذلك، هناك فجوة حادّة في المهارات الرقمية، إذ شكّلت المواهب الرقمية نسبة 1.7% فقط من القوى العاملة في العام 2017، وفق ما هو موضّح في ثلاثة تقارير جمعتها "عرب نت". فوفقًا لرجال الأعمال الذين شملهم الاستطلاع في الكويت والمملكة العربية السعودية ولبنان، إنّ المهارات المتعلّقة بالأجهزة وتكنولوجيا المعلومات والتطوير/ التشفير وتصميم المنتجات والبيانات والتحليلات لم تكن متوافرة بشكل واضحٍ.
 


نسبة توافر المهارات في السوق
ومع ذلك، فإنّ الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمثّلون أيضًا فرصة لكونهم من مواطني التكنولوجيا، حيث بالإمكان تعليم وتدريب وتحسين كفاءة ومهارات هذه القوى الشّابّة لتمكينها من الاندماج في الاقتصاد الرقمي بسهولة.

وينعكس هذا في وجود رغبة مرتفعة لدى الشباب العربي في دخول عالم ريادة الأعمال. فقد كشفت بيانات العامين 2015/2016 عن أنّ ما يقارب 75% من الأشخاص يرون ريادة الأعمال بمثابة خيار مهنيّ جيّد، مع تساوي النتائج نسبيًّا بين البلدان التي شملتها الدراسة.
 

ومن ناحية أخرى، هناك تفاوت ملحوظ في مَيْل الشباب العربي إلى بدء الأعمال التجارية في المنطقة، حيث أظهر استطلاع أُجرِيَ في العام 2020 أنّ نسبة 55% من الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي يعتزمون بدء أعمالهم الخاصّة في السنوات الخمس المقبلة، تليها نسبة 44% في شمال أفريقيا، بينما انخفضت النسبة بشكل حادّ إلى 22% في بلاد الشام.
 

ويرتبط هذا التوزّع غير المتكافئ بالاختلافات الجوهرية في الظروف الاقتصادية والتوقّعات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فبوجود الثروة النفطية والمناخ السياسيّ المستقرّ، استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي بكثافة في تحديث البنية التحتيّة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال استراتيجيات التحوّل الوطنية الشاملة التي تعطي الأولوية للرقمنة والتقنيات التجديدية.


الرؤى عبر دول مجلس التعاون الخليجي
فعلى سبيل المثال، أنشأت المملكة العربية السعودية في العام 2019 الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي بموجب مرسوم ملكي، وجرى منحها تفويضًا لإنشاء حكومة واقتصاد يعتمدان على البيانات بدعم من الذكاء الاصطناعي. كذلك أعلنت المملكة عن نيوم (NEOM)؛ المدينة المُخطّط لها بتكلفة 500 مليار دولار والمدعومة بالكامل بالطاقة المتجدّدة والذكاء الاصطناعي والروبوتات، ومن المتوقّع أن تخلق أكثر من 250 ألف فرصة عمل. ومن ناحية أخرى، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة أوّل وزارة للذكاء الاصطناعي في العالم في العام 2017، تزامنًا مع استراتيجية 2031 للذكاء الاصطناعيّ، وهي خطة حكوميّة شاملة مصمّمة لترسيخ تقنيّات الذكاء الاصطناعي في المجتمع. لذلك، يجب مراعاة التفاوت بين الفرص الاقتصادية والموارد والتوقّعات عبر المنطقة عند التفكير في مستقبل فرص العمل فيها.
 

 

التطلّع إلى المستقبل
سدّ فجوة المهارات
لدفع العمالة قدماً، يحتاج صانعو السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى معالجة فجوة المهارات، التي يمكن تحقيقها من خلال رفع مهارات القوى العاملة الحالية أو إعادة تشكيلها من خلال مواءمة البرامج التعليمية بشكل أفضل مع احتياجات أصحاب العمل. وتشير التقديرات إلى أنّ تحقيق ذلك يُمكن أن يعزّز الإنتاجية العالميّة بنسبة 3% بحلول العام 2030، ويزيد الناتج المحليّ الإجماليّ العالميّ بما لا يقلّ عن 6.5 تريليونات دولار، ويضيف 5.3 ملايين وظيفة في جميع أنحاء العالم.

وهذه البرامج موجودة بالفعل. ففي المملكة العربية السعودية، ساعد التعاون بين الجمعية العامة ومؤسّسة مسك (MiSK) في تدريب ما يقرب من 2,000 شاب سعودي على المهارات التقنيّة والرقميّة الجديدة. وفي الإمارات العربية المتحدة، قامت الحكومة بمبادرة لتدريب مليون شاب عربي على برمجة الكمبيوتر بدعم من "أوداسيتي" (Udacity).

ويُمكن للاستثمار في برامج تعليم الشباب من أجل التوظيف أن يُحسّن التوافق بين مهارات الخرّيجين ومتطلّبات سوق العمل وتقليص فجوة المهارات. وقد يكون لإشراك أصحاب العمل في القطاع الخاصّ لتقديم آرائهم والمساعدة على تصميم المناهج وتوجيه التدريب تأثير كبير في التوظيف: فعلى سبيل المثال، تقدّم شركة التدريب SE Factory في لبنان خدمات التوظيف وتحقّق معدّل نجاح توظيفيّ بنسبة 90%.


الاستفادة من نقاط القوّة المحليّة: فتح الفرص الإقليمية
يجب على استراتيجيات تطوير القوى العاملة أن تستخدم نقاط القوّة (وتأخذ في عين الاعتبار التحديات) لكلّ بلد على حِدَة ضمن السياق الأكبر. فعلى سبيل المثال، يمكن لبلدان المشرق العربي ذات الأسواق والموارد الصغيرة، التركيز على قيمة "المكتب الخلفيّ"، التي تتمثّل بتطوير أنشطة التعاقد الخارجيّ ومراكز الامتياز في بعض الكفاءات الرقميّة؛ ويُمكن لمراكز "المكاتب الخلفيّة" هذه أن تخدم بكفاءة المحاور التجاريّة في دول مجلس التعاون الخليجي ذات الأسواق الكبيرة، وحيث المواهب أغلى بكثير.


تحديث قوانين العمل والأعمال
يجب على الحكومات تحديث قوانين وأنظمة العمل لتلبية التكوين والمواقف المتغيّرة للقوى العاملة، بما في ذلك تنظيم وحماية العاملين وأصحاب الأعمال المستقلّة. وفي الوقت نفسه، وبهدف تعزيز الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسّطة (والوظائف التي توفّرها)، يجب على صانعي السياسات وضع الأنظمة لتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية، بما في ذلك وضع قوانين أكثر انسيابيّة لإنشاء الأعمال وحلّ حالات الإعسار وتمكين رأس المال الاستثماري وأدوات الاستثمار وحماية الملكية الفكرية.

ويجب على الحكومات أيضًا تنسيق الأنظمة للسماح للشركات بالتوسّع بسرعة في جميع أنحاء المنطقة. وبذلك، يمكن للشركات الإقليمية النموّ، لاسيّما في قطاعات التكنولوجيا السريعة التقدّم، وخلق وظائف تقنيّة عالية القيمة. وبخلاف ذلك، فإنّ بناء وتنمية مشروع تقنيّ بمليار دولار سوف يستلزم إنشاء شركة جديدة في كلّ سوق من أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مهمّة شاقة من شأنها أن تجعل المسؤولين الإقليميّين غير قادرين على المنافسة على نطاق عالمي.
 
 
المقال نشر أيضاً في MEI
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم