لا منقذ ولا مدير أزمة بل رئيس يحافظ على الدستور

غسان صليبي

لم أكن أتوقّع أن ينجح الرئيس عون إلى هذا الحدّ في تعميم "مفهومه" للرئاسة على حلفائه وخصومه على حدٍّ سواء. فهو حمل معه إلى رئاسة الجمهورية دعوة "الإصلاح والتغيير"، وها هو يقول للبنانيين قبل مغادرته قصر بعبدا إنه وضع خريطة طريق لخلفه وما عليه سوى سلوكها حتى يستكمل ما بدأه هو.

في ممارسته للسلطة مشى عون على هدي "مفهومه" للرئاسة، فأعطى نفسه صلاحيات توازي صلاحيات الرئيس في الدستور السابق، مخالفاً الدستور الحالي، ومارس التعطيل عندما لم يستطع ذلك.

معظم الأطروحات التي تتكلّم عن مواصفات الرئيس القادم، تريده إمّا منقذًا وإمّا مدير أزمة، وتتبنى بذلك مفهوم عون للرئاسة. الصفتان المتناقضتان، لم يلحظهما الدستور اللبناني، الذي لا يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات، لا لإدارة الأزمة ولا لإنقاذ البلاد.

فلندقق في ما يقوله الدستور.

تقول المادة 49: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرئس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء".

تؤكد المادة 50 أنه "عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم عليه أن يحلف أمام البرلمان يمين الإخلاص للأمة والدستور بالنص الآتي: "أحلف بالله العظيم أني احترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه".

ويضيف الدستور أن "لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى".

أما المادة 53 فتنص على أن "رئيس الجمهورية يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت".

رئيس الجمهورية هو إذاً جزء من السلطة الإجرائيّة التي وضعها الدستور بيد الحكومة مجتمعة، وإذا ترأّس اجتماعها، فلا يحق له التصويت. الصلاحيات الرئاسيّة التي نصّ عليها الدستور تترجم هذه القاعدة العامة، التي تلزمه المرور عبر مجلس الوزراء أو مجلس النواب ليكون لرأيه تأثير. فكيف يمكنه في هذه الحالة أن يكون منقذًا أو مدير أزمة؟

لكن في المقابل، كلّفه الدستور مهمتين أساسيّتين تحتضنان جميع الصلاحيات وتجعل ممارستها ممكنة: "احترام الدستور" و"الحفاظ على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقًا لأحكام الدستور". تظهر خصوصية هاتين المهمتين في النص الدستوري عندما يقول إن لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته "إلاّ عند خرقه للدستور أو في حال الخيانة العظمى". للأسف تغاضى الرئيس عون عن هاتين المهمتين الأساسيتين وانشغل بالمسائل التي لا يكلّفه إيّاها الدستور.
على ضوء ذلك كلّه، يمكنني أن أقول إن مواصفات الرئيس يجب أن تتمحور حول "قدرته على احترام الدستور والحفاظ على الاستقلال". وفي هذا السياق، تبدو المطالبة بأن يكون للرئيس برنامج سياسي- اقتصادي – مالي – اجتماعي، أو أن يكون ترشيحه من مجموعات النواب على هذا الأساس، هي في الواقع غير ذات معنى دستوريًّا، إذ لا صلاحيات له في هذه المجالات. الأخطر من ذلك، أن الإصرار على وجود برنامج كهذا، ووضعه كشرط لتأييد المرشّح أو لعقد تحالفات دعمًا لهذا المرشّح أو ذاك، يصعّب الإتفاق على شخصيّة ويزيد احتمال انتخاب مرشّحي السلطة الحالية. وقد تمظهر هذا الموقف إثر اجتماع بعض النواب "السياديين" و"التغييرين" و"المستقلين"، إذ جرى انتقاد هذا الإجتماع على أساس غياب معايير تنطبق أكثر على عقد تحالفات ذات توجّهات سياسيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة عامة، وليس على تحالفات تتوخّى الاتفاق على رئيس للجمهورية، أهميته تكمن في مهمتين رئيسيتين، حددهما الدستور.

أعتقد أن كل واحدة من هاتين المهمتين تشكل أولوية إما عند "السياديين" وإما عند "التغييريين" و"المستقلين". "السياديون" و"المستقلون" يهمهم انتخاب رئيس يحافظ على الاستقلال ويفك تبعية البلاد للنظام الإيراني. "التغييريون" يهمهم احترام الدستور كممر ضروري لإحداث تغيير في لبنان. فهو من جهة ينص على الآليات الديموقراطية للتغيير التي تعطلها السلطة الحالية، ومن جهة ثانية يفتح الباب من خلال نصوصه، على معالجة المسألة الطائفية، وعلى تطبيق اللامركزية الإدارية. المسألتان في صلب معظم مشاريع التغيير على المستوى السياسي. هاتان المهمتان الرئيسيتان لرئيس الجمهورية، من المفترض أن يسهّلا التلاقي بين "التغييريين" و"السياديين" و"المستقلين".

لا شك أن لقاء جنبلاط و"حزب الله"، يصعّب هذا التلاقي أو يضعف تأثيره، وخصوصًا أن جنبلاط يميل إلى إنتخاب رئيس يمثّل الحد الأدنى من التوافق ولا يكون استفزازياً لأحد. فيما "حزب الله"، وعلى لسان المعاون السياسي لنصرالله، يرى أن "رئاسة الجمهورية هي جزء من خطة إنقاذ البلاد". وبما أن أي خطة لإنقاذ البلاد يسعى اليها "حزب الله" ستكون على حساب استقلال البلاد وديموقراطيتها الدستورية، فإن الرئيس المرجو انتخابه في هذا السياق، سيكمل حتماً "خريطة الطريق" التي نفّذها عون وأدت إلى الإنهيار الذي نشهده اليوم. الربط بين شخصية الرئيس وخطة انقاذ البلاد، يساعد "حزب الله" على فتح بازار سياسي أمام المرشحين الموارنة الكثر، الذين يتطلعون إلى "تفاهم مار مخايل" بحلّة جديدة.