الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

عودة سوريا!

د. خالد محمد باطرفي
لقاء وزير الخارجية الإماراتي بالرئيس السوري بشار الأسد (أ ف ب).
لقاء وزير الخارجية الإماراتي بالرئيس السوري بشار الأسد (أ ف ب).
A+ A-
عدت للتوّ من مؤتمر في عمّان، حول علاقات الأردن بالعالم في بيئة إقليمية ودولية متغيرة، وتعرفت خلاله إلى عدد من الخبراء في الشأن العربي عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً.
دار الحوار حول العديد من المواضيع، ولكن أبرزها كان إمكان عودة سوريا ولبنان الى الحاضنة العربية، وسبل تخليصهما من قبضة الولي الفقيه الخانقة.

البوابة الدمشقية
يرى بعض المراقبين أن الفرصة أصبحت مواتية لهذه العودة من البوابة الدمشقية، فالشام هي عنق الزجاجة على طريق الهلال الشيعي الممتد من طهران الى بيروت. وهي اليوم، مع ليبيا ولبنان، أكثر البلاد العربية معاناة من التدخلات الأجنبية. فثلث الوطن، على الأقل، محتل من قبل إيران وتركيا وأميركا وروسيا والجماعات الجهادية. ولا عودة لها الى الشرعية العربية والدولية، والخروج من تحت مقصلة العقوبات الاقتصادية الأميركية والأممية، إلا بمساعدة عربية مباشرة.

وفي حسبانهم، أن نظام الأسد بات يدرك أنه خرج من جحيم الحرب الأهلية ببلد مدمر ومجزّأ ومتنازع عليه، وعليه أن يختار من جديد مسار تحالفاته وتركيبتها بما يتناسب واستحقاقات المرحلة المقبلة. فالدعم الميليشيوي الذي وفرته إيران انتهت الحاجة اليه، بل وبات محطاً للتدخلات العسكرية والأمنية المباشرة في القرار السوري، وجاذباً للضربات الصاروخية الإسرائيلية المرخصة من الحليف الروسي، ومبرراً للمقاطعة الإقليمية والدولية. كما أن الدعم الخليجي والدولي المطلوب لمرحلة إعادة التأهيل والبناء مشروط بإنهاء تواجد القوات الأجنبية، وبخاصة الإيرانية والتركية وميليشياتها، وبالتالي إنهاء مبرر وجود قوات "الناتو".

حل المشكل اللبناني
ويتفق الخبراء العرب، ومنهم سوريون، على أن الحليف الروسي والعدو الإسرائيلي متفاهمان على ضرورة عودة الدعم العربي العسكري والسياسي والاقتصادي. هذه المرة لمساعدة الرئيس الأسد على العبور الى المرحلة المقبلة، والتي تشمل تحرير المناطق المحتلة، وتوحيد البلاد، وإخراج القوات الأجنبية، والمصالحة مع المعارضة، والاتفاق على دستور جديد، وإعادة هيكلة الدولة.

ومن جانب لا يقل أهمية، فالبلد بحاجة ماسة الى إعادة بناء تبدأ أحياناً من الصفر في المناطق والمدن المهدّمة. كما تحتاج الى تموين وتمويل، ولتحقيق ذلك لا بد من وساطة عربية تقنع الولايات المتحدة بإنهاء قانون قيصر أو تجميد بعض بنوده، خصوصاً تلك التي تتصل بالطاقة والبناء.

ويرى بعض الخبراء أن سوريا هي الوحيدة التي تستطيع إنهاء المشكل اللبناني، ويذكرون بدورها في المجهود العربي لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وقوات حفظ السلام. وينبهون إلى أن تمدد "حزب الله" وغطرسة قياداته لم تكن لتكون لولا خروج سوريا من لبنان، وتفرّد الوكيل الإيراني بالساحة. وعليه، فإن الجيش السوري قادر، بحال تفويضه، على تقليم أظافر الحزب، ومزاحمته على السلطة، وحماية الدولة اللبنانية من فرط تعدياته وتجاوزاته.

تفويض سوري مقنن
ويعتقد هؤلاء أن لسوريا مصلحة في هكذا تكليف، فلبنان كان مصدراً لسيولة نقدية سخية، يوفرها نظامه البنكي المتطور، ومرافئه الدولية. كما أن بيروت واجهة دولية مفتوحة على العالم، أشبه بما كانت عليه هونغ كونغ بالنسبة إلى الصين، في عهود مضت.

ويتحوّط أصحاب هذا المقترح بوضع شروط للوجود السوري حتى لا تتكرر هيمنته الطاغية التي قادت الى اغتيال رفيق الحريري والهبّة الشعبية التي أدت لإخراجه بقرار من مجلس الأمن. فهذه المرة يجب أن توضع حدود واضحة للمسؤولية والصلاحية، بما يحفظ للدولة اللبنانية سيادتها والمكونات المجتمعية مكانتها والشعب حقوقه. وأن يكون التكليف بإذن وإشراف من الجامعة العربية ومجلس الأمن.

مؤشرات العودة السورية
ويشير المؤيدون لعودة سوريا الى الصف العربي الى التقارب الدبلوماسي مع الإمارات والبحرين ومصر والأردن، واجتماع وزير الخارجية فيصل المقداد مع عدد من نظرائه العرب في نيويورك قبل شهرين، ومشاركة مدير المخابرات السورية، اللواء حسام لوقا، "العلنية" في "المنتدى العربي الاستخباري" في القاهرة قبل أيام، وفتح منفذ الأردن أمام التجارة البينية، ويلمحون إلى أن "ما خفي كان أعظم". فبرأيهم أن مهددات الأمن العربي تقتضي مقاربة مختلفة تتجاوز خلافات الماضي، وتعترف بأبجديات الأمر الواقع، وتتعامل مع المستجدات بواقعية سياسية جديدة.

فالنظام السوري لم يسقط، وهو اليوم أقوى مما كان عليه في بدايات الثورة الشعبية التي انطلقت عام 2011، فيما انهارت المعارضة تحت وطأة التدمير الممنهج والخلافات الداخلية وتخلي الداعمين. ولم يعد رئيس الأمر الواقع يرى حاجة لتطبيق مخرجات مؤتمر جنيف-1، وقرار مجلس الأمن 2254 الذي حدد مساراً سياسياً للخروج من الأزمة ينص على دستور حكم ديموقراطي تشاركي، يشمل جميع المكوّنات والأطياف. فالدولة بقيت كهيكل يحميه جيش موحد، وهو ما لم تنتهِ اليه ليبيا. ولا يزال لها مقعدها في الأمم المتحدة، ومشروعيتها الدولية، وإن ضعفت. كما أن الحماية الروسية تؤمن لها القدرة على الصمود والاستمرارية.

شروط التوافق
وعليه، وفقاً لهذه المقاربة، فقد بات من واجب العرب التعامل مع الواقع والتحاور مع النظام وصولاً الى توافق يخرجه من تحت العباءة الفارسية، والطربوش التركي، والعمائم الجهادية، ويستعان به على قطع الطريق والشريان الحيوي الذي يزوّد "حزب الله" بالدعم اللوجستي والمالي والعسكري، ويعيد بعض النفوذ السوري الى لبنان لكبح جماح الهيمنة الإيرانية وإعادة ضبط ميزان السلطة والتوافق بين المكوّنات الطائفية وانهاء قدرة طرف على الابتزاز بتعطيل ماكينة الحكم، وقاطرة الحياة، وفرض ثقافة الموت والجهاد لحساب الغير، على حساب الوطن.

دعم عربي لعودة سوريا الى محيطها، والمصالحة الداخلية، وبدء مشروع التأهيل والبناء والتنمية، سيحل مشاكل عديدة لجيرانها، تتجاوز المهددات الأمنية، الى إعادة اللاجئين الى مدنهم وقراهم، وتخفيف العبء الاقتصادي والاجتماعي عن الدول المستضيفة، خصوصاً لبنان والأردن. ويفتح أبواباً للرزق والتصدير والاستثمار لفائض العمالة والمنتجات والمال في الدول المجاورة.

الممكن والمستبعد والمستحيل
الى أي حد تبدو هذه التصورات ممكنة؟ والى أي مدى يمكن أن يذهب العرب في تسامحهم مع جرائم النظام ضد الإنسانية والتي بلغت حد التدمير الشامل للمناطق المدنية، واستخدام الأسلحة الكيماوية؟ وهل يستطيع بشار الأسد الاستغناء عن الميليشيات الإيرانية والدعم العسكري في المرحلة الراهنة؟ وهل ستخرج إيران بهذه السهولة وتستغني عن مكاسبها ومصالحها وهلالها الشيعي لمجرد أن يطلب منها الرئيس ذلك؟ وهل سيصدق أحد أن النظام السوري سيحافظ على أي اتفاق ويلتزم بأية حدود في حال حصل على تفويض بالتدخل في لبنان لتحديد النفوذ الإيراني؟ ثم، هل ستقبل المعارضة السورية بهذه التوجهات وما هو دورها فيها؟

أسئلة كثيرة تطرح على المتبنين لمشروع المصالحة والتصالح والتسامح مع النظام السوري، وحري بهم بذل الجهد للرد المقنع عليها. ومع تقديرنا لروح المبادرة بالبحث عن الحلول بعيداً من المألوف والتقليدي، والتفكير خارج الصندوق، إلا أن الطروحات الفكرية لا تغني عن المعالجات التفصيلية والدقيقة للإشكالات والتحديات القائمة.

قفزات أم خطوات؟
ومن يدري، فقد يكون العمل عليها قائماً حالياً بين الأطراف المعنية، وقد نشهد خطوات إيجابية، تبادلية، واسعة، بين المجموعة العربية التي يمثلها الرباعي (السعودية، مصر، الإمارات، الأردن) والنظام، تسمح بعودة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية. أو قد تستمر التحركات على مستوى ثنائي علني وسري، ونسمع بهذا اللقاء او ذلك التواصل، تلك الصفقة او ذاك الاتفاق، كانفراجات في جدار المقاطعة، وخطوات على الطريق الطويل. شمس تطلع خبر يبان.

kbatarfi@
 
نُشِر في "النهار العربي"
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم