الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تشكيل الحكومة اللبنانية لا يحتاج تدقيقاً جنائياً!

جيرار ديب
جيرار ديب
تشكيل الحكومة اللبنانية لا يحتاج تدقيقاً جنائياً (تصوير نبيل إسماعيل).
تشكيل الحكومة اللبنانية لا يحتاج تدقيقاً جنائياً (تصوير نبيل إسماعيل).
A+ A-
أعلنت وزارة المالية اللبنانية في بيان يوم الثلثاء في 6 نيسان (أبريل) الجاري موافقة مصرف لبنان المركزي على أن يقدم بحلول نهاية الشهر الوثائق والمعلومات التي تطلبها شركة ألفاريز آند مارسال للتدقيق الجنائي، وذلك بعد اجتماع ضمّ ممثلين عن المصرف المركزي وشركة التدقيق الجنائي ووزارة المالية عبر تطبيق الزوم.
 
من الجيد أن تعقد الاجتماعات بين الأطراف المعنية للوصول إلى تطبيق الإصلاحات لوقف الهدر والفساد وكشف مزاريبها في لبنان. أليس هذا مطلباً دولياً لا بل الشرط الرئيسي لتقديم المساعدات للبنان؟ ألم يطلب صندوق النقد الدولي من الدولة اللبنانية القيام بالاصلاحات المطلوبة وعلى رأسها التدقيق الجنائي لمنح لبنان قروضاً قد تعينه على لملمة انتكاساته الاقتصادية والمالية؟ ألا يعتبر هذا التدقيق باباً نحو الإصلاح وبناء الدولة، ولكن هل من يريده في هذه الدولة؟
 
يصرّ رئيس البلاد ميشال عون على تطبيق التدقيق الجنائي، وهذا ما أكده من خلال تغريدة له قبل الإجتماع الأخير، حذّر فيها الجانب اللبناني، وتحديداً وزارة المال والمصرف المركزي، المجتمعين في اليوم التالي مع شركة التدقيق الجنائي ألفاريز ومرسال من أي محاولة لتعطيل التدقيق الجنائي، وحمّلهما المسؤولية عن أي فشل ممكن.
 
تغريدة الرئيس عون، وجّهت سهامها إلى الداخل اللبناني، تحديداً وزارة المالية بما تمثّل من فريق سياسي، وحاكمية مصرف لبنان التي يحظى حاكمها بحماية مباشرة من أفرقاء سياسيين في الداخل اللبناني. فتوجيه السهام أتى بعد سلسلة إجراءات قامت بها وزارة المالية، عرقلت عمل الشركة، إضافة إلى عدم استجابة الحاكم في التعاون مع طلب الشركة حيث قدّم 42 في المئة من المستندات المطلوبة منه بحسب قول وزير المالية غازي وزني، باتّهامٍ مباشرٍ للحاكم بعدم التجاوب وعدم الإلتزام بالوقت أيضاً.
 
إنّ تقاذف التّهم بين الوزير والحاكم، رأت فيه مصادر مطّلعة حول هذا الملف، تنسيقاً ضمنياً بينهما على اعتماد سياسة التمييع وتضييع الوقت لمنع وعرقلة عمل الشركة، لا سيما أنّ هذه الشركة قد غادرت لبنان سابقاً وطالبت بفسخ العقد مع الدولة اللبنانية لأنها لمست عدم الرغبة الحقيقية من الجانب اللبناني في التعاون وكشف المستور من سرقاتٍ وهدرٍ وتحويلٍ للمال العام إلى الخارج.
 
هذا الجانب اللبناني، الذي صوّب عليه كلّ من رئيس البلاد والشركة، هو المعرقل الأساسي لتشكيل الحكومة، لأنّه وببساطة، هو من سمّت كتله النيابية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، وله في هذه المهمة أشهر عدة، وقد تطول هذه المهلة. فالجميع بات على يقين أنّ الموضوع إضافة إلى التهرب من التدقيق بسبب سياساتهم التي زرعت الفساد ومارسته في مختلف الدوائر، أدّى إلى دين عام على لبنان فاق المئة مليار دولار.
 
وكأنّ لعبة شدّ الحبل أو عضّ الأصابع بدأت، بين عهد يسابق الوقت لتشكيل حكومة بغية إنهاء عهده بحكومة تقدم على الإصلاحات من باب التدقيق الجنائي، وفريق يعارض التدقيق ويعرقل العهد عبر وضع العراقيل أمام تشكيل الحكومة. المعادلة باتت واضحة، تشكيل الحكومة مقابل تحويل التدقيق الجنائي إلى اللجان النيابية، ما يعني اعتماد التمييع التشريعي على أمل تطييره مع الوقت.
 
قد لا تكون عرقلة تشكيل الحكومة متعلّقة بتصلّب المواقف الخارجية فقط، رغم المشاركة الواضحة للأطراف اللبنانيين في الحرب الدائرة في المنطقة وأخذهم طرفاً ضدّ الآخر، إلاّ أنّ العراقيل الداخلية تبقى الأساس في هذا الموضوع. فإصرار فريق رئيس الجمهورية الساعي لتحقيق قانون التدقيق الجنائي، يقابله تعنّت الفريق المقابل، في وضع العراقيل أمام تشكيل الحكومة.
 
أمام هذا الانقسام اللبناني، وفي ظلّ الحركة المكوكية للدول الساعية في ملف تشكيل الحكومة، على ما يبدو ستؤول الأمور إلى الفشل حتماً. فالجهود الرامية إلى إنقاذ لبنان وحضّ مسؤوليه على التسريع في عملية الإصلاح والإنقاذ، لا يعني المسؤولين الذين يتبادلون التّهم في التعطيل.
 
رغم نيّة الفرنسي في التشكيل السريع، وتقديم مبادرته، إلا أنّ الداخل يبقى العقدة الرئيسية. فلو قَبِل الرئيس عون بتقديم التسويات والتنازلات لكانت الحكومة قد تشكّلت بسرعة؛ لكن لم تجرِ الرياح بما تشتهيه السفن لا في الداخل ولا في الخارج. لذا، يبقى الأمل الوحيد للعهد بالتدقيق الجنائي، فهذا الرصيد المنتظر تقديمه للشعب اللبناني. في حين أنّ الفريق الذي حكم البلاد منذ الطائف واستحكم بكل تفاصيل الحكم فيها، لن يرضى إلا بفرض التسويات لا سيما تعطيل التدقيق الجنائي.
 
"عفى الله عمّا مضى"، هي التسوية المنتظرة من قبل الفريق المناهض للعهد، فهو ما توصل إليه الأفرقاء أنفسهم عام 1990 في الطائف بعدما كانوا أمراء الحرب الأهلية. ولكن كان العفو آنذاك برعاية دولية، وباتفاق ضمني وعلني داخلي. أما اليوم، فهناك رئيس مصرّ على اعتبار معركته الأساسية التدقيق الجنائي، ومبادرة فرنسية أعطي لها الضوء الأخضر من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ويبقى للأيام المقبلة أن تكشف صرخة مَن ستعلو أولاً جراء عضّ الأصابع.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم