نعم، هو انتصار

كتبت سالي حمّود

يشارف عام كامل على الاكتمال في مسيرة التمرد على منظومة السلطة السياسية في لبنان. وسواء كنا مع "الثورة" او ضدها أو "بين بين"، نلحظ الاكتئاب الجماعي المسيطر على اذهاننا واجسادنا وعواطفنا. لكن هذا الاكتئاب تلاشى اليوم، خلف نشوة الانتصار الذي حققه في انتخاباتهم الجامعية، طلاب مستقلون، من خلفيات مختلفة وطوائف متعددة، أعادوا إلى التمرد روحه وإلى الثورة فكرها. 
 
التغيير ممكن! التغيير حصل! ونقطة على السطر.
 
لمَن لا يعتبر هذا النصر من انجازات الثورة، هو يتوارى خلف امل ساطع يخيفه من تغيير المألوف ومساءلة الموروث، مختبئا من واقع ان الشباب اليوم جيل جديد تماما، لم يعد يخيفه اي مستقبل، سوى ذلك الشبيه بماضيه.
 
بعيدا من مبدأ "الربح والخسارة"، التهم الطلاب المستقلون في الجامعة اللبنانية الأميركية، جبيل وبيروت، اثني عشر مقعدا في مجلس الطلاب، واكتسحت ارقام التصويت هذا العام ارقام الاعوام الأخرى، ونالت احدى الطالبات اضعاف مجموع اصوات الاحزاب الاخرى. 
الاكثر سطوة هي البرامج الاصلاحية التي يخطط لها هؤلاء الطلاب. فهم يهدفون الى تعديل القانون الانتخابي الطالبي في الجامعة، وصولا الى قانون مدني لا يتيح للطلاب الترشح على اساس طائفي، بل على اساس المعدل الدراسي، اي على اساس الكفاءة العلمية، وليس الوراثة الطائفية. كما يحرصون على العمل بقيم التوازن الجندري والعدالة الجندرية، وليس المحاضرة فيها وحسب. 
 
الأمل والمستقبل حليفا الطلاب هذا اليوم. يا لسخرية القدر!
 
املهم بالمستقبل يفتح افواههم ليقولوا متحسرين: "يا ليتنا نحظى بفرصة للنصر في الجامعة اللبنانية لانتزاعها من براثن الاحزاب السياسية والطائفية التي تعيق التعايش".
 
هم يرون فيها جامعة وطنية، بمعنى الكلمة الحرفي. ومن المفترض، والمعنى هذا، ان تحتضن التغيير، قبل غيرها، لتعكس فكر الشباب الحقيقي في لبنان. الفكر الحقيقي، وليس الدماغ المغسول بإيديولوجيات ممنهجة.
 
وتأخذهم حماستهم الى جامعات أخرى وخاصة تلك المصبوغة بخصائص حزبية وطائفية، وحتى الى مناطق مدموغة بالسلفية والعشائرية. فهم لا يريدون الحرب مع اي طرف، ولا يهمهم الربح او الخسارة اساسا. إنهم مجموعة شباب انتفضوا على اخطاء الاجيال قبلهم، وتمردوا على منظومة هرمة، فرفضوا الانصياع لواقع مكرر، وكسروا دوامة سلوكات الماضي بالترشح ضد مقاعد حزبية، وحطموها عندما تفوقوا على زملائهم بأعداد الأصوات.
 
زملاؤهم ليسوا خصومهم، وإن اختلفوا في الاتجاهات السياسية. فكل الشباب يطالب بأن يتعلم، بأن يعمل، بأن ينمو، بأن يطمئن، بأن يحلم، وبأن يطمح كما يريد ويشاء دون اي تمييز بين دين او طائفة او عرق او جندر او ميول جنسية، تحت سقف القانون العادل والقضاء النزيه، وفي حماية الأجهزة الأمنية. كما انه يريد ان يحفظ وطنه ويخدم مجتمعه، ويقوم بمسؤوليتاته جميعا تحت سيادة الدولة.
 
فالمطالب مشتركة، لكن الشعارات تختلف كما يختلف مفهوم الانتماء الذي يطول الحديث عنه لكنه يتخطى هذا النص.
الانتخابات الطالبية التي جرت، تمثل حدثا تاريخيا في مسيرة التغيير المنشود، وإن كان يبدو بعيد الامد، لكنه ليس بعيد المنال. قد يرى البعض هذا الفوز، بسذاجة حدثا صغيرا، ولا سيما امام انفجار جديد في قلب العاصمة سرق حياة اناس وشباب ابرياء في منازلهم، وكأن الموت لا يشبع من بيروت، يلتهم كل اسبوع جزءا منها، من ناسها ومن حجرها. 
 
المشهد كان حقا مبكيا في طريق الجديدة، بين دخان وحريق، ونساء مولولات ورجال موهولين، وجنود مربكين وشباب متهورين. لا اعلم ان كنا قد ادمنا تلك المشاهد لكثرة ما نراها، لكننا بالتأكيد نهلوس حزنا وفرحا في آن واحد. 
انفجار طريق الجديدة بدّل طعم الانتصار للطلاب المستقلين، لكنه جعلهم محقين وحقيقيين اكثر من حجم اصواتهم واصوات زملائهم الحزبيين.
التغيير ليس آتيا بل أتى، والتمرد على الحاضر حصل. والثورة تنضج لتخرج عن اطارها الزمني، الفكري، العاطفي، والسلوكي. إنها تعبير عن تمرد اللحظة على الزمن.
 
وقد ثار اولئك الطلاب على ذواتهم قبل خارجهم حين ترشحوا بكثافة، وانتصرت الفردية السويّة على الجماعية الغوغاء، ولو في اطار مجتمع طالبي. 
الشباب قلب الوطن، والجامعة فكر المجتمع، والشارع عصب التغيير، وهذه الانتخابات مؤشر واضح لاستمرارية الثورة، ولكن بمرحلة جديدة. الايمان بالتغيير واجب كل مواطن، مستقلا أكان ام حزبيا، علمانيا أم دينيا و... طائفيا.
 
نعم، هو انتصار!