الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قمة جربة الفرنكوفونيّة... هل تكون فرصة لفكّ العزلة والتّسويق لصورة جديدة لتونس؟​

جزيرة جربة التونسية.
جزيرة جربة التونسية.
A+ A-
روعة قاسم
 
تستعد جزيرة الأحلام، جربة التونسية، خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لاحتضان القمة الفرنكوفونية التي يعتبرها البعض فرصة لفكّ البلد عزلته بعد عقد من التقوقع على الذات بفعل المشكلات الداخلية التي عصفت بالخضراء بعد إطاحة نظام بن علي. كما يعلق التونسيون آمالاً كبيرة على هذه القمة لإعادة تنشيط القطاع السياحي الذي استهدفته قوى الشر والإرهاب في وقت سابق، وأجهزت عليه جائحة كورونا وعطلت نشاطه بالكامل أو كادت.

وكانت الدبلوماسية التونسية التي عاد إليها بعض بريقها مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي هي التي عملت على أن تحتضن تونس هذه القمة التي سيحضر فيها ما يقارب الثمانين رئيس دولة من مختلف أنحاء العالم. وما على الرئيس قيس سعيد الذي منحه الدستور صلاحيات واسعة في السياسة الخارجية، إلا أن يستغل الفرصة كما يجب للتسويق لصورة جديدة لتونس تقطع مع الصورة النمطية التي ترسخت في الأذهان مع حكم "الإخوان المسلمين" ممثلين بـ"حركة النهضة" والتي مفادها أن تونس بلد راع ومصدّر للإرهاب.

ولم يكن اختيار جزيرة جربة لاحتضان هذا الحدث الهام من باب الصدفة، فهي الجزيرة الخلابة الآسرة التي تقول الأسطورة الإغريقية في أوديسه هوميروس إنها المكان الذي تواجدت فيه عرائس البحر صاحبات الصوت الشجي اللواتي اضطر بسببهن أوليس أو أوديسيوس إلى وضع الشمع في أذنيه حتى لا يسمع نشيدهن الشجي ليعود سالماً إلى موطنه في اليونان. وفي جربة مطار دولي يربطها بمدن أوروبية ومغاربية، وفيها منتجعات سياحية هامة وفنادق راقية بطاقة إيواء مرتفعة وأماكن ترفيه، ويمكن تأمين الجزيرة بسهولة وهي بعيدة عن ضجيج العاصمة والمدن الكبرى.

وبالتالي، وبرغم أهمية الحضور في هذه القمة الضخمة من حيث العدد والنوعية، فإن ما هو متوقع ومخطط له، هو أن يسير نسق الحياة في كامل البلاد بوتيرة عادية وأن لا تتعطل المرافق تأثراً بهذا التجمع الاستثنائي لعدد هام من رؤساء الدول. فقد سبق وشهد مطار جربة جرجيس توافداً لعدد كبير من الفارين من جحيم الاقتتال إبّان عملية إطاحة نظام القذافي في ليبيا، إذ تم إجلاء المواطنين الأجانب المقيمين في ليبيا إلى بلدانهم من هذا المطار من دون أن يشعر التونسيون بذلك التدفق الهائل للاجئين على بلادهم.

ولعبت جربة ومطارها دور المتنفس لليبيين في وقت ما، باعتبارها كانت بوابتهم إلى العالم الخارجي إبان أزمة لوكربي بين معمر القذافي وبعض البلدان الغربية، وهي أزمة عانى فيها بلد عمر المختار من حصار وجملة من العقوبات استمرت سنوات. فمن جربة غير البعيدة عن معبر رأس الجدير الحدودي بين البلدين كان الليبيون يتوجهون إلى أوروبا ومنها إلى وجهات عالمية متعددة، ثم يعودون عبر مطار جربة جرجيس إلى بلدهم من دون الحاجة إلى الذهاب إلى العاصمة التونسية في شمال البلاد.

وبالتالي، فإن جربة تبدو المكان المثالي لعقد هذه القمة في بلد يئنّ اقتصادياً ولا رغبة لساسته في شلّ حركة المبادلات خارجياً وداخلياً، وفي إعاقة حركة المواطنين في العاصمة على وجه الخصوص حيث تتركز أهم الأنشطة. كما أنها تبدو المكان الأكثر ضماناً لسلامة الضيوف باعتبار أن طرق الوصول إليها معروفة وتسهّل مراقبتها، كما يعرف سكان الجزيرة بعضهم بعضاً وكذا الغرباء الذين استوطنوا ربوعها الخلابة ويصعب أن تتسلل عناصر غير مرغوب فيها من دون أن يقع التفطن إليها.

ولعل ما يخشاه البعض هو أن لا تعطي الدبلوماسية التونسية، ممثلة برئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، هذه القمة الأهمية التي تستحق وأن لا يقع الإعداد الجيد لها كما يجب، وأن لا تتحقق الأهداف الكامنة من وراء السعي إلى تنظيمها من قبل أسياد الدبلوماسية السابقين، وذلك قبل أشهر على موعد انعقادها. فساكن قرطاج الذي سعى إلى تنظيمها في تونس في وقت سابق تغيّر، وطاقم وزارة الخارجية تغيّر، ويضاف إلى ذلك أن التجربة أثبتت خلال السنوات العشر الأخيرة أن من يحكم تونس سرعان ما يتراجع عن قرارات من سبقه في الحكم ولا يتحمس لبرامجه ومخططاته. فاستمرارية الدولة والمرفق العام لا وجود لهما في أذهان الساسة القائمين على تونس الجديدة التي ظهرت مختلفة تماماً خلال العقد الأخير عما عُرف عنها في السابق في جميع المجالات.

ولعل ما يدعم هذه الخشية هو التأخر في الاستعدادات التنظيمية لهذه القمة، وهو الأمر الذي لاقى انتقادات واسعة فنّدتها وزارة الخارجية، معتبرة أن الاستعدادات تسير بنسق عادي.

كما أن تونس برأي البعض ليست بحاجة إلى استعدادات كبيرة لعقد ملتقيات إقليمية ودولية كهذا، باعتبار أن البلد يملك بنى تحتية هامة في هذه المناطق السياحية الساحلية قادرة على احتضان كبريات التظاهرات.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم