فلنقف مع نقابة الممرضات والممرضين من أجل إنقاذ القطاع التمريضي

غسان صليبي
 
الثلثاء الساعة الحادية عشرة في المراكز كافة وعلى جميع الأراضي اللبنانية، وقفة مطلبية للممرضات والممرضين دعمًا لمطالبهم.
 
في الأمس القريب، مع بدايات كورونا، وقفنا على الشرفات وصفقنا للطاقم الطبي عربون شكر، لأنه كان يدافع عنا في مواجهة الوباء، معرّضاً أفراده وعائلاتهم لخطر الموت أو المرض.
 
منذ ذلك الوقت، تدهور وضع القطاع الصحي بشكل مخيف. واجهت المستشفيات صعوبات جمة في تأمين مستلزماتها الطبية، وفي الاتفاق مع شركات التأمين ومع الضمان الاجتماعي على التسعيرات وعلى طريقة الدفع. الأطباء يهاجرون الواحد تلو الآخر، أما الممرضات والممرضون، فقد صُرف بعضهم وهاجر منهم الكثيرون، والنزيف مستمر. والباقون يمارسون مهنتهم في أصعب الظروف المعيشية. فقد تأكلت معاشاتهم، المتدنية أصلاً، وبالكاد اصبحوا قادرين على تحمل تكاليف الانتقال إلى عملهم. صحيح أن القطاع الصحي كله يمر بصعوبات، لكن المتضررين الأوّلين هم، بدون منازع، الممرضات والممرضون.
 
لمناسبة العيد العالمي للممرضات والممرضين، سبق لي أن كتبت: "بالفرنسية كلمة infirmier-e تعني ألا تكون حازماً لا معنوياً ولا جسدياً، أي أن تكون متساهلاً رقيقاً، وهو ما يمكن تسميته العلاج بالرقة. بالإنكليزية كلمة nurse تعني إطعام أو تقديم كل ما هو ضروري للنمو والصحة، وهذا ما يمكن تسميته العلاج بالتغذية.
بالعربية وحدهم الممرضون لا المستشفى ولا الطبيب يحتضنون في اسمهم المرض والمريض. وحدهم، لا المستشفى ولا الطبيب، يواجهون المرض بأجسادهم وبأيديهم العارية، ويخففون بلمسات أرواحهم من أوجاع المريض ومن شعوره بالخوف والوحدة. وحدهم، لا المستشفى ولا الطبيب، يسهرون بدون انقطاع على صحة المريض، والصحة أغلى ما عند الإنسان. لكن وحدهم أيضا لا المستشفى ولا الطبيب يتقاضون أجراً متواضعا، وكأن الصحة هي أرخص ما عند الإنسان.
عيدهم هو عيد الصحة، ومهنتهم كما الأمومة، شهادة حياة بأن صحتنا هي من صحة الآخرين".
 
نعم، القطاع الصحي كله في خطر، لكن القطاع الصحي مراتب، على مستوى الصلاحيات وعلى مستوى الأجور والمداخيل. في رأس الهرم، يوجد أصحاب المستشفيات والعيادات. في نصفه يوجد الأطباء. وفي أسفله يوجد الممرضون والعاملون الآخرون. هذه الترابية تنعكس على النفسيات أيضاً وفي طبيعة العلاقات داخل المستشفيات.
 
نعم، صوت الممرضات والممرضين ليس مسموعاً كما يجب، وهم في أحيان كثيرة لا يقدّرون أهمية صوتهم، متأثرين نفسياً بموقعهم السفلي في التراتبية الثلاثية، أو خائفين من ردود فعل أصحاب المستشفيات والأطباء.
 
لكن نقابة الممرضات والممرضين لا ترضى ألا يكون لها صوتها المسموع بكل احترام، فقررت أن تُسمع صوتها عالياً وأن تقول "بالصحة مش لازم يصح إلا الصحيح، معاً لإنقاذ القطاع التمريضي"، ودعت، في سياق حملة تنظمها، إلى وقفة مطلبية تحت هذا الشعار، يوم الثلثاء الساعة الحادية عشرة في المراكز كافة وعلى جميع الأراضي اللبنانية.
 
قالتها بوضوح رئيسة النقابة الدكتورة ريما ساسين في رسالتها عبر الفيديو إلى أعضاء النقابة: "لازم نعلّي صوتنا تيكون مسموع، كنا دايما ندافع عن الناس والمرضى، إجا دورنا تندافع عن حقوقنا بالتفاوض مع شركائنا".
 
مطالب النقابة عديدة، تطال تحسين شروط العمل وبيئته، تفعيل خدمات صندوق التعاضد، تعزيز كفاءة الممرضات والممرضين، تحصيل خدمات اجتماعية وحوافز، وضع معايير لتعليم التمريض الجامعي والمهني ومراقبة تطبيقها، وضع المراسيم التطبيقية لقانون مزاولة مهنة التمريض في لبنان، تعزيز الوعي حول مفهوم دور العمل النقابي، تعزيز صورة المهنة ومكانتها، المشاركة الفعلية في رسم السياسات الصحية.
 
تطرح النقابة مطالبها وتدعو نقابة المستشفيات للتفاوض عليها والاتفاق على عقد جماعي يراعي مصالح جميع الأطراف ويساهم في إنقاذ القطاع. وتمنت على وزارة الصحة أن ترعى هذه المفاوضات وأن تساهم في إنجاحها، كما طالبت من خلال اتصالها ببعض الوزارات، بتخصيص جزء مما توفر من أموال صندوق النقد (نحو مليار ومليوني دولار أميركي)، لدعم القطاع الصحي.
 
بعض المستشفيات بدت متعاونة مع الدعوة إلى الوقفة، وبعضها الآخر رفض مشاركة الممرضات والممرضين في وقفتهم.
 
النقابات الأخرى وهيئات المجتمع المدني لم تعبّر بعد عن موقفها من الوقفة، وهي مدعوة للتعبير عن دعمها.
 
لقد صفقنا لهم عندما كانوا يدافعون عنا، فهل نصفق لهم وندعمهم عندما قرروا الدفاع عنا وعن أنفسهم؟