الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

شيرين أبو عاقلة... أمّ المدائن المتّقدة غضباً وجرأة وكرامة

صورة للزميلة شيرين أبو عاقلة في بيت لحم (أ ف ب).
صورة للزميلة شيرين أبو عاقلة في بيت لحم (أ ف ب).
A+ A-
هادي جان بو شعيا

"قاعدين لهم"، شهيرة هذه المقولة التي أرفقتها شيرين أبو عاقلة بصورتها، وهي تجلس على كرسي وضعته في منتصف ذاك الشارع، فيما كانت تغطي أحداث "حي الشيخ جرّاح" في القدس قبل عام. وبالفعل دأبت أبو عاقلة، منذ أكثر من عشرين عامًا على الصمود، وحسب اللُكُنَة أو بمعنى أوسع اللهجة الفلسطينية، وهي "قاعِدْتِلْهُم... وعلى قَلْبُنْ"، كي تنقل أخبار فلسطين.

رحم الله شيرين أبو عاقلة التي كانت اسمًا من دون لقب، فهي لم تكن تحتاج إلى وصف يسبق اسمها على غرار المراسلة الكبيرة أو الصحافية اللامعة. كانت شيرين أبو عاقلة ابنة القدس فقط.

رحم الله شيرين أبو عاقلة التي كانت ترتدي اللباس الصحافي، إلا أن هذا اللباس لم يقِها رصاص القناص الذي استهدف رأسها وليس عقلها. فأرداها شهيدة كما تقتل الأنظمة القمعية والمستبدة الصحافيين بدم بارد، لتعيد هذه الصورة بذلك إلى الأذهان أسماء شهداء العمل الصحافي الذين استشهدوا وهم يرتدون اللباس الصحافي نفسه على أيدي أنظمة تريد طمس الحقائق وما أكثرها على شاكلة النظام الصهيوني الذي يتذيّل قائمة من يحترمون الحريات الصحافية في العالم.

رحم الله شيرين أبو عاقلة التي كانت جزءًا لا يتجزّأ من يومياتنا نحن العرب، ومن ذاكرتنا الجماعية عن الانتفاضة والمواجهة والصراع والعناد وحصار ياسر عرفات الذي كان يوليها أهمية خاصة. كانت ذاك الرابط من خارطة المكان في ذهن المواطن العربي الذي كان يتابعها بمحبة وشغف كبيرين، حتى ارتبط وعيُه عن فلسطين عبر الشاشة الإخبارية بها من خلال تمسّكها بواجب الصحافة ومسؤولية الدفاع عن قضيتها وعن أبناء شعبها طيلة أكثر من عقدين من الزمن في المكان ذاته والظروف نفسها والقصص والاحتلالات والاجتياحات والمواجهات حتى آخر مواجهة، ولو أنها كانت مواجهة قنّاص غادِر لتغطي بدمائها أخبار بلادها التي دائمًا ما كانت تغطيها بروح المقاتلة وليس بروح الصحافية الراقية فقط.

وكان لهذه المسيرة أن تنتهي بشيرين أبو عاقلة شهيدة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي التي أنكرت علاقتها بالجريمة النكراء، لتتنصّل منها كعادتها وتنسبها إلى مقاتلين فلسطينيين أثناء احتدام الاشتباكات في جِنين، ليبدأ بعدها مسلسل تقاذف الاتهامات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني حول مصرع شيرين التي ربما كانت تدرك أن نهايتها ستكون بهذه الطريقة، لكنها أرادت للصوت أن يصل، مع أنها تدرك تمامًا أن ذاك الصوت لن يغيّر العالم. لكنها كانت تتيقن أيضاً من أن الاحتلال الصهيوني لن يدوم.

رحم الله شيرين أبو عاقلة وكان الله في عون كل صحافي حرّ اختار الثبات على مبادئه ونقل الحقيقة وهو يدرك أن مصيره قد يكون القتل أو الخطف أو الترهيب. من هنا نستذكر القاعدة المقدسة التي وضعها الصحافي والكاتب الفرنسي ألبير كامو: "بأن نكون كصحافيين بخدمة الحق والحرية... وهاتان كلاهما لا تحتملان التزوير".

فهل سيذهب دم شيرين أبو عاقلة هدرًا لإخفاء الحقيقة أم سيُشعل شرارة غضب جديدة في أرض فلسطين المتّقدة بالغضب دومًا، وتكون انطلاقتها من زهرة المدائن القدس كما أعزّتها فغنّتها السيدة فيروز؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم