الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

القانون الموحّد للأحوال الشخصية أولويّة

من التظاهرات أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى (أرشيف "النهار").
من التظاهرات أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى (أرشيف "النهار").
A+ A-

منظّمة "كفى"

بقلم الصحفيّة مريم سيف الدّين 

 

من الضروري والملحّ، اليوم، إقرار لبنان قانوناً موحّداً للأحوال الشخصية يحقق المواطَنة والعدالة والمساواة. وإن كانت الحقوق غير محتاجة إلى مناسبة أو ظرف لإقرارها، إذ يجب أن تكون دوماً بوصلة المشرّع، وحتى إن دخلنا بمنطق الأولويات، فإنّ إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية يشكّل الآن أولوية من نواح عديدة: حقوقياً، ولمواجهة الأزمة الاقتصادية، ولإسقاط النظام الطائفي المنتج للأزمات، وللسماح بمشاركة المرأة في صنع القرار، ولتعزيز المواطنة ومنطق الدولة فيما تتحلّل مؤسساتها.

 

لكن على العكس من المفترض، تسعى السلطة اللبنانية لفرض خطاب أولويات يهمّش أيّاً من الحقوق ليتناسب ومصالحها، ويقنع المواطنين بالتنازل عنها بحجج واهية. فيتهرّب النواب من واجبهم في خضمّ الانهيار الاقتصادي، ويمتنعون عن سنّ القوانين التي ترسّخ الحقوق وتؤمّنها لأصحابها، للحدّ من وحشية الأزمة على أولئك الذين ستسحقهم.

وإن كانت الأزمة المالية حجّة السلطة لعدم تشريع الحقوق، ففيما تشتدّ هذه الأزمة وتفتك تداعياتها بالفئات الأكثر تهميشاً، وبالنساء أكثر من الرجال، يصبح من الضروري الحدّ من تأثيرها على هذه الفئات، عبر التشريعات التي تمنح الحقوق لأصحابها وتحمي الأضعف. إذ لا تنفصل القضايا المعيشية عن الأحوال الشخصية التي تتحكم بطرق عيش وبمعيشة الأفراد، وتحديداً النساء.

 

العنف الاقتصادي في صلب القوانين الطائفية

فاليوم تعاني النساء أكثر من الرجال من تداعيات الأزمة المالية، بعدما مارس النظام وقوانين الأحوال الشخصية عليهنّ لعقود عنفاً اقتصادياً هائلاً. وبتن يعانين حتى في الحصول على القليل الذي منحته هذه القوانين لهنّ مقابل إخضاعهنّ.

 

فمثلاً تعاني كثيرات من عدم تنفيذ قرارات النفقة. وبسبب انتشار فيروس كورونا، فقدن إحدى وسائل الضغط المتمثلة بعقوبة السجن التي ما عادت تنفذ بحق المخالفين. والأسوأ أنّ قيمتها تراجعت أصلاً بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. أما الأخطر فهو اتجاه معدلات تزويج القاصرات للارتفاع، مع ما ينجم عن ذلك من عنف، وخطورة منحى الاتِجار بالفتيات الذي تتخذه هذه الظاهرة خلال الأزمات. ما يؤكد الحاجة الفورية لإقرار قانون أحوال شخصية يحمي النساء والأطفال والمجتمع.

 

وحتى إن ناقشنا خطاب السلطة، فعندما نتحدث اليوم عن ضرورة إلغاء الطائفية السياسية نظراً للويلات التي جرّتها على لبنان، فإنّ إلغاءها مرتبط حكماً بإقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية. قانون الدولة لا قوانين الطوائف. إذ لا يمكن إلغاء الطائفية السياسية من دون إلغاء الطائفية المجتمعية، ومن دون اعتياد اللبناني على ممارسة المواطَنة في حياته الأسريّة.

كذلك هو الحال بشأن ضرورة مشاركة المرأة في الحياة السياسية وفي صنع القرار، مشاركة فاعلة لا صورية. إذ تخضعها قوانين الأحوال الشخصية الطائفية لسلطة الرجل، وتجبرها على طاعته تحت طائلة العقاب والانتقام منها إن رفضت، ما يمنعها من التقدم كصاحبة قرار. فلا يمكن تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، والسماح لها بالوصول لموقع القرار فيما تخضعها القوانين لطاعة الرجل، صاحب السلطة داخل المنزل.

فوحده القانون المدني للأحوال الشخصية قادر على إشراك المرأة في صنع القرار داخل العائلة. ما يخرجها عن وصاية الذكر ويجعلها في موقع مساوٍ له، فيدفعها أكثر باتجاه الشراكة في مختلف المواقع على صعيد المجتمع. لتصبح المرأة صانعة قرار، بعد أن تتحرر من قيود القوانين الطائفية التي تتفرّغ لقمعها.

 

القوانين الطائفية تعتدي على القضاء المدني

وبينما يفترض أن تفرض الدولة سلطتها، وأن لا تترك مواطنيها تحت رحمة ومزاجية السلطات الطائفية التي تراعي مصالحها فقط، تمادت قوانين الأحوال الشخصية الطائفية بالاعتداء على القوانين والقضاء المدني، واستولت على مساحته. فما عادت تقتصر سلطتها على مسائل الزواج والإرث، وتجاوزتها لتمنع الدولة من سنّ تشريعات تتوافق ومصلحة مواطنيها والتزاماتها الدولية، ومنعتها من حماية أطفالها. كما عرقلت القوانين الطائفية قرارات القضاء المدني، وكأنّ قضاء المحاكم الشرعية أقوى من قضاء الدولة صاحبة الشرعية.

بل باتت المحاكم الطائفية عائقاً أمام تطوير القوانين، تعرقل أيّ محاولة لحماية أفراد الأسرة. وتجلّى ذلك بوضوح عندما لم تسمح السلطات الطائفية بإلغاء المادّة 522 من قانون العقوبات بالكامل. خشية أن يتعارض ذلك مع مصالح الطوائف التي تبيح تزويج الطفلات. وبقي من يجامع قاصراً مُعفىً من العقاب والملاحقة إن تزوّجها.

وفي الرد على السلطة أيضاً، لم يعد من المجدي الدخول في لعبة النفوس قبل النصوص. اللعبة التي تلجأ إليها للتهرب من واجباتها. وكأن المشرّع خاضع لمزاج السلطات الدينية، بدل أن يكون سلطة ترسّخ الحقوق وتشرّع وفق مصلحة المواطن. إذ يملي الواجب على من يعمل بالتشريع أن يستبق المشكلات، وأن يمتلك بُعدَ نظر فيشرّع لما فيه صالح الأجيال القادمة، وأن يساعد الناس على تطوير تفكيرها، وأن يعتمد في التشريع على حقوق الإنسان مرجعيةً وحيدة تجمع بين أفراد المجتمع.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم