الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بعباءة بورقيبة... سعيّد يعلن القطيعة مع "الإخوان"

الرئيس التونسي قيس سعيّد (أ ف ب).
الرئيس التونسي قيس سعيّد (أ ف ب).
A+ A-
روعة قاسم
 
لم يكن اختيار الرئيس التونسي قيس سعيّد لضريح الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لتوجيه انتقاداته الشديدة، لـ"حركة النهضة الإخوانية" ورئيسها راشد الغنوشي من باب المصادفة. فساكن قرطاج الذي كان في مدينة المنستير لزيارة قبر بورقيبة والترحم عليه في ذكرى وفاته، يعلم كما كل التونسيين أن مؤسس الدولة التونسية الحديثة هو العدو اللدود لـ"إخوان" تونس، حتى أن الغنوشي رفض عام 2000 الترحم على بورقيبة مباشرة على الهواء في إحدى القنوات العربية.
 
لقد بدا سعيّد، الذي لم يُعرف عنه في السابق أي ميل للزعيم بورقيبة، وكأنه يرتدي عباءة هذا الأخير ويتحدث بضميره وبلهجته الحادة التي عُرف بها كلما كانت تونس تمر بإحدى الأزمات. ووجه الكثير والكثير من الإتهامات لـ"حركة النهضة" والغنوشي وللإئتلاف الحكومي إلى درجة أثارت الدهشة والإستغراب وطرحت أسئلة عديدة، هل أعلن الرئيس سعيّد القطيعة نهائياً مع "حركة النهضة" ورئيسها الذي يترأس البرلمان؟ أم أنه خلاف ظرفي سببه ارتماء "حركة النهضة" في حضن غريمه ومنافسه على رئاسة الجمهورية نبيل القروي وحزبه "قلب تونس"، ثم الخلاف حول التعديل الوزاري الذي أطاحت فيه "حركة النهضة" بوزراء الرئيس سعيّد ورفض الأخير استقبال الوزراء الذين تم اختيارهم بدل وزرائه لأداء اليمين في قصر قرطاج وفق ما ينص الدستور؟
 
إن المتأمل في الرسائل والاتهامات التي كالها قيس سعيّد لـ"النهضة" وحلفائها يخرج باستنتاج وحيد أن ساكن قرطاج وصل إلى نقطة اللاعودة مع "الإخوان" وحلفائهم وأنه ذاهب إلى التصعيد أكثر فأكثر ولديه من الأوراق ما يجعلهم يحسبون له ألف حساب في المستقبل. فإضافة إلى اتهامه لهم ضمنياً بأنهم غير وطنيين من خلال القول إنهم "لا يمتلكون تصورات وطنية" وإنه يرفض الحوار معهم، حمّلهم المسؤولية عن الوضع المزري الذي آلت إليه البلاد من خلال استهدافهم لمؤسسات ومكاسب الدولة الوطنية ومن خلال وضع النصوص القانونية على المقاس طيلة السنوات الماضية لتوظيفها في معارك سياسية.
 
ولعل رفض سعيّد توقيع مشروع القانون المتعلق بتنقيح أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الذي يخفض في عدد الأصوات التي يجب أن يحصل عليها عضو المحكمة الدستورية عند انتخابه من البرلمان وذلك للتسريع بتشكيل هذه المحكمة، دليل قاطع على رغبة الرئيس في التصعيد مع "حركة النهضة" وراشد الغنوشي. فقد أرجع رئيس الجمهورية المشروع إلى البرلمان وحمّل "النهضة" المسؤولية لأنها لم تقم بتأسيس المحكمة الدستورية في المواعيد الدستورية وذلك منذ انتخابات عام 2014.
 
ويعود رفض الرئيس سعيّد المصادقة على مشروع القانون لأسباب عديدة لعل أهمها هو إجهاض مخطط "النهضة" لسحب الثقة منه باسم البرلمان الذي تهيمن عليه، وهي آلية دستورية تتطلب وجود المحكمة الدستورية العليا طبقاً للمادة 88 من الدستور التونسي الجديد. ومن أسباب رفض سعيّد هذا المشروع أيضاً هو أنه وُضع على مقاس "حركة النهضة" لتتمكن مع ائتلافها البرلماني الحاكم من انتخاب أشخاص موالين لها من بين الأعضاء الأربعة الذين ينتخبهم البرلمان.
 
وللإشارة فإن غياب المحكمة الدستورية العليا يجعل رئيس الجمهورية هو المؤتمن على الدستور وصاحب التأويل المعتد به في حال نشب أي خلاف حول بنوده، الحديثة العهد على التونسيين، وذلك بعد أن تم إيقاف العمل بالدستور القديم إثر نهاية نظام الراحل زين العابدين بن علي. وبالتالي فإن احتكار تأويل الدستور يبدو أنه أحد الأسلحة للمعركة المقبلة بين قيس سعيّد وحلفائه من جهة، و"حركة النهضة" ومن معها من جهة أخرى.
 
لقد كان ساكن قرطاج باختصار أذكى من أن يقدم سلاحه لخصومه ليفتكوا به وتنبّه لما يحاك ضده في الغرف المغلقة من قبل الحركة "الإخوانية" التونسية التي اعتادت الإنقلاب على حلفائها. فقيس سعيّد يبدو أنه أخذ العبرة مما حصل للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي تمكنت "حركة النهضة" من حشره في الزاوية بعد سنتين من وصوله إلى الحكم وحكمت منفردة أو تكاد خلال السنوات الثلاث التي كانت بقيت من ولايته.
 
ولعل زيارة الرئيس سعيّد إلى القاهرة تلبية لدعوة من نظيره المصري عبدالفتاح السيسي بعد يومين من خطاب ساكن قرطاج الناقد لـ"حركة النهضة" من أمام ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، تحمل في طياتها أكثر من معنى ودلالة ورمزية. فإن كان بورقيبة حياً أو ميتاً هو العدو اللدود الداخلي لـ"الإخوان" في تونس، وذلك رغم علاقاته الجيدة بـ"إخوان" مصر خلال فترة كفاحه ضد الإستعمار الفرنسي، فإن السيسي هو عدوهم اللدود خارجياً. كما أن أهداف هذه الزيارة، وهي إعادة نشاط اللجنة العليا المشتركة بين البلدين المتوقفة منذ سنوات والبحث في سبل التقارب وتوحيد الرؤى في الملف الليبي باعتبار تونس ومصر جارتين أساسيتين لليبيا، من المؤكد أنها ستزعج "حركة النهضة" الراغبة في مقاطعة النظام المصري منذ أن أطاح بحكم "الإخوان".
 
ويظهر أن أنصار "حركة النهضة" في تونس والذين انهالوا على قيس سعيد شتماً وتقريعاً على مواقع التواصل الإجتماعي بسبب زيارته إلى مصر لم يتكيفوا بعد مع المتغيرات العالمية والإقليمية الجديدة التي أنهت الخلاف الخليجي - الخليجي وجعلت تركيا حليفة "الإخوان" وراعيتهم تتودد إلى مصر. ويبدو أن السياسة بالنسبة إليهم هي مزيج من العواطف الجياشة تجعلهم ينضبطون في التصويت الإنتخابي لحركتهم حتى وإن أوصلت البلاد إلى الهاوية تماماً كجماهير الكرة مع أنديتها... وليذهب البلد إلى الجحيم فالمهم هو الحركة وشيخها.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم