الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف نواجه عصابات السلطة؟

المصدر: "النهار"
قطع طرق في بيروت في "خميس الغضب" (نبيل اسماعيل).
قطع طرق في بيروت في "خميس الغضب" (نبيل اسماعيل).
A+ A-
غسان صليبي

سألني احد الاصدقاء: ألاحظ انك عندما تكتب في السياسة، وحتى تستطيع أن تفهم ما الذي يجري عندنا، تلجأ إلى علم الاقتصاد، علم السياسة، علم الاجتماع، علم النفس، علم الجغرافيا السياسية، علم الثورات والانتفاضات. ايّ علوم في رأيك هي الأجدى لفهم حالتنا اللبنانية؟
وجدتني اجيبه بسرعة لم أكن أتوقعها: انسَ هذه العلوم، وانسَ محاولاتي السابقة. فقد دلت التجربة منذ الانتفاضة، ان لا جدوى منها إذا اردنا فهم ما تقوم به السلطة الحاكمة، ومواجهتها. علينا باللجوء إلى علم العصابات لنفهم ونواجه، فلا سياسة عندنا ولا سياسيين، بل عصابات.

- لماذا تسمّيهم عصابات؟

- افتح القاموس وأقرأ ماذا تعني كلمة عصابة فستجد "العِصَابَة: مجموعة منظَّمة من المجرمين. هم جماعة من الناس يقومون بالسطو على الناس. هم جماعة من الناس يقوّي بعضهم بعضًا."

الا تشبه الجماعات السياسية عندنا العصابات، بممارساتها، وتعاضداتها؟ فهم يقتلوننا ويسرقوننا مخالفين الدستور والقوانين، وهم أيضاً يتحاربون ومن ثم يتضامنون.

- حسنا، لكن اين يدرّسون علم العصابات هذا حتى نتعلمه؟

- للأسف، لا تتعلمه بالممارسة الا من خلال تحمّل مسؤولية سياسية في إطار هذه السلطة الحاكمة.
- وكيف السبيل إذًا لتعلمه من خارج هذه المواقع؟

- من خلال مراقبة ممارسات هذه السلطة ودراسة ما تقوم به العصابات في أميركا وإيطاليا مثلًا، وكيف تجري مواجهتها من السلطة. الفارق الاساسي ان العصابات هناك خارج الحكم، اما عندنا فهي التي تحكم.

- إذًا علينا دراسة كيفية مواجهة العصابات الشرعية.

- انسَ كذبة الشرعية هذه، فلا شرعية للعصابات. ايّ شرعية لسلطة تدمر عاصمة بلادها وتقتل شعبها؟ ايّ شرعية لسلطة تهرّب اموالها وتغطّي سرقة المصارف لأموال المودعين محجمةً عن اقرار قانون الكابيتال كونترول بحجج واهية؟ أكثر من ذلك، ايّ شرعية لسلطة تناسلت نتيجة العنف الممارس في غزوة بيروت في 7 أيار 2008، فأنجبت حكومات ومجالس نيابية ورؤساء للجمهورية؟ لقد لجأنا الى كل الوسائل لكننا فشلنا لأننا افترضنا اننا نواجه سلطة شرعية. إنها عصابات تحكم. فلنركز على كيفية مواجهة العصابات.

- حسنًا، سأسلّم بما تقول. في هذه الحال، لمواجهة عصابة لا يسعنا إلا أن ندافع عن أنفسنا.
- صحيح.

- بكل الوسائل؟

- بكل الوسائل.

- الوسائل التي يمنع القانون استخدامها أيضًا؟

- استخدمت الانتفاضة الوسائل السلمية القانونية ولم تنجح. ولم تستطع التحول إلى ثورة، لا فكريًا ولا تنظيميًا ولا أسلوبًا. المجموعات المعارضة المختلفة غير مؤهلة لا للمواجهة العسكرية ولا للمواجهة بأساليب الاستراتيجيا اللاعنفية كما فعل غاندي او مارتن لوثر كينغ وغيرهما، فضلًا عن حاجتنا إلى استراتيجيات لاعنفية مبتكرة في واقعنا اللبناني والإقليمي المعقد، حيث قوى العنف هي بلباس شرعي وبلباس غير شرعي. أمام هذه الانسدادات يتجه الناس نحو التعبير عن غضبهم بعشوائية تامة مع بعض العنف غير الهادف الذي يسعد قلب العصابات. وتستفيد النقابات التابعة للسلطة من هذا الفراغ لتنظم تحركات لا هدف منها سوى التعبئة الحزبية وامتصاص النقمة الشعبية وتضليل الرأي العام وإحباطه، من خلال خلو التحركات من الضغط الفعلي على المسؤولين عن تحقيق المطالب.
- ما العمل في هذه الحال؟

- هل سمعت بالدفاع المشروع عن النفس؟

- سمعت، لكن ما هو بالفعل؟

- كرّس المشترع اللبناني حق الدفاع المشروع عن النفس في المادة 184 من قانون العقوبات التي نصت على ما يأتي: "يعدّ ممارسة حق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرّض غير محقّ ولا مثار على النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه". انصحك بقراءة مقالي عن الموضوع المنشور في جريدة "النهار" منذ نحو السنة تقريبًا.

- الا توجد شروط لممارسة هذا الحق؟

- توجد ثلاثة شروط" اولًا، وجود تعرّض حالي غير محق وغير مثار من المعتدى عليه. ثانيًا، أن يطال الاعتداء النفس أو المال. ثالثًا، أن يكون الدفاع لازمًا ومتلازمًا مع الخطر. الشرطان الاول والثاني متوفران في حالتنا، فهم حاليًا يقتلوننا ويسرقوننا بدون ان نتسبّب نحن بذلك. يبقى أن نجد أشكال الدفاع المتلازمة مع الخطر المحدق بنا.

- تمامًا، وهذه هي المهمة الاصعب: ما هي مثلًا اشكال الدفاع المناسبة والمتلازمة مع سرقة اموالنا من المصارف وما هي اشكال الدفاع المناسبة والمتلازمة مع الاعتداءات العنيفة التي يواجهها المحتجون السلميون؟ لكن على الاقل لدينا نصّ قانوني يمكننا الاستناد اليه، بدل ان يستمر الناس في مواجهات عشوائية يصبحون هم ضحيتها امنيًا وقانونيًا.

- شرط أن يساعدنا المحامون والقضاة في ممارسة هذا الحق في وجه العصابات. لكن من يضمن ذلك؟ الا ترى الهجوم على القضاء؟

- وأرى أيضًا أن الكثير من القضاة ورئيسهم يواجهون بكل شجاعة. يجب الافادة من هذه الصحوة القضائية وملاقاتها بقضايا الدفاع المشروع عن النفس وعن المال. واستشارة محامين وقضاة في شأن اشكال الدفاع المناسبة، المتوافقة مع المادة 184 من قانون العقوبات. ليست مصادفة ان القضاء هو الذي واجه العصابات في العالم.

- كما تتوضح لي المسألة، القضية أصبحت قانونية أكثر مما هي سياسية. هذا يغيّر مفهومنا للمواجهة ولكلفتها البشرية.

- صحيح، لكن هذا لا يعني أنها شكل المواجهة الوحيد. المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية ضدّ ممثلي العصابات، وتنظيم تحركات سيادية ضدّ مموليهم الخارجيين، جميعها أشكال تضعف نفوذ العصابات داخليًا وخارجيًا.

- لكن هل تنفع الانتخابات مع حكم العصابات؟ هل تنفع التحركات السيادية من مثل "المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني" في وقت يعدّ الاميركيون والاوروبيون لصفقة مع إيران؟

- انها تساؤلات تحتاج إلى جلسة أخرى. وأضيف اليها تساؤلًا آخر: ألا يطمس تشبيه جميع جماعات السلطة بالعصابات، الفروقات في ما بينها، فيبدو نفوذ "حزب الله" مثلًا شبيها بنفوذ الآخرين، مع انّه يلعب بعد الانتفاضة دور حامي العصابات كلها، فضلًا عن اتضاح أكثر فأكثر سيطرته الكاملة على ابرز مراكز القرارات في البلاد من خلال الدعم العسكري والمالي الإيراني؟ رغم أحقية جميع هذه التساؤلات وغيرها، التي تحتاج الى أجوبة مقنعة، علينا اولًا ان ندافع عن أنفسنا في وجه السرقة اليومية التي تطالنا والأخطار الامنية التي لا تفارقنا. فهذا حق مشروع لنا وهو بمثابة الدفاع عن كرامتنا كبشر وكمواطنين. وبعد، إذا كان لديك آنيًّا خيارات أخرى، فأخبرني؟
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم