الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

المثقف ومسؤولية الغياب... مَنْ يُعيد إنتاج السلطة؟

المصدر: "النهار"
منظاهر في تشيلي يُطالب بالإصلاح حاملاً لافتة كُتب عليها: "إمّا دستور جديد أو لا شيء" (أ ف ب).
منظاهر في تشيلي يُطالب بالإصلاح حاملاً لافتة كُتب عليها: "إمّا دستور جديد أو لا شيء" (أ ف ب).
A+ A-
الدكتور جورج كلاّس
 
 
تَسليماً وإقرارًا بواقعٍ عربي مأزومٍ، فإن الأحوال العربية، في الظروف الراهنة، ليست بأفضل منها في أيِّ زمنٍ مرَّ على هذه الأمّة، ذلك أن الصعاب تتوالى، والنكسات تتناسل، والإحباطات تتكاثر، والمثقفين العرب غائبون ومستقيلون من مسؤولياتهم، أو خائفون من آرائهم حتى الارتعابِ المُنظَّم وغير المُبَرَّر..!

إن الحالة العربية الراهنة، تستدعي الكثير من اليقظة والتنبّه الى ما يُحاكُ لشعوبنا من حروب وفِتَنٍ، ومن قَتْلٍ لإرادة الحياة، وتجهيلٍ للكيانات الثقافية التي صار أصحابها رهائن لدى التكفيريّين وإرهابيّي العقائد السوداء البعيدة عن الإيمان الصح. وهذا ما يطرح إشكاليّة دور المثقف في هذا الزمن المشحون بجرائم التدمير المنهجي لكلّ المعالم الحضارية والتاريخة والمتنكِّرة لأَيِّ حِسٍّ قومي.
 
ولعل من اكثر الأمور حضوراً في الواقع المأزوم، في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها عالمنا العربي اليوم، هو مأزقيّة المثَقّف الذي غاب وغُيِّب عن الساحة، منذ إطلاق شرارة الأحداث في بعض الجغرافيات العربية، ما يؤشّر بقوة الى حالة التردّي والانحدار التي وصلت إليها مجتمعاتنا الفكرية، بكلِّ اتجاهاتها وانتماءاتها وأهوائها، السياسية والعقيدية والغرائزية المُوَظّفة لخدمة مستقبلٍ ممنوع أَنْ نعرف عنه شيئاً، بحسب مقتضيات سِرِّ الطبخات السياسية التي تُعَدُ لنا... ونحنُ إِمّا نيامٌ أَوْ مُخَدَّرون.
 
لقد كان لافتاً جداً أن يغيب المثقفون العرب، وأن تختفي أدوارهم عن الساحة، في زمن الأزمات المتناسلة والتي تتكاثر بشكلٍ مطّرد ومن دون أُفُقٍ نظراً لخطورة الوضع المتفجّر والذي بدأت تداعياته تتخطى الساحات العربية، الى مساحات دولية أخرى.
 
فهل يتحمّل المفكرون والمثقفون العرب، مسؤوليةً، وَلَوْ شكلية، عن تنامي الأزمة العربية؟
 
وهل يعي الشباب المندفع قناعةً، ان الشعارات المطلبية التي صدحوا بها في الساحات ومن على المنابر، كانت شعاراتٍ صادقة لكن ثمة مَنْ حوّلها أشكالًا لفظية جوفاء ومفخّخة، تحمل بطيّاتها مؤامراتٍ مُتْقَنةَ الإخراج، بهدف قذف المجتمعات العربية الى الهاوية القاتلة؟

إن مراجعة بسيطة لبانوراما الأحداث التي لا تزال تعصف ببعض البلدان العربية، تشير الى ان منسوب اهتمام الطبقة المثقفة بالاحداث الاليمة والمفجعة، لم يكن على المقدار المطلوب والمأمول الواجب ان يكون، خصوصاً أن حالات الاعتراض على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، لم ترقَ الى مطلبيّاتٍ صلبة، يُبنى عليها. بمعنى ان (الاعتراض الثقافي) ترك مطرحه للحركات الغوغائية، التي استُثمرت لتقويض أركان مجتمعاتنا العربية، والتي كانت تعيش حالات من الهدوء والاستقرار المقبول، إن لَمْ نَقُل الرخاء الجزئي. وليس في ذلك أيُّ محاباة أو مبالغة، لا سيّما أن تدهور الاحوال بهذه الطريقة المأسوية، ترك الكثير من الانطباعات السيئة في وجدان الناقد العربي، الذي راح يُطلقُ أحكاماً مُبرَمة وغير مرتدّة، تدينُ بشدّة استقالة المثقف العربي من دوره، وهروبه من واجباته، وتعتبره (مارقاً) من المواطنة، وخائفاً أو خَجِلاً من هُويَّته !

هذه الانطباعات المؤذية شعورياً وقومياً، تجعلنا في حالة دائمة من التساؤل عن أسباب غياب هذا المثقف، كتابةً وتفكيراً وقولاً وحراكاً، عمّا يحدث في منطقتنا التي أضحتْ مخطوفةً ورهينةً للمؤامرات والمخططات السوداء التي رسمتها دوائر القرار الخارجي لمجتمعاتنا، والتي في أُولى استهدافاتها، ضربُ التعايش، وتقويض فرص التلاقي والحوار بين مكوّنات المجتمعات ذات التعدديات الحضارية والدينية والثقافية. كما الحالة اللبنانية بتكويناتها الوفاقية.
فهَل إن الهدف الرئيس من التدامُر العربي، هو تشويه صورة الانسان العربي، والطعن بمعتقداته وسلوكياته؟
 
وإلى أي مدى يمكن مهندسي المؤامرة أن يتمادوا في غيِّهم والإمعان بقتل شعوبنا وتهديم حضارتنا ومحو ثقافتنا؟
 
واذا كانت بعض مركزيات السلطات العربية، تهدف الى تدجين أنظمة دول أخرى، لأهداف متداخلة فلقد بات من حقّنا بل من واجبنا ان نسأل من حيثُ أننا ضحايا، عن دورنا في إنتاج ممانعة ثقافية تعترض بقوة على الحالة المُذرية التي نعيشها، ونتعايش معها على وقعِ التخاذل وقبول الأمر الواقع. وهذا من أبسط الأدوار الوطنية المنوطة بالمثقف الذي أغلق عينيه عن المجازر التي تُنَفّذُ بحقِّ شعبه، وأطبقَ فَمَه على كلمة الحقّ المفروض ان يقولها جَهْرًا...
لقد كشف الاعلام الثقافي العربي ضموراً وقصوراً واضحين في عملية تظهير دور المثقفين العرب وغيابهم عن ساحة الواقع المأزوم، بدليل ان الصفحات الثقافية وصفحات القضايا والرأي، في الدوريات العربية، خلَتْ تماماً من الكتابات الفكرية والنقدية التي تحمل وجهات نظر محوريّة وذات ثقلٍ معرفيٍ، وتتعرّض للاوضاع الضاربة في احوال شعوبنا ومنطقتنا.
 
والسؤال الأهمّ في هذا الإطار، هو؛ هل هي مسؤولية الاعلام، أم انها مسؤولية المثقف نفسه، في عملية الغياب والتغييب عن القيام بدورٍ فاعل وتغييريّ في مجال التفاعل المطلوب وجوده بين المثقف وقضايا الوطن؟!
 
والى حين ان يستعيد المثقف دوره الطليعي بالتصدّي للمؤامرات التي تستهدف حضوره، يبقى السؤال المركزي عن الجدوى المنتظرة من (إعلامٍ غير حُرٍّ)، في الإسهام بصناعة او بإعادة انتاج الحرية في مجتمع دائم التشظّي...وتتوافرُ فيه كاملُ شروطِ التباينِ والانقسام والنزاعاتِ الموصوفة..!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم