السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ابتسامة المقدسيّين وصواريخ "حماس" في مواجهة الاستيطان الإسرائيلي

المصدر: "النهار"
ساحة المسجد الأقصى في القدس (أ ف ب).
ساحة المسجد الأقصى في القدس (أ ف ب).
A+ A-

غسان صليبي

 منذ النكبة، اشبعونا كلاما ان فلسطين هي قضية العرب الاولى. يصح هذا الكلام اذا كان يعني حصريا، ان في كل البلدان العربية، هناك فلسطين محتلة. ذلك ان في كل البلدان العربية احتلالا من النظام الحاكم. الانظمة العربية تطبعت مع خصال اسرائيل، قبل ان تباشر التطبيع معها. فالتعصب الديني موجود هنا وهناك، والعنف هنا وهناك، والعنصرية هنا وهناك، واستلهام الماضي للسيطرة على الحاضر هنا وهناك، وتهجير البشر بحجة او بدون حجة هنا وهناك، وعدم احترام حقوق الانسان هنا وهناك.

يذكّرني الفلسطينيون المقدسيون المعرّضون للتهجير من حي الشيخ جرّاح، بجميع المهجَّرين وخاصة في لبنان وسوريا والعراق واليمن. ويذكّرني المستوطنون الاسرائيليون، بجميع من قام بالتهجير في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

يحق للذين تهجّروا او لم يهجّروا احدا، ان يتضامنوا مع المقدسيين. وعلى كل من قام بتهجير الآخرين، ان يخجل من نفسه وان يصمت.

الشعار الابرز المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي هو: "انقذوا حي الشيخ جرّاح". وهو نداء موجه الى البشرية جمعاء واولهم الشعوب العربية. في فلسطين يجري اعتماد اسلوبين من اجل انقاذ الحي:

الاول هو الذي استخدم في البدء، انتفاضة شعبية مدنية ولا عنفية، قام بها المقدسيون انفسهم. وهي تشبه بنهجها الانتفاضة الاولى السلمية، التي ادت مع عوامل اخرى، من جهة الى اتفاقية اوسلو ونشوء سلطة فلسطينية موحدة، ومن جهة ثانية الى تقدم القضية الفلسطينية على المستوى العالمي.

الاسلوب الثاني، هو الذي بادرت اليه "حماس"، تُرجم بإطلاق الصواريخ من غزة على القدس وعلى اسرائيل. وهذا يشبه اسلوب الانتفاضة الثانية المسلحة التي ادت مع عوامل اخرى، الى ما وصلنا اليه اليوم من شبه اضمحلال للقضية الفلسطينية على المستوى العالمي وانقسامات في الداخل وتراجع في الحماسة الشعبية. مع التأكيد ان جانبا من الواقع الحالي هو ايضا نتيجة اتفاقية اوسلو نفسها والطريقة التي طبقت فيها.

البعض يطالب باستخدام الاسلوبين معا، لكن الممارسة العملية تؤكد استحالة الامر، وحتمية طغيان الاسلوب الثاني على الاول. من المبكر تقييم الاسلوبين على مسار الصراع الحالي، اكتفي هنا بتبيان بعض الفروقات.

ساهم الاسلوب الاول في البداية الى تسلم المقدسيين المدنيين قيادة انتفاضتهم السلمية، والى التركيز على قضية الاستيطان الاسرائيلي ومحاولة اقتلاع السكان من ارضهم، والى توحد الشعب الفلسطيني خلف المقدسيين، بمن فيهم عرب اسرائيل، والى سقوط جرحى، لكن دون سقوط ارواح. كما ادى الى بعض التأييد العربي والدولي ولو الخجول لكن المتعاظم، والى شيء من التنافر الاميركي الاسرائيلي والاوروبي الاسرائيلي. حيث زار وفد من القنصلية الاوروبية في القدس حي الشيخ جرّاح وتواصل مع السكان المهددين بالطرد من منازلهم. كما رُصد تململ من ممارسات اسرائيل وخاصة من جانب يسار  الحزب الديموقراطي الاميركي.

اكثر ما يرمز الى الاسلوب الاول هو ابتسامة المقدسيين امام الاعلام وهم يُقتادون الى الاعتقال على يد العدو الاسرائيلي. الاسلوب الثاني، الذي ترمز اليه صواريخ "حماس" التي تنطلق من غزة، نقل المعركة من القدس الى غزة وبقيادة "حماس"، وادى الى لجم اندفاعة المستوطنين عن مهاجمة الاقصى، لكن أيضا  الى سقوط قتلى وتهديم منازل وممتلكات وخاصة من الجانب الفلسطيني، والى تأجيج الانقسامات غير المعلنة بعد بين "حماس" و"فتح"، والى جعل اسرائيل ضحية بعد ان كانت معتدية، والى تراجع في الدعم الدولي، والى تبدل في القضية التي ولّدت الصراع، وربما اوصل الى تسوية لن يكون جوهرها قضية المقدسيين المعرضين للتهجير. وقد أكد اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" "ان المقاومة جاهزة اذا ارادت اسرائيل التصعيد واذا ارادوا ان يتوقفوا، المقاومة جاهزة". وقد بدأ الكلام على لسان ممثلي الامم المتحدة عن إدانة "كافة اشكال العنف والتحريض على العنف"، وهو كلام لا يميز بين المحتل والشعب المحتلة ارضه، ويقفز فوق مسببات المعركة.

تواكب ذلك مسيرات واحتجاجات يتخللها بعض العنف في الضفة الغربية وفي قرى عربية في اسرائيل. جرى كل ذلك، في ظل خلاف محتدم بين "حماس" و"فتح" على خلفية تأجيل الانتخابات النيابية، وفي سياق ازمة حكومية في اسرائيل، مما يحتم النظر الى الاسلوبين المعتمدين من هذه الخلفية أيضا.

ماذا بالنسبة إلينا نحن القاطنين خارج فلسطين الذين نريد المساهمة في انقاذ حي الشيخ جرّاح؟ 

اقترح الاعلان، ان كل احيائنا هي حي الشيخ جرّاح. وهذا ليس تقليدا لما درجت عليه العادة عالميا، بالتماهي مع الضحية كشكل من اشكال التضامن معها. إنه من ناحية، تضامن مع اهالي الحي ومع الفلسطينيين، لكنه في الوقت نفسه رسالة الى حكامنا، الى انه يجري التعامل مع أحيائنا على أيديهم، تماما كما تتعامل اسرائيل مع حي الشيخ جرّاح.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم