الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات الأميركية في ميزان العرب: لو ذهب ترامب فستبقى "الترامبية"

خالد باطرفي
مؤيدون لترامب في الولايات المتحدة (أ ف ب).
مؤيدون لترامب في الولايات المتحدة (أ ف ب).
A+ A-
 عندما رشّح دونالد ترامب نفسه للانتخابات الرئاسية الأميركية، لم يأخذه العالم بجدية، إذ لم تكن شخصية الرجل القادم من بيئة الأعمال والترفيه والمثيرة للجدل تؤهله في سن السبعين لتغيير المسار وخوض غمار السياسة فضلاً عن ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة. 
 
وكتب الدكتور خالد باطرفي في "النهار العربي": تذكرني واشنطن أحياناً ببيروت، ففي العاصمتين تبدو السلطة كميراث مقسم بين عائلات سياسية وطوائف حاكمة، لها دستورها الحاكم للعلاقات والسياسات وحتى "الاتيكيت" واللغة السائدة. في العقدين الأخيرين طرأت شخصيات وجماعات جديدة على بلاط القصر، فصعد رجال أعمال وجماعات دينية مسيسة، وتدخلت قوى أجنبية داعمة لهم. 

وكما صعد نجم رجل الأعمال رفيق الحريري من خارج الأسر البيروتية الحاكمة، وتصدر حزب طائفي متطرف، خرجت في أميركا جماعة دينية متطرفة لتقتحم عالم السياسة، وصعد رجال من خارج المؤسسة الحاكمة. وهكذا وصل الى البيت الابيض ممثل الكنيسة الإنجيليكية (جورج بوش الابن)، وتبعه ممثل الإثنية السوداء (باراك أوباما)، فردت الغالبية (المتضائلة) البيضاء برجل المال والعنصر والمذهب (دونالد ترامب)، وعادت الأقليات والليبراليون التقدميون بجو بايدن.

والذين حاروا في أسباب وصول ترامب، ونتائج الانتخابات الأخيرة المتقاربة، رغم كل ما أفرزته السنة الانتخابية 2020 من تراجعات كبيرة لانجازاته الاقتصادية نتيجة للجائحة، والذين يتوقعون أو يحلمون بنهاية الظاهرة بخروج صاحبها، لم يستوعبوا بعد قوة التيارات العميقة التي جاءت به وطبيعتها، ودافعت عنه حتى آخر لحظة. فترامب لم يكن حالة شخصية، بل تشخيص لحالة. والسبعون مليوناً الذين صوتوا له يمثلون موقف نصف الشعب من النصف الآخر، وموقفهم من المسار الذي يرون بلادهم "تنزلقط اليه بعيداً منهم وعلى حسابهم. فالتوقعات الإحصائية الرسمية تشير الى أن غالبية البيض الحالية المقدرة ب 60 في المئة ستصبح أقلية بنسبة 40 في المئة عام 2040.

الشعار الذي رفعه ترامب "أميركا اولاً" هو أقرب الى مرآة كل يرى فيها نفسه. وقبل أن نصل الى المقارنة بالبديل "أميركا والعالم معاً" علينا أن نحدد أولاً من هي أميركا في نظر الأميركي. فخلافاً لما يدعيه الجهاديون من أن الشعب مسؤول عن سياسات حكومته لأنه أجمع على اختيارها، فليس هناك شعب واحد في "العالم الجديد"، بل مهاجرون من كل أصقاع الأرض يمثلون عرقيات ومللاً وثقافات لا حصر لها. في البداية غلب العنصر الأوروبي الأبيض من شمال أوروبا، وزاد البروتستانت على الكاثوليك والأرثوذكس، فسبقوا الى سدة الحكم والإقطاع والمال. ثم توالت هجرات جديدة من أصقاع الأرض، لكنها بقيت بعيدة من مقاعد السلطة والسياسة في واشنطن، وبقيت الرئاسة بروتستانتية، حتى فوز الكاثوليكي جون كينيدي في 1960 ثم الكاثوليكي جوزيف بايدن.

كل هذا تغير في العقدين الماضيين، بخاصة مع وصول أول رجل أسود الى الرئاسة في 2008، وأول امرأة من أصول هندية وأفريقية الى منصب نائب الرئيس في 2020.

وخريطة الانتخابات الأخيرة تظهر أن الولايات الجمهورية الحمراء تتركز في قلب البلاد، وأن الولايات الديموقراطية الزرقاء تنتشر على أطرافها. وأن المدن الكبرى صوتت لبايدن والمدن الصغيرة والأرياف بقيت على ولائها لترامب. و توضح خريطة أخرى أن غالبية البيض البروتستانتيين (رجالاً ونساء) صوتوا للمرشح الجمهوري، فيما صوتت الأكثرية (وبخاصة الشباب والنساء) من السود والملونين والمسلمين واليهود والبوذيين والملاحدة واتباع المذاهب المسيحية الأخرى (ما عدا الكوبيين المناهضين لشيوعية كوبا) للمرشح الديموقراطي. هذه التقسيمات لم تأتِ مصادفة، فأكثر تجمعات المهاجرين في الولايات المطلة على المحيطين الأطلسي والهادي، وهي المحطات التي وصلوا اليها ابتداء، وعلى الحدود مع المكسيك اللاتينية وكندا الليبرالية.

ثم هناك اليأس والغضب من المؤسسة السياسية والإعلامية والمالية والثقافية الحاكمة، والتي تبدو لأكثرية الشعب الأميركي واتباع ترامب خصوصاً، متعجرفة ومتباعدة، تستخدم لغة دبلوماسية هلامية وفوقية لا تتلاقى ولغة العوام وأولياتهم وقيمهم. ولذا فقد استبشروا بصعود رجل من خارج المؤسسة، يتحدث بلسانهم ويعبر عن مشاعرهم المعلنة والمستترة، ويتفهم مخاوفهم وقلقهم، ويطالب بحقوقهم العرقية والدينية والمادية. يحقر التقاليد والطقوس المؤسساتية... يقول ما يفعل ويفعل ما يقول ... ولا يبالي! وعندما تكالب عليه الخصوم، كما توقعوا، وقفوا معه، وتجاوزوا عن أخطائه وزلاته.

لذلك يرى كثيرون أن ترامب قد يرحل، ولكن "الترامبية" باقية. وسواء فاز مرة أخرى عبر المحاكم الفدرالية والمحكمة الدستورية، كما فعل جورج بوش الابن عام 2000، أو عاد بعد أربع سنوات مرشحاً للحزب الجمهوري، كما أحسب أنه سيفعل، أو أختفى تماماً من المشهد، فإن الظواهر التي أتت به باقية، غاضبة ومتزايدة. وليس من السهل على أي رئيس مهما بلغت مثاليته واعتداله، قوته وشعبيته، أن يطفئ نيران الفرقة والخوف والتوجس، بخاصة إذا كانت مبادئ حزبه تقوم على التنوع العرقي وتساوي الفرص والتسامح الديني والانفتاح على العالم والآخر المختلف، وإذا في حزبه من ينادي علناً بالاشتراكية وينتهج اليسارية والليبرالية واللادينية، ويجرم من يخالف مبادئه باعتبارها حقوقاً انسانية عالمية، شمولية، لا مساومة عليها.

ماذا يعني هذا لحكوماتنا؟ بتصوري أن علينا الابتعاد عن الشأن الداخلي الأميركي بتقسيماته وحزبيته وخلافاته. فأميركا رغم كل شيء دولة مؤسسات، والعلاقات الدولية ينبغي أن تقوم على المصالح المشتركة بعيداً من السياسات والعقائد والعلاقات الشخصية. كما أن مصلحة الحكومات العربية والإسلامية أن توحد مواقفها وتوافق مصالحها وتنسق علاقاتها الدولية، ليرى العالم، وأميركا في هذه الحالة، كتلاً متآلفة، متوافقة، من 6 دول خليجية، و 22 دولة عربية، و 55 دولة أفريقية، و57 دولة إسلامية، لها مؤسساتها ومنظماتها القائمة والفاعلة، وحضورها المؤثر في المنظمات الدولية ورقعة الشطرنج العالمية. تماماً كما شهد الرئيس ترامب عندما التقى زعامات أكثر هذه الدول في الرياض خلال الزيارة الدولية الأولى له عام 2016.

كما أن من مصلحتنا أن تكون لنا علاقاتنا المتكافئة والمتوازنة بالشرق والغرب، بالصين وروسيا واليابان كما بأميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. فمن حقنا أن نناور ونفاوض، نوازن ونبادل مع القوى الدولية، كدول وكتل، بما يعظم منافعنا ومصالحنا مع الجميع. وليكن عنوان هذه المرحلة التكتل قوة ... والتوازن ضمانة ... والمصلحة مقياس.

@kbatarfi
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم