الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"إضراب الحراميّة" الآن وهنا

عقل العويط
عقل العويط
"إضراب الحرامية" الآن وهنا، لوحة للرسام منصور الهبر.
"إضراب الحرامية" الآن وهنا، لوحة للرسام منصور الهبر.
A+ A-

في العنوان أعلاه، لا أقصد بالطبع عنوان المسرحيّة الشهيرة التي كتب نصّها المسرحيّ الراحل أسامة العارف، وأخرجتها الممثلة والمخرجة نضال الأشقر عام 1971، وتدور أحداثها في إيطاليا، وتتناول التحالف الجهنميّ الوثيق بين الدولة والمافيا، حيث تسرق المافيا، وحيث تشارك الدولة في الجرم (صمتًا أو غضًّا أو علنًا) لتتقاسما الأرباح مناصفة. لا أقصد أيضًا الممثلين - الحراميّة الذين أدّوا أدوار البطولة فيها، ولا الإضراب الذي أعلنوه، ونفّذوه.
على كلّ حال، "الحراميّة" الذين ظهروا في المسرحيّة، وعلى خشبة المسرح آنذاك، أحبّهم من كلّ قلبي، وأقدّرهم، وأقول إنّي "أتواطأ" معهم (فنّيًّا)، وأغضّ الطرف عن "الحرام" الذي ارتكبوه.
على كلّ حال أيضًا، لا شيء في "حرام" تلك الأيّام يوازي - الحرام الأعظم – الذي يُرتَكب الآن، وهنا، تحت الوضح، في العلن، وعلى عينك يا تاجر. وهو حرامٌ لا يرتكبه حراميّة صغارٌ، ولا هو حرامٌ "من قريبو"، بل يرتكبه كبار الحراميّة، بل كبار الكبار فيهم. بل هو حرامٌ، السرقة فيه هي سرقة لبنان نفسه، بمَن فيه، وبما فيه. وعن بكرة أبيهم وأبيه.
ليس من - حرامٍ - أعظم من هذا الحرام. وليس من – إضرابٍ – سورياليّ، أكثر سورياليّةً من هذا الإضراب، يقوده أرباب السرقة والفساد والنهب والقتل والتدمير والإرهاب والبلطجة والعربدة والابتزاز والاستكبار و- (الشرمطة) – السياسيّة والوطنيّة.
وهو إضرابٌ – يا للجآمة (الوقاحة المطلقة) – ينفّذه المجرمون أنفسهم، وفي إشرافهم، وتحت رعايتهم.
ليس من مشهدٍ – مسرحيٍّ – يوازي هذا المشهد الذي هو ذروة اللقاء بين الواقعيّة المريضة والسورياليّة المريضة. وليس من - مسرحيّةٍ – توازي هذه المسرحيّة. وليس من إضرابٍ يوازي في – (شرمطته) – هذا الإضراب. وليس من حراميّةٍ في الكون كلّه، في الواقع وفي الافتراض، يوازون هؤلاء الحراميّة (الشراميط).
وإذ أتوجّه باعتذارٍ علنيٍّ مدوٍّ حيال مَن يمتهنون "الشرمطة"، انطلاقًا من احترامي الإنسانيّ لهم، باعتبارهم شرفاء ومكافحين – بشرف - من أجل لقمة العيش، فإنّي أعرب عن الخجل العميق جدًّا من اضطراري إلى استخدام هذا الأسلوب الذي قد يخلو من الوقار واللياقة، لوصف ما آلت إليه أحوال البلاد، وما انتهى إليه ساستها، وقادتها، وما آلت إليه أحوال السياسة في لبنان.
أكتب هذا المقال، وبودّي لو أتمكّن من القبض على هؤلاء الحراميّة الذين يسرقون لبنان ويستولون على مصيره، لأزجّ بهم، معًا وفي آنٍ واحدٍ، في "المقرّ" الجماعيّ الوحيد الذي يستحقّونه، كسجنٍ يمضون فيه حياتهم الباقية.
هذا التمنّي غير الموقّر، ربّما ليس على قدر ما ينبغي أنْ ينزل بهؤلاء الحراميّة من قصاصٍ عادلٍ ورحيم، وأنا أراقب إضرابهم المشين هذا. لعنة الله عليهم أجمعين. ولعنة الله - أيضًا ولا سيّما - على كلّ مَن لا يزال يرفع رايةً لهم.
[email protected]
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم