الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الكلمة الفصل للانتشار اللبناني

ارشيف النهار
ارشيف النهار
A+ A-
 
د. ميشال الشمّاعي
 
ما زال المجتمع الدولي يصرّ على الأكثريّة الحاكمة في لبنان، لدفعها نحو تشكيل السلطة السياسيّة عبر حكومة واضحة الأهداف والمهامّ. فيما تستعِر الخلافات بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهوريّة أكثر على وقع عدم تجاوب الحريري لمطالب عون في الوزارات، ولا سيّما تلك التي تعدّ دسمة لا السياديّة. إضافة إلى التزام عون مع حزب الله الذي بات مرفوضاً من المجتمع الدولي، وحتّى مشاركته في السلطة السياسيّة مرفوضة دوليّاً، ما يعقّد أكثر الملفّ الحكومي.
في هذه الأثناء، ووسط هذه المعمعة السياسيّة، بات أكثر من نصف الشعب اللبناني في حالة فقر. وما من أحد يهتمّ بمصالح الناس واهتماماتها التي باتت لا تتعدّى " المنقوشة بزعتر". فالنّاس جائعة، وجلّ همّها اليوم أن تؤمّن قوتها اليوميّ كي لا نصبح مثل الشعوب التي قرّرت عزل نفسها، سواء أكان في إيران، أم سوريا، أم حتّى فنزويلا وغيرها من البلدان، لمواجهة الليبراليّة بالمزيد من التشدّد والديكتاتوريّة، أكان تحت ستار تيوقراطيّ أم اشتراكي. 
أمام هذا الواقع، يبدو أنّ السلطة السياسيّة في لبنان قد حسمت أمرها في المواجهة الأمميّة، وقرّرت ألا تحفظ رأس اللبنانيّين عند تبدّل الأمم، بل على العكس قرّرت زجّهم وسط هذه اللعبة التي على ما يبدو لن يسلم منها أحد. لذلك ستبقي لنفسها هامشاً للمناورة مع المجتمع الدولي، إذ قد تسعى لفضّ قضيّة التشكيل بأخذها من الحريري وبعدم توقيعه ما يبرّئ ذمّته أمام المجتمع الدولي، وما يسمح لهذه السلطة بالاستمرار في الحكم بانتظار التبدلات الكبرى في الإقليم.
أمّا جوع الناس فمختلف عن جوع السلطة. هؤلاء الناس الذين باتوا يطالبون اليوم بمنقوشة زعتر لا يكادون يتحملون عبء شرائها. ونحن بتنا في فصل الشتاء حيث الثلج يصنع معاطف الصغار، وصدح أصوات الرعود يعزف موسيقى الكهول، والبروق تنير وحدة غربتهم في وطنٍ ينتظرون موته قبلهم ليحيوا. مشهديّة الليل هذه تطوّق الناس، حيث تعلو صرخات الأوجاع والآلام التي تقضّ مضاجعهم الآمنة. 
وسط ذلك كلّه، لا إصلاحات ترجى مع هذه الطغمة الحاكمة. لذلك، علينا رصّ الصفوف وتكثيف الجهود تجاه مجتمعنا لتأمين القدر الأكبر من المساعدات الإنسانيّة، ولا سيّما أنّ يد الخير لم تُقطَع بعد. لقد بات أكثر من نصف الشعب اللبناني في حالة فقر أليم، كي لا نقول مدقعاً. ولا ينتظرَنَّ أحد الأيادي السحريّة التي ستهبّ من الغرب أو من الشرق للمساعدة. لن يحكّ جلدنا إلّا أبناء جلدنا، فللانتشار اللبناني دور كبير جدّاً في المساهمة بمعركة الصمود الاجتماعي والمقاومة السلميّة. لذلك مطلوب تكثيف الجهود في الانتشار لتأمين أبسط مقوّمات هذه المعركة، التي تحوّلت من معركة اجتماعيّة - اقتصاديّة عابرة إلى معركة وجوديّة كيانيّة تطال الوطن في كيانه.
لكن على اللبنانيّين الذين قرّروا الصمود ورفضوا خيار الهجرة، أو قل بأنّهم رفضوا تحوّل الهجرة إلى قدر لا إلى خيار إراديٍّ، عليهم التعاضد الاجتماعي أوّلاً لدرء الانشقاقات والفتن داخل البيت اللبناني المتصدّع أصلاً، الذي لا يحتمل أيّ صدع داخليّ؛ إذ يكفيه ما طاله من تصدّعات خارجية نتيجة الالتزامات الأيديولوجيّة العابرة لحدود الـ 10452 كم2، والخارجة عن الكيانيّة اللبنانيّة التي ألزمه بها حزب الله المفترض به ألّا يخرج من حدود الالتزام السياسي اللبناني. 
من هذا المنطلق، يبدأ الحلّ من البحث عن كيفيّة صدّ جوع الناس. ويجب عدم الاكتفاء بالمساعدات الإنسانيّة فقط، بل يجب البحث عن كيفيّة معالجة الأسباب لا الاكتفاء فقط بكيفيّة التعامل مع النتائج. وذلك لن يكون إلّا من خلال حثّ هذه الأكثريّة الحاكمة على تحمّل مسؤولياتها الوطنيّة، انطلاقاً ممّا تبقى لها من حسّ وطنيّ. وفي حال استمرارها بالتعنّت والرفض، نصبح أمام إلزامها بالتنحّي، لأنّها على ما يبدو لن تسير في الطرق الديموقراطيّة، لأنّها مدركة سلفاً أنّ الديموقراطيّة ستنزع منها ما تمكّنت من سلبه بوساطتها منذ سنين، عندما نجحت بالالتفاف على القوانين وبتعطيل الدستور نتيجة لرفض أغلبيّة اللبنانيّين ممارسة حقوقهم الطبيعيّة.
لذلك كلّه، نحن أمام خيارين لا ثالث لهما:
- الالتزام الأخلاقي الوطني بالدولة والمؤسسات، والعمل على إسقاط هذه السلطة من الداخل تزامناً مع ضغط الناس الجائعة من الشارع اللبناني الثائر. 
- الانقلاب الناعم الذي قد تنجح بقيادته حكومة معارضة من خارج الحدود اللبنانيّة، لأنّ مبدأ القوّة غير الشرعيّة قد أسقط قوّة القانون والمؤسسات.
ولن يستطيع لبنان المقيم وحده العمل لتحقيق أيّ من هذين الخيارين، لذلك المطلوب هو الكثير من لبنان الانتشار الذي تبقى له الكلمة الفصل قبل فوات الأوان، إذ قد يعودون إلى وطن لا يشبه ذلك الذي رحلوا عنه. 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم