الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كيف نجح الأردن في التعامل مع التحدّيات التي فشل أمامها لبنان؟: المسألة الفلسطينية

المصدر: "النهار"
منى فياض
صورة للملك الأردني عبدالله الثاني (أ ف ب).
صورة للملك الأردني عبدالله الثاني (أ ف ب).
A+ A-
شكّل احتلال فلسطين تحدّياً للبلدين الصغيرين، الأردن ولبنان، لاستقبالهما مئات آلاف اللاجئين نتيجة الاحتلال الصهيوني.
 
أصبحت أغلبيّة سكّان الأردن من الفلسطينيين الذين أجبروا على النزوح من ديارهم أوّل مرّة من فلسطين في العام 1948، فاستطاع استيعاب اللجوء بحكمة وذكاء، وساعده الاندماج السكاني التاريخي بينهما، بالإضافة إلى أن معظم الوافدين إليه كانوا أغنياء عموماً ومتعلّمين، فساهموا في نهضة الأردن.
 
حصل اللجوء الثاني من الضفة الغربية، بعد أن اشترك الأردن في حرب 1967، انطلاقاً من التزامه بالمصلحة العربية، فخسر القدس وغور الأردن. وفور انتهاء الحرب، نقل الفدائيّون الفلسطينيون، بقيادة منظمة التحرير، قواعدهم العسكرية إلى الأردن، في الفترة بين 1967 إلى 1968 وصعّدوا الأعمال العسكرية ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي. وزادت الدول العربية في دعمها المادي والمعنوي للفدائيين.
 
نشطت القوات الفدائية الفلسطينية بمعزل عن النظام الأردني، ودون أي تنسيق معه، ما جعلها أشبه بدولة داخل الدولة، فارتفع منسوب الغضب في الأوساط الأردنية. شهد العامان 1970 و1971 صراعاً وتوتراً دامياً في العلاقة بين السلطات الأردنية والمنظمات الفلسطينية، قبل أن تأتي أحداث استثنائية في العام 1970 ويأمر الملك حسين جيشه بالدخول في مواجهة شاملة مع المنظمات الفلسطينية، في "ميني" حرب أهليّة يكاد يُجمع الكلّ على أنها كانت معركة من أجل البقاء.
 
انتهت المواجهة بإخراج الفصائل الفلسطينية من الأردن وانتقالها إلى لبنان وتعزيز قواعدها فيه، وبدأوا بشنّ هجماتهم على إسرائيل ممّا سمّي "فتح لاند".
 
وبينما استطاع الملك حسين أن يستوعب ما حدث في أيلول الأسود، ويؤمّن الاستقرار للأردن ويحفظه، تسبّب نفس الامتحان بانقسام لبنان، وأدخله في حرب أهليّة لم يخرج من تداعياتها ونتائجها حتى الآن.
 
اللجوء الفلسطيني الأول إلى لبنان في العام 1948، على عكس الأردن، شكّل عبئاً على السكّان بسبب دقّة التوازن الطائفي، ولما نتج عنه من هجرة جنوبيّة فلاحيّة تجاه بيروت، أشعرتهم بالتهميش والحرمان، الذي أضيف فوق الحرمان الذي عانوه مع السلطنة العثمانية... وظهرت إثر ذلك حركة موسى الصدر الذي نظّم الشيعة فأنشأ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتشكّلت حركة المحرومين.
 
وكانت هذه إحدى قواعد الاشتباك التي ستظهر نتائجها لاحقاً.
 
أما الدخول الفلسطيني الثاني إلى لبنان فكان مسلّحاً، إثر قبول المفاوض اللبناني باتفاق القاهرة في العام 1969، وسمح للفلسطينيين – السنة في بلد الطوائف - بحق العمل العسكري من جنوب لبنان، مع ما عناه من رمي ثقل القضية الفلسطينية على أصغر بلد عربي، فأدّى إلى الخلل الكبير الثاني واندلعت الحرب الأهليّة.
 
نتج عن فتح جبهة الجنوب الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، وسط رفض سكّانيّ لممارسات الفلسطينيين التسلطيّة، ولو بدرجة أقلّ من تسلّط حزب الله الحالي، ما جعل السكّان يستقبلون الإسرائيلي بالأرز، قبل أن يتحوّلوا إلى مقاومته.
 
ما كان للحرب الأهليّة أن تندلع لولا خط الانقسام اللبنانيّ الداخليّ الذي يجعل من المسلمين ميّالين إلى القضايا العربية، فرحّبوا بالسلاح الفلسطيني، بينما يميل المسيحيون إلى الغرب وفرنسا خصوصاً. اختلّ التوازن الهشّ بين الطوائف، ووضع الفئتين في مواجهة بعضهما البعض.
 
ارتكز هذا الانقسام أيضاً على خلل إضافي إلى الانقسام السياسي، وهو وجود انقسام أو صراع آخر على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي؛ وذلك على خلفية جمود النظام اللبناني الذي أوصلت إليه ممارسات المارونية السياسية التي رفضت التخلّي عن أيٍّ من امتيازاتها عشيّة الحرب الأهلية.
 
هذه الانقسامات تجعل الطوائف المتنازعة تلجأ إلى تحالفات مع طرف خارجيّ على حساب أو ضدّ الطرف الداخلي الخصم، فمررنا بأزمنة سياسية مختلفة (الناصرية، الفلسطينية، السورية، الإسرائيلية، السعودية والإيرانية الآن). يُسمح للخارج بوضع يده على السلطة السياسية، (خاصة عندما يترافق ذلك مع السلاح كحالة الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين) مقابل منافع سلطويّة ومصالح فئويّة. لكن الاستعانة بجيش النظام السوري كان إيذاناً بالخراب العظيم الذي دخلت بواسطته إيران.
 
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّه في كلّ مرّة ابتعد فيها لبنان عن الحياد الضمنيّ، الذي مارسه المؤسّسون الأوائل في التأكيد على دور لبنان كصلة وصل بين الغرب والشرق، وكفله ميثاق 1943 الوطني، دخل في صراعات داخليّة وعنف أهليّ.
 
عندما نعاين موقع الأردن بين دول مجاورة ذات خصوصيات تنعكس على وضعه الداخلي وتوازناته واستقراره بأشكال مختلفة، تتعلق بالحقبة التاريخية من ناحية، وبخصوصية النظام المجاور من ناحية أخرى، نرى أنّها أدّت في بعض المراحل إلى دخول الأردن الجبهات القتالية المفتوحة التي لم ينتج عنها سوى خسارة الأرض وهزائم الجيوش وإظهار ضعف قدرة الدفاع عن الذات وحفظ السيادة.
 
وبالرغم من الصعوبات التي يعانيها، ظلّ الأردن بعيداً من المخاطر والعنف الذي تعرّض له بعض البلدان المجاورة له كسوريا والعراق ولبنان.
 
لا نستطيع أن نُرجع ذلك سوى إلى السياسات التي أرساها الملك حسين، الذي اختار، كبديل عن بلاغة خطابات المواجهة وادعاءاتها الكلاميّة في معظم الأحيان، اعتماد سياسات مختلفة تتّسم بالاعتدال وتعمل على المعاهدات الأمنية والتسويات لتهدئة الأمور سلمياً، كمثل قرار التخلّي عن الضفة الغربية بدل المواجهة مع السلطة الفلسطينية. وهو بهذا يعرقل خطط إسرائيل بالتخلّص من إقامة دولتين بواسطة إيجاد وطن بديل للفلسطينيين.
 
لكن إدخال لبنان في خضم الصراعات، شكّل منذ مطلع السبعينيّات حلقات عنف متجدّدة، ولم يتحوّل إلى المواجهة والعدائيّة مع نظام المصلحة العربية إلا بعد هيمنة إيران عليه. أدخلته مشاركة حزب الله، كتابع للحرس الثوري يتصرف باسم الطائفة الشيعية، في الحروب لصالح تمكين النظام الإيراني الذي لم يدخل بلداً إلا وخربه، من سوريا إلى اليمن مروراً بالعراق. أصبح لبنان بلداً معتدياً على الجوار. لكن ذلك تسبّب بخرابه وانهياره غير المسبوق.
 
الفرق بين الأردن ولبنان أن الحكم في الأردن يحظى بشرعيّة تاريخيّة لا تسمح بوضعه موضع تساؤل عند أيّ أزمة، بينما العكس في لبنان، إذ يوضع النظام موضع تساؤل عند كلّ منعطف، بدل ممارسات الهيمنة بدلاً لصالح الخارج. ذلك أن أطماع زعماء الطوائف تجعلهم يمعنون في تأجيج العصبيات المذهبية والطائفيّة خدمة لمصالحهم، ضاربين عرض الحائط بمصلحة الدولة اللبنانية والنظام العربيّ.
 
وفي حين عمل الملك حسين على تغليب المصلحة العربية في لحظات الخطر الكبرى كدخول حرب 1967 (خسارته الضفة للوقوف مع مصر)، من ضمن سياسة تغليب التناقض الأساسي على التناقض الثانويّ، مع ممارسة الحياد عموماً؛ مُنِع لبنان من ممارسة الحياد والالتزام بالمصلحة العربية العليا، وأصبح رهينة شعارات تحرير القدس الفارغة من أيّ مضمون. لم ينتج عن كلّ هذه المقاومات المتناسلة سوى الانهيار التام الذي نعيشه، باسم الكرامة والقضية، من دون حصول أيّ تقدم في ما يخصّ القضية الفلسطينية، بل العكس!
 
فأيّ فائدة استراتيجية نتجت عن تدمير لبنان تحت شعار تحرير فلسطين، سوى خراب لبنان وفلسطين لصالح تمكين إسرائيل وهيمنة إيران؟
 
نُشر أيضاً في موقع الحرة
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم