الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رسائل خطاب "يوم النصر" بين "الديبلوماسية المشروطة" والخيارات المفتوحة

من احتفال "يوم النصر" في موسكو (أ ف ب).
من احتفال "يوم النصر" في موسكو (أ ف ب).
A+ A-
بقلم هادي جان بو شعيا
 
كما كان مرتقبًا، تضمّن الخطاب الذي كان ينتظره الجميع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ذكرى يوم النصر على النازية الموافق لـ9 من أيار، رسائل عدّة موجّهة إلى الخارج كما للداخل الروسيّ، حين حدّد بوصلة العملية العسكرية في أوكرانيا، محدّدًا الأهداف بهزيمة النازيين الجدد، الذين راهنت عليهم الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن صدّ المخططات الغربيّة التي كانت تهدف إلى غزو الأراضي الروسية - حسب قوله – في الوقت الذي شدّد على ضرورة العمل لتفادي أهوال حرب شاملة.
 
من جهة ثانية، وخلال احتفالات يوم النصر التي شهدت عرضًا عسكريًا ضخمًا، استعرضَت فيه موسكو أصنافًا متنوّعة من الأسلحة المتطوّرة، أكّد القيصر الروسيّ أن جيش بلاده سيُحارب من أجل دونباس وأمن الوطن.
 
ما هي أبرز رسائل بوتين في هذه الاحتفالات؟
 
ولماذا ركّز في خطابه على إقليم دونباس وعلى محاربة النازيين الجدد؟
 
وما هو صدى هذه الرسائل في الغرب؟
 
على خلاف جميع التوقّعات، جاء خطاب بوتين هادئًا وفق وصف الكثيرين له، ولم يتضمّن أيّ شيء ممّا تمّ تسريبه في الإعلام الغربي، سواء من إعلان حرب شاملة أو إعلان انتصار أو غير ذلك، بل حمل رسائل تنطوي على الديبلوماسيّة، التي يجب على الغرب تلقفها وقراءتها بتمعّن شديد، ولعلّ أبرزها:
 
- التركيز على أمريْن اثنيْن من خلال الاستمرار في خوض روسيا عمليّتها العسكريّة، لأنّ بوتين توقّف مليًّا عند الأسباب والدوافع التي حدت بموسكو إلى البدء بهذه العمليّة، وصرّح بأنّ الغرب لم يترك له مجالاً آخر، لا سيّما بعد رفض الدول الغربيّة الاستجابة للضمانات الأمنية التي طالبت بها موسكو وإصرارها الشديد على التمسّك بها.
 
- الأمر الثاني، وليس من قبيل الصدفة، ينطوي على إشادة بوتين وتكريمه العسكريين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الاتحاد السوفياتي، ولم يقتصر على ذكره الجنود السوفيات؛ الأمر الذي يُشير إلى أنّ روسيا ما زالت تترك الباب مفتوحًا أمام الجهود الدبلوماسيّة، التي يُمكن بذلها في سبيل التوصّل إلى تسوية للأزمة الأوكرانيّة.
 
لكن القراءة الغربية لرسائل بوتين تحمل تعنّتًا في المواقف والخطوات عبر استمرار تدفّق الأسلحة إلى أوكرانيا بغية إرساء نوع من التكافؤ الميداني، خصوصًا أن روسيا التي تعتبر ثاني أعظم قوة عسكرية ونووية تواجه خصمًا هزيلاً - إذا جاز التعبير - حتى لا يُصار إلى فرض الإرادة الروسية. ويبدو أن الغرب يجنح باتجاه تكريس الصمود الأوكراني بوجه روسيا حتى اليوم، بالرّغم من الخسائر الكبيرة والفظيعة التي تكبّدتها، ممّا يُعزّز من التماسك الغربيّ، الذي كان مفقودًا ومشكوكًا في قدرته على الاتحاد بوجه أوّل اختبار جدّي من هذا النوع من جهة، ويُبرّر استمراره بتزويد كييف بالأسلحة حتى تبلغ المفاوضات الافتراضيّة نوعًا من الندّية.
 
ولكن إزاء كلّ ما تقدّم، هل يُمكن للرئيس الروسي، بعيدًا من خطابه، اختصار الطريق بشكل مباشر بدلاً من مفاوضات قد لا تؤتي أُكُلَها، خصوصًا أنه بدأ يتحدّث عن حرب شاملة، واستخدام النووي والذهاب إلى نهايات غير سعيدة وصعبة للغاية؟!
 
ممّا لا شك فيه أن بوتين لم يتطرّق في خطابه إلى ملفات كثيرة كان يراهن عليها كثيرون في الدول الغربية على غرار التعبئة العامة أو إعلان الحرب على أوكرانيا، وقد أخفى بدهاء كبير لغة التشدّد. لكن ذلك لا يلغي أنّ كلمة بوتين أبرقت برسالتين اثنتين: إحداهما موجّهة إلى الداخل من خلال الإصرار على ضرورة استمرار هذه العملية العسكرية حتى تحقيق الأهداف المرجوّة منها، في الوقت الذي بعث برسالة إلى الدول الغربية بأن هناك رغبة روسيّة مبطّنة لحثّها على العودة إلى المفاوضات المشروطة بالتوقّف عن تزويد كييف بالأسلحة، الأمر الذي - بنظر موسكو - سيُطيل من أمد العمليّة العسكري.
 
قد يكون صحيحًا أن تسليح أوكرانيا له منطقه الذي يتبناه الغرب بالرغم من الاختلاف الكبير على كثير من التفاصيل بين الولايات المتحدة وأوروبا، لكن أوَليس هناك خشية من سيناريو خروج الحرب عن السيطرة، خصوصًا مع بدء المطالبات في مولدوفا بدعم روسي، بالإضافة إلى حديث موسكو عن أن بولندا ربما تريد السيطرة على غرب أوكرانيا عسكريًا؛ الأمر الذي يُمكن أن يُشكّل توطئة لتوسّع الحرب في غرب أوكرانيا. وبالتالي، ألا تشكّل إطالة أمد الحرب مشكلات أكبر في شرق أوروبا؟ وهل سيُحسن الغرب عمومًا، وأوروبا خصوصًا، تلقّف رسائل القيصر الروسيّ من أن مواصلة السياسة ذاتها سيلحق أضرارًا اقتصادية أعمق وأمنيّة قد تقلب الطاولة على الدول الأوروبية الغربيّة المتاخمة للحدود وما بعدها من دون اكتراث الولايات المتحدة الأميركية لمآلات وتداعيات مماثلة؟!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم